تتعرض بنوك القرنيات كل فترة لموجات من الهجوم والادعاءات غير الصحيحة والظالمة رغم أنها تعمل فى ظل قانون ينظم عملها، وهى جميعا بنوك حكومية لا تهدف إلى الربح، حيث لا يسمح القانون المصرى بوجود بنوك قرنيات خاصة، ولا يستفيد العاملون بهذه البنوك، فهم موظفون حكوميون عينتهم الدولة لهذا الغرض، كما أنهم لا يتدخلون فى توزيع القرنيات على المرضى المحتاجين إذ أن ذلك يتم طبقا لقوائم انتظار، ونتيجة لموجات الهجوم المتكررة توقف بنكا كلية طب عين شمس (وهو أول بنك ينشأ فى مصر) ومستشفى رمد روض الفرج رغم مئات آلاف الجنيهات التى صرفت على تجهيز هذين البنكين ورغم الحاجة الشديدة إلى القرنيات لعلاج آلاف المرضى ومساعدتهم على استعادة الإبصار والعودة إلى مجتمع المنتجين، وفى ظل الأزمة المستحكمة لجأت بعض الشركات إلى استيراد قرنيات من بعض بنوك القرنيات بالخارج، وذلك رغم التحفظات الطبية والشرعية والاقتصادية ورغم رفضى التام لهذا الطريق فإننى لا أستطيع المطالبة بإيقافه قبل الوصول إلى حلول حاسمة تضمن سلامة ومصلحة المرضى ويمكن الرجوع إلى معهد بحوث أمراض العيون لمعرفة تجربتهم المريرة فى هذا المجال... وقد نادت الدولة أخيرا بالقضاء على قوائم انتظار المرضى ومنها قوائم ترقيع القرنية.. ترى هل هناك علاقة بين ما تقوم به الدولة وموجة الهجوم الأخيرة.. أم انها محض مصادفة، ومن المستفيد من ذلك؟.. لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بمحاولة عمل المستحيل لتنظم الحياة «يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا.. لا تنفذون إلا بسلطان».. صدق الله العظيم، وجاء هذا فى زمن كان مجرد التفكير فى ذلك الأمر نوعا من الجنون، ولكنها إرادة الله، وعندما أراد سبحانه وتعالى ألهم الإنسان إلى عمليات ترقيع القرنية لاستعادة الإبصار لمن يحتاجها كما ألهمه أشياء أخرى كثيرة فى حياتنا. وقد أجمعت توصيات السلطات الدينية والطبية ودار الإفتاء على مشروعية عملية نقل القرنية لمن يحتاجها، ومن المعروف أنه لا يمكن الحصول على قرنية المتوفى قبل مرور ساعتين على الأقل على تمام ثبوت الوفاة، وقد اختلفت الآراء حول ضرورة الحصول على تبرع من المتوفى قبل وفاته أو موافقة أهله، وعمليا فرغم أن قانون بنوك القرنيات جعل التبرع أحد مصادر الحصول على القرنيات فإن ذلك لم يحدث حسب علمى خلال نحو ستين عاما هى مدة عملى فى هذا المجال، ولنفترض حدوث التبرع وتوثيقه كما يطالب البعض وحدثت الوفاة فى المنزل وهو الاحتمال الأكثر حدوثا فكيف يعلم «بنك القرنيات» بالوفاة، وهل من المعقول فى مجتمعنا أن يذهب مندوب «بنك القرنيات» إلى منزل المتوفى وسط المعزين والمشيعين للحصول على القرنية.. صدقونى أن ذلك من المستحيلات، وقد أثبتت التجربة أن هذا الباب رغم وجوده لا يساعد عمليا على حل المشكلة، أما عن ضرورة أخذ موافقة أهل المتوفى، فقد أجمعت الدراسات الشرعية على أن الجثة حال الوفاة لم تصبح ملكا للمتوفى ولا لأهله، وإنما هى ملك لله سبحانه وتعالى... فكيف يطلب من أهل المتوفى رأي لا يملكون شرعا إبداءه، فما هو الحل؟ لقد أمرنا سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم بقوله «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» صدق الله العظيم.. وهنا فوض الله سبحانه وتعالى ولى الأمر فى اتخاذ مايلزم لمصلحة العباد مادام لا يتعارض مع الشرع، وفيما لم يرد فيه نص فى القرآن والسنة. وفيما يخص عملية ترقيع القرنية، فدور بنوك القرنيات هو الفحص والتأكد من سلامة القرنية ثم حفظها بمحلول خاص وفى ثلاجات خاصة ليمكن استعمالها خلال عدة أيام، وأما دور الطبيب فهو استبدال القرنية التالفة أو جزء منها «وهى ملك لله سبحانه وتعالى فأجسادنا ليست ملكا لنا» وإحلال جزء سليم من قرنية المتوفى «وهى ايضا ملك لله سبحانه وتعالى وليست ملكا للمتوفى أو أهله»، والآن وبعد أن تم توضيح الصورة هل ستظل بنوك القرنيات تحت رحمة البعض، ونترك المرضى يقاسون؟، وماذا سنقول لله سبحانه وتعالى إذا تقاعسنا فى هذه المشكلة ومن المستفيد من إثارة المشكلات كل فترة؟ وهل نترك بنوكا للقرنيات صرف عليها مئات الآلاف والحاجة إليها شديدة للغاية دون محاولة إعادة فتحها فى مناخ صحى لتؤدى عملها وتساعد فى حل المشكلة المزمنة؟.. وهل نساعد الدولة على بلوغ غايتها فى القضاء على قوائم الانتظار أم نتركها مجبرة على التعامل مع مستوردى القرنيات دون النظر إلى ما يشوب ذلك من محاذير مع ارتفاع التكلفة... إننى أطالب بأن تتولى الجهات المسئولة بحث ما يعوق عمل بنوك القرنيات واتخاذ الإجراءات اللازمة لقيامها بالعمل بسلاسة مثلما يحدث فى جميع دول العالم . د. ممتاز حجازى أستاذ جراحة العيون المتفرغ بطب القاهرة