تفاصيل تطورات الحرب على غزة وكواليس استهداف ثكنتين عسكريتين للاحتلال.. فيديو    وزير الخارجية الأمريكي يتوجه إلى مصر لبحث وقف إطلاق النار في غزة    رئيس الوزراء البريطاني: يجب على الناتو أن يضع أوكرانيا في أفضل وضع ممكن    هل يجوز الحلف على المصحف كذبا للصلح بين زوجين؟ أمين الفتوى يجيب    محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    محافظ قنا يشهد فاعليات اختبارات الموسم الثالث لمشروع كابيتانو مصر    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    محافظ سوهاج يوجه بمتابعة استعدادات المبادرة الرئاسية «بداية»    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    طارق الشناوي عن خلاف عمرو مصطفى ودياب: تبديد للطاقة.. الهضبة اخترق حاجز الزمن    الغرف السياحية: أقل عمرة تبدأ من 32 ألف.. والضوابط الجديدة أدت لزيادة الأسعار    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ثروت سويلم: سيتم الإعلان عن شكل الدوري الجديد وسيكون مفاجأة    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري قبيل اجتماع الفيدرالي الأمريكي    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. وحسم موقف اللاعب من المشاركة في مباراة السوبر    عاجل| غوتيريش: "لا تبرير للعقاب الجماعي للفلسطينيين"    هبوط مفاجئ ب924 جنيهًا .. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 (تحديث)    وفاة أربعيني غرقًا في بحيرة زراعية بالوادي الجديد    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. واللاعب خارج مباراة السوبر    "ريمونتادا" رايو فاليكانو تهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    «بعد زيارة مدبولي».. عمرو أديب: العلاقات المصرية السعودية دائما قوية مبهرة وجبارة    الشرطة الفنلندية توقف 3 أشخاص يشتبه بتورطهم في أنشطة لتنظيم داعش    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    المجلس القومي للشباب ببني سويف يحي ذكرى المولد النبوي الشريف    تعرف على أقل سعر لرحلات العمرة هذا العام    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    الإعدام غيابيا لمتهم تعدى على طفلة بكفر الشيخ    مصرع طالب سقط من قطار في منطقة العجوزة    ننشر صور ضحايا خزان الصرف الصحي بإحدى قرى المنيا    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    شيرى عادل عن الانفصال: أهم شىء أن يتم باحترام متبادل بين الطرفين.. فيديو    قرار من نقابة المهن التمثيلية بعدم التعامل مع شركة عمرو ماندو للإنتاج الفني    أحمد موسى: إحنا بلد ما عندناش دخل مليار كل يوم.. عندنا ستر ربنا    النائبة آمال عبد الحميد تطالب الحكومة بسقف للإيجارات: الشباب يطرد من السكن واللاجئ يسكن    أخبار 24 ساعة.. إتاحة رابط لتظلمات الدفعة الثانية بمسابقة 30 ألف معلم    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    حملة تضليل روسية لصالح اليمين المتطرف الألماني    سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    الفوري ب800 جنيه.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وكيفية تجديدها من المنزل    وكيل صحة الإسماعيلية تبحث استعدادات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    حدث بالفن| خطوبة منة عدلي القيعي ومصطفى كامل يحذر مطربي المهرجانات وعزاء ناهد رشدي    «أمرها متروك لله».. شيخ الأزهر: لا يجوز المفاضلة بين الأنبياء أو الرسالات الإلهية (فيديو)    حصر نواقص الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفى أبوتشت المركزي بقنا لتوفيرها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام» فى زيارة القرية بعد طلب الرئيس تقريرا عن أحوالها
السيسى أنصف «سنهور القبلية»
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 08 - 2018

* الأهالى: لم نصدق أن الرئيس يعرف أحوالنا.. واهتمامه طوق النجاة لنودع مشكلاتنا
* القرية احتلت المركز الأول فى «الفقر» والأخير فى «الخدمات»
* رئيس الوحدة المحلية: لودر القمامة محتاج «كاوتش» و«بنستلف» المعدات من القرى المجاورة
* المستشفى الوحيد مغلق منذ 18 عاما.. والمركز الطبى بلا أطباء
* العمدة: الميزانية 250 ألف جنيه.. والحل تحويلنا إلى مدينة
* سبعينية معاقة وشقيقتها بلا أى دخل و«الكرتون فرش وغطا»
أقصى ما يحلم به سكان قرية، امتدت معاناتهم مع سوء الخدمات وشظف العيش عقودا طويلة، أن يجدوا مسئولا يصغى إلى صوتهم، عازما على انتزاع المعاناة من حياتهم، فما بالنا إذا كان المسئول هو رئيس الجمهورية شخصيا يذكر القرية « سنهور القبلية» فى ملأ كبير ولقاء شبابى مهم، متسائلا بقلق: أريد أن أطمئن كيف يعيش هؤلاء ؟ وذلك بعد استماعه لتقارير رسمية تصنف القرية بأنها الأفقر على مستوى الجمهورية.
اهتمام خاص أبداه الرئيس وحرص كبير على أن تتعدل أحوال القرية فى أقرب وقت ممكن جعله يطلب من الرقابة الادارية تقارير مفصلة عنها وعن أهلها.
وكان لابد بعد هذا أن نشد الرحال إلى محافظة الفيوم لنرى كما قال الرئيس كيف يعيش هؤلاء، وبمجرد ظهور بحيرة قارون بمياهها العميقة الزرقاء على جانب الطريق، توقفنا بالسيارة لنسأل عن وجهتنا: سنهور القبلية منين لو سمحت؟
انعطفنا يسارا بناء على الوصفة تاركين البحيرة الهادئة وراءنا.. وهنا بدأت أستعد لخوض مهمتى الصحفية، تتناوبنى مشاعر من الفضول المشوب بالحسرة، فبعد سبعة كيلو مترات فقط من هذا الجمال سأكون واقفة على أرض أفقر قرية بمصر، ترى ماذا فيها من المشكلات و الحكايات المبكيات حتى تستحق المركز الأول فى العوز والاحتياج ؟!
كنا قد استطعنا التواصل تليفونيا قبل سفرنا مع بعض المهمومين بأمر قريتهم والمتشبثين بقوة بكلمات قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال مؤتمر الشباب الأخير عن سنهور القبلية، مطالبا المسئولين باعداد تقرير شامل عنها، القرية كلها اعتبرت هذا الاهتمام المفاجئ هو طوق النجاة الذى ألقى إليها. بمجرد وصولنا كان فى انتظارنا عصام صالح حكم دولى بالاتحاد المصرى للكاراتيه بدأ يسرد متاعب قريته التى تحظى بكثافة سكانية عالية لاتقارن بأى قرية أخرى أكثر من 120 ألف نسمة يعانون نقصا حادا فى الخدمات الصحية والتعليمية والبيطرية، ورغم أن الصرف الصحى تم ادخاله منذ عام 92 إلى معظم قرية سنهور إلا أنه فاض به الكيل وضاقت وصلاته عن احتمال التوسع السكانى، فأصبح يطفح بالبيوت لدرجة أن «السراير» عامت فى المنازل العام الماضى بمنطقة الشيخ سليمان، ويبرهن على حال أهلها البسطاء بتكالبهم الرهيب على قافلة طبية بعثت بها وزارة الصحة قبل أيام، لم تتمكن من الكشف إلا على ثلاثة آلاف حالة فقط.
الأمراض هنا منتشرة لأسباب عدة يقول عصام منها تلوث الزراعات بمياه الصرف غير المعالجة، وانتشار زواج الأقارب، وخطوط الضغط العالى التى تحتضن البيوت والدكاكين، والمحصلة أمراض كبد وتشوهات أطفال وأمراض وراثية.
كنا نستمع لكل هذا الوجع ونحن نتطلع مرغمين لوجع أكبر ..وجع المعايشة لفصول المسرحية الهزلية فصلا فصلا، بدأناه بزيارة للمركز الصحى، المبنى من الداخل واسع ومريح واللافتات المعلقة على الحائط تعلن أن هناك خدمات صحية وطوارئ وعيادات خارجية، دخلنا نسأل عن الأطباء فلم نجد أحدا، وهنا علمنا سر الهدوء العجيب وخلو المكان من المرضى، عدد من فتيات التمريض بالمكان : مايسة عيد، وهبة السيد، ونورا أحمد أفضين إلينا بهموم متشابهة: نحن تسع ممرضات أساسيات فقط بالمركز، رغم أن المفروض أن نكون 15 ممرضة، والعجز يتم تعويضه بعملية انتداب كل شهرين، فتأتى الممرضة وهى تعلم أن عمرها قصير بالمكان فلا تتسلم عهدا ولا تؤدى أى عمل ولا تهتم بالحفاظ على أى جهاز بالإضافة لكونهن غير مدربات، وبالتالى فوجودهن والعدم سواء، ورغم أن الساعة تجاوزت العاشرة صباحا فلم تبدأ العيادات الخارجية عملها بعد وغالبا لن تبدأ، تقول هبة: أنا باتعامل مع حالات تنظيم الأسرة والطبيبة لا تأتى سوى مرة أو مرتين على الأكثر أسبوعيا، ولايمكننى سوى قياس الضغط والوزن أما أى حالة تحتاج تركيب وسيلة أو لديها شكوى أوحتى نزيف فلابد أن تنتظر بالأيام، الممرضات أيضا يفتقدن بالإضافة لغياب الأطباء غياب الأمن وغياب السرنجات !
المبنى الصاعق
فى طريقنا للخروج لحق بنا رجل سبعينى أدرك من وجود زميلى المصور أننا صحافة، خاصة أن القرية حظيت فجأة بهجوم صحف ومواقع وفضائيات بعد أن ذاع صيتها، تحدث إلينا المهندس فيكتور وجيه، وهو عضو مجلس محلى سابق، عن هروب الأطباء وتحايلهم لرفض التكليف فى مركز القرية، وأن كشك الولادة بها يعمل فترة صباحية فقط ، فإذا فاجأت الحامل آلام الولادة فانهم يهرعون بها فى «التوكتوك» إلى مستشفى أقرب قرية، وبالمناسبة كان هذا هو اقتراح محافظ الفيوم الحالى على حد قوله عندما شكونا له عدم وجود مستشفى مركزى أن نذهب إلى «فيديمين» !!
تجمع حولنا عدد من الأهالى لمرافقتنا لمبنى ضخم على بعد أمتار من المركز الطبى، علمنا منهم أنه جثة هامدة لمستشفى مركزى تم إنشاؤه وتجهيزه بتكلفة عالية وبأحدث الأجهزة، إلا أنه فى يوم الافتتاح فوجئوا به والمياه تتدفق من أعلاه وكل جوانبه، وبدا المبنى مكهربا يصعق كل من يقترب، وتم تأجيل الافتتاح بعد ظهور شروخ داخلية وتصدعات فى الحوائط والكمرات، وانتهى الأمر بإعلان لجنة فنية من كلية الهندسة عدم صلاحية المبنى لاستقبال أى أرواح آدمية، ليس هذا فقط بل ضاعت المسئولية بين المقاول والمهندس المسئول وسمعنا حكايات عن «اللى هرب» و«اللى اختفى»، كل مايعنينا أن هناك مستشفى أنفق عليه الملايين، ولاتدخله سوى القطط الضالة، أما الأجهزة فقد حملت الصحة بعضها إلى أماكن أخرى، إلا أننا عندما اقتربنا من الباب الحديدى المغلق بالجنازير وجدنا خلفه جهازا يعلوه تراب السنين قال أحدهم إنه جهاز للأسنان كان وقتها قبل نحو 18 عاما من أحدث وأغلى أجهزة الأسنان فى مصر، تركنا الواقفين بعد أن وعدناهم بأن نحمل شكرهم للسيد الرئيس، وأن تكون «الأهرام» منبرا إعلاميا لعرض مشاهد حقيقية من حياتهم ووضعها أمام الرئيس السيسى كما طلب هو.
لودر بلا عجلات
القمامة أكوام وأكوام فى الشوارع الرئيسية، ما إن يتم رفعها حتى تمتلئ فى دقائق بمثلها، طبعا لا توجد صناديق ويتم الإلقاء على جانبى الطريق، كما علمنا فإن القرية تنتج مخلفات كثيرة من الأسواق الموجودة بها، بالاضافة لمخلفات المواشى والمخلفات الزراعية. لفت نظرنا استخدام الطرق البدائية فى رفع القمامة على عربة نقل متهالكة ووجود لودر صغير يعمل بلا عجلات ! لم يطل بنا البحث عن رئيس الوحدة المحلية فقد كان واقفا فى مدخل القرية يشرف بنفسه على ازالة القمامة التى تجمعت ليلا، لم ينكر طارق عاطف أى شىء بدءا من عدم قدرتهم على مواجهة مشكلة القمامة الرهيبة الناتجة من القرية، وانتهاء بعدم استجابة المسئولين لمطالب الصيانة والإحلال والتجديد ولنقص العمالة ، قال: «أنا عندى فقط 3 عمال نظافة للعمل بالشارع يكنسون ويجمعون القمامة ويرفعونها على العربية، كل ده بيخدم قرية و12 عزبة من توابعها» ويضيف: «محتاج لورى كبير وعربية كبس والأهم صيانة المعدات الموجودة اللى منها شغال رغم غياب قطع الغيار، زى اللودر اللى حضراتكو شفتوه بعجلات حديد فقط لأنه يحتاج أربع فرد كاوتش صب تتكلف حوالى 40 ألف جنيه، وكثيرا ما نضطر نستلف معدات النضافة من القرى الأخرى، وللأسف الوحدة المحلية مطالبة بتحمل مرتبات العمال والسائقين من صندوق الخدمات، لأنهم خارج الميزانية، ولدينا مشكلة أيضا فى تكلفة نقل كل هذه الكميات من القمامة إلى المدفن الصحى بكوم أوشيم، لذا نحتاج مركز تجميع خارج الكتلة السكنية ونحتاج أن تتعاون معنا الجمعيات الأهلية فى مشكلاتنا، وجدنا رجلا يهرع إلينا بأوراق تثبت المطالبات بقطع الغيار الناقصة «وجدى عياد» أمين المخازن: والله عندنا معدات معطلة منذ سنوات بسبب قطع الغيار والصيانة!».
الزوج «طفشان»
بيوت مظلمة ضيقة سقفها جذوع نخيل وأرضها ترابية وجدرانها تنضح رطوبة عفنة، ومع ذلك فكلمات الترحيب والوجوه المملوءة بشاشة تجعلك تمضى وقتا طيبا بداخلها فى رفقة نساء عجائز أغلبهن بلا عائل، أو شابات هجرهن الزوج للعمل أو للزواج بأخرى، تقول هبة قرنى: «جوزى بقاله 3 سنين سايبنى أنا والعيل التعبان، وطفش وسمعنا أنه اتجوز واحدة تانية حتى أخويا اللى كان بيجرى علينا جاله نزيف داخلى فى المخ ورقد فى البيت بعد ماكان سواق وكسيب».
وتشير إلى طفلها المنبطح أرضا، أحمد رجب قائلة: «عنده ضمور فى المخ والدكتورة فى معهد الشلل بامبابة أخبرتنى انه فى حاجة لعملية وعلاج طبيعى وان الجلسة ب 30 جنيها، عملت كام مرة ووقفت، احنا لاقيين ناكل أما نلاقى علاج» !
أم أخرى تحمل رضيعتها (هايدى مصطفى) تعانى أيضا ضمورا فى المخ وعدم قدرة على تحريك رأسها تقول: «كشفنا مرة واحدة فى مصر وماروحناش تانى مامعناش فلوس السفر والدكاترة».
وفى بيت صغير كان الهدوء يخيم عليه نادينا على الموجودين فخرجت لنا سعدية محمود ترحب بنا ووجدنا أنفسنا مباشرة داخل غرفة صغيرة، يحتلها سرير متهالك وإلى جواره ركن لمرحاض بلدى مغطى بستارة لقضاء الحاجة، ثم اقتادتنا إلى الغرفة الأخرى المظلمة وأشارت لعجوز ضئيلة الجسد تجلس على الأرض مفترشة ورق الكرتون أسفلها، قائلة: «أختى عويسية محمود محمد عندها (67 سنة) ماتجوزتش وطول عمرها تعبانة شوية فى مخها (تخلف عقلى) وانا جوزى سابنى أما لاقانى قاعدة معاها وباخدمها وأحميها وأنضفها وطفش وأنا عندى ( 60 سنة) ومالناش أى دخل ولولا أهل الخير كنا موتنا من الجوع».
الغريب أن هذه المسنة المريضة ليس لها استحقاق فى «تكافل وكرامة» لأنه ليس معها أوراق بالرغم من أن أختها نجحت فى استخراج بطاقة رقم قومى، همست سعدية فى أذننا قبل الرحيل: «ياريت حد يجبلنا أى فرش.. البيت فاضى والمطر بينزل فوق دماغنا فى الشتا».
وفى بيت مجاور التقينا فوقية فرحات نصر قالت لنا: «باقبض 500 جنيه من التأمين عشان جوزى الله يرحمه كان مأمن على نفسه وسألت قالولى عشان كده مالكيش فى تكافل وكرامة وأنا مريضة ضغط وسكر ومش قادرة أجيب العلاج ، وابنى الوحيد مسجون من خمس سنين، وحتى البيت سقفه عروق خشب معششة فيها الفيران والتعابين».
سرعان ما ازدحمت حولنا نساء المنطقة خرجن كل واحدة تحمل بيدها أوراقا ظنا أننا من الضمان الاجتماعى وهذه باختصار شكواهم:
صباح محمود: «زوجى أرزقى وعندى 3 عيال قدمنا الورق وقبلوه ومافيش رد بالموافقة ولا الرفض».
أم هاشم زوجة محمد مصطفى: «قدمنا واسم جوزى طلع بس ما استلمناش الفيزا».
منصورة أبو الحارث: «باشتغل عاملة ظهورات «مؤقتة» فى مدرسة وجوزى واخد حكم 25 سنة ومعايا 6 عيال قالولى لازم جوزك اللى يقدم, طب ازاى وهو مسجون !».
نادية عبد الفتاح : «كنا بنقبض وشالوا القبض».
الوحدة المهجورة
تربية المواشى أمر لا تخلو منه أى قرية، ولأن إصابات الجلد العقدى كانت عالية بالفيوم بصفة عامة وبالقرية خاصة. تعمدنا أن نزور مقر الوحدة البيطرية، المنظر العام كان كفيلا بتوضيح الصورة: مكان متهدم وحوائطه متآكلة والسور الخارجى منخفض جدا ولولا أننا وجدنا الدكتورة تريزة خليل بإحدى الغرف التى يتدلى العنكبوت بكثافة من سقفها لكنا شككنا فى أننا بداخل خرابة أو مقبرة، هذه الطبيبة تقوم بكل شئون العمل البيطرى بالقرية والاثنتا عشرة عزبة التابعة لها: تقول: "باروح المجزر فجرا للكشف على الذبائح وأرجع الوحدة وباخرج لحملات التحصينات بنروح العزب نقعد على الأرض وينادوا على الفلاحين فى المسجد عشان تطعيم المواشى منهم اللى بيقبل ومنهم اللى بيستكتر فلوس التحصين رغم أن الحمى القلاعية مثلا بعشرة جنيهات، وتضيف: مافيش عمالة حتى المؤقت ممنوع ومافيش أمن كل يوم الوحدة تتسرق وغطيان الصرف الصحى كلها اتاخدت، حتى موتور الميه راح، وأخيرا روحت نيابة سنورس وقالوا هيبعتولى غفير يبات، وبالاضافة لكل ماسبق أنا اللى باكنس مكتبى وامسحه !".
اختفاء الكلور
طوال مرورنا بالقرية كنا نسمع شكاوى متكررة من الصرف الصحى، وعلمنا أن هناك محطة ضخمة لمعالجة مياه الصرف ولكنها تتعرض لمعوقات ومشاكل، دخلنا إلى مقر المحطة ونحن نكاد نحبس أنفاسنا من بشاعة الرائحة، التقينا رئيس المحطة «نادى عيد عبد الجواد» الذى شرح لنا أولا دورها فى استقبال ومعالجة مياه الصرف الصحى بقرى سنهور والسلين وفيديمين، من خلال ترشيحها وتصفيتها ثم أخيرا إضافة الكلور لها، و يستطرد: «منذ الثورة والكلور مابقاش ييجى وبقت الميه بتخرج للمصرف اللى قدام المحطة ده بدون كلور أى بدون تطهير، وللأسف الفلاحين بياخدوا بمواتير ويقومون برى الأرض بتاعتهم، سألناه برعب عن العينات وهل هناك رقابة أجابنا بالايجاب أن هناك عينات يتم أخذها بمعرفة محطة قحافة وطبعا العينات ساقطة !».
ويتدخل آخر فى الحوار: «المحطة أصلا تحتاج إحلال وتجديد وينقصنا الكثيرمثل طلمبات الغواطس، واحنا شغالين بطاقة 20%».
للعلم هذا المصرف الذى يمتلئ بمياه لونها أسود كالح، يمتد من القرية حتى بحيرة قارون ولعلنا ندرك بعدها ما الذى أصاب أسماكها، ولعل هذا ماجعل محمد الليمونى محامى بالقرية يرفض شراء الخضراوات والفاكهة منها متحسرا على شهرتها القديمة فى انتاج الموالح.
نخيل الضغط العالى
يسير موازيا للمصرف ترعة بحر عبود وللأسف حال مياهها لايختلف كثيرا عن حال مياه المصرف، وعلى الجانبين تتراص البيوت البسيطة، التى تعامل أصحابها بأنفسهم مع أسلاك الكهرباء فقاموا بلفها حول النخيل والأشجار لأنه لاتوجد أعمدة، بل إن البعض بنى بيته وجعل فيه منفذا يخرج منه عامود الضغط العالى، فى مشهد غريب وخطير جعلنا نصر على التحدث مع أم هاشم عبد العزيز وهى أرملة وبناتها َتَنْمن وَيْصَحين أسفل الضغط العالى وتبرر ذلك بقولها: «اشتريت الحتة دى من زمان بكل اللى حيلتى وما كنتش أعرف ولا أفهم أن ده مشكلة، وانا وبناتى غلابة لما السلك بليل بيفرقع أو فى المطر بنطلع نجرى ونبات بره عند الجيران بس بنرجع تانى وننام خايفين، ياريت تقدروا تشيلوه من هنا».
اتهامات الواسطة
«علاء الماوى» منطقة أخرى من عشوائيات القرية، البيوت بلاصرف صحى والطرنشات هى البديل، ونفس الشكاوى والمتاعب وضيق الحال على لسان كل من التقيناهم الكل يطلب الحصول على دخل من «تكافل وكرامة» والبعض يشكك فى وجود واسطة ومحسوبية فيمن يتم قبولهم، هكذا قال ناصر مقبول: «ناس بتاخد وماتستحقش وناس تعبانة ومارضيوش يدوهم». ومحمد فرج يقول : «أنا عامل باليومية ومش لاقيين شغل باضطر املا ولاعات».
فور سماعنا هذه الشكاوى خرجنا من المنطقة العشوائية بحثا عن مقر التضامن الاجتماعى، مديرة المكتب زينب قرنى أحمد قالت: 3200 حالة تم قبولهم بتكافل وكرامة واستخراج كروت «الفيزا» لهم ولم يتم رفض سوى 200 حالة فقط، وردا على تشكيك الناس قالت: هناك معايير للقبول وأوراق لابد من تقديمها بالاضافة لبحث الحالة من خلال نزول الرائدات الريفيات إلى البيوت، وبالفعل سنهور بها الكثير من الأسر المعدمة وكذلك العزب التابعة لها عندما ندخلها لا يمكن أن نصدق أن هناك بشرا يحيا بداخلها، وبالمناسبة هناك حالات لأرامل ومطلقات تم رفضها، مع أن الأولوية لهن ولأسرة المسجون ولكن إذا وجد خلل فى الأوراق أو البحث لاتقبل، وفى أحيان أخرى تم ايقاف «الفيزا» بعد صدورها ولكن من خلال الوزارة بالقاهرة، ممكن يكون الشخص عنده تأمينات، أو الجمعية الزراعية تفيدنا بوجود حيازة لديه، غادرنا المكتب بعد أن أوصيناها بحالة عويسية وشقيقتها.
مطالب العمدة
اختتمنا جولتنا بلقاء سريع مع عمدة سنهور أشرف محفوظ عليوة وطلبنا منه التعليق على حال القرية، وكيف ولماذا وصلت لمرحلة أن تكون «الأفقر» على مستوى الجمهورية؟
أجابنا أن القرية هى الأفقر فى الخدمات المتاحة لأهلها، فهم يحتاجون مصانع لاستقبال وتصنيع منتجاتها خاصة من الموالح، ومشاريع لإعادة التوسع فى انتاج السجاد والكليم اليدوى المشهورة به، ونحتاج حلا من وزارة البيئة لمشكلة أطنان القمامة المنتجة من القرية، متسائلا لماذا لا يتم انشاء مصنع لتدوير القمامة؟! وأنا على استعداد لتوفير الأرض المناسبة له، ولماذا لايتم استكمال باقى مراحل الصرف الصحى بالقرية وتوابعها؟!
ويضيف: من يتهمنا بالتقاعس أو التقصير عليه أن يعلم أن الميزانية المخصصة لنا 250 ألف جنيه فقط ولذا نطالب - ومع كثافة السكان بالقرية ومساحتها الكبيرة - أن يتم تحويلها من وحدة محلية إلى مدينة مما يزيد من حجم ميزانيتها إلى خمسة ملايين جنيه.
تقرير صحفى شامل نأمل أن تضعه الأجهزة الرقابية ومسئولو الدولة المكلفون بمتابعة أحوال «سنهور القبلية»، التى أصبحت تشتهر بلقب أفقر قرية، ضمن ملفهم، كما نرجو ألا يضار أى فرد مواطنا كان أو مسئولا تحدث بأريحية عن همه وشكواه أو عجزه وباح بكل صراحة بما فى صدره، لأننا جميعا نعلم أن النوايا كلها تتجه للإصلاح وهو مالن يتحقق دون تشخيص صادق للعلل ومواطن الخلل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.