في حفل إفطار أقامه وزير الإعلام لرؤساء التحرير الجدد التف حولي عدد من رؤساء إحدي المؤسسات الصحفية العريقة, لأفاجأ برئيس تحرير المجلة الفنية الصادرة عن المؤسسة يبلغني أن مجلته لم تصدر خلال الأسبوع الأخير لعدم وجود ورق طباعة. وجاء رئيس مجلس ادارة مؤسسة صحفية أخري ومعه رئيس تحرير المجلة التي تصدرها المؤسسة, مطالبا أن أتعاون معه في مسعاه لدي رئيس مجلس الشوري لتوفير قرض عاجل للمؤسسة, حتي تتمكن من صرف مرتبات الشهر الحالي, ومستلزمات الطباعة. وذكر لي رئيس مجلس ادارة مؤسسة صحفية ثالثة أنه مهدد بالحبس لعدم استطاعته دفع تأمينات العاملين بالمؤسسة, وقال رئيس مجلس ادارة مؤسسة صحفية قومية رابعة أنه أصبح عاجزا عن سداد قيمة الورق الذي اشترته المؤسسة, وأن ذلك يعني توقف تلك الشركات عن توريد الورق اللازم لتنفيذ عقود طباعة الكتب التي تعاقدت المؤسسة عليها. وارتبط ذلك بالخلل المالي الموجود بعدد من المؤسسات الصحفية القومية, وعدم توافر السيولة لصرف المرتبات أو شراء مستلزمات الإنتاج في ضوء حالة الركود بالأسواق وقلة الإعلانات, وأصبح الجزء الغالب من مرتبات العاملين بعدد من المؤسسات الصحفية يأتي من وزارة المالية والمجلس الأعلي للصحافة. وكانت بعض المؤسسات قد لجأت قبل سنوات الي بيع بعض الأصول لديها لسداد أجور العاملين بها حتي تم استنفاد تلك المبالغ, ولأن المصروفات تزيد عن الإيرادات في غالب المؤسسات الصحفية القومية, فقد كان الاقتراض المصرفي هو الملاذ, لكنها لم تستطع السداد فتسببت الفوائد المستحقة, في تضخم الديون حتي فاقت المليار ونصف المليار في مؤسسة صحفية واحدة. ومع التعثر واستمرار نزيف الخسائر لسنوات عجزت بعض المؤسسات عن دفع ما عليها من ضرائب أو جمارك أو تأمينات اجتماعية وحتي الكهرباء والمياه, وهكذا أصبحت الحكومة لا تحصل علي مستحقاتها الضريبية التي تم تحصيلها بالفعل, أو التأمينية أو أقساط قروضها للبنوك العامة, الي جانب اضطرارها لدفع الأجور بتلك المؤسسات حفاظا علي السلام الاجتماعي داخلها باعتبارها مؤسسات مملوكة للدولة. وتحاول قيادات تلك المؤسسات إخفاء أوضاعها المالية بعدم الافصاح عن قوائمها المالية أو نسب المرتجع من إصداراتها, وبالتالي وجود حالة مبهمة حول حقيقة بعض الإيرادات, والتي قد ترد من بيع أصول كأراض أو شقق, وليس من النشاط الأساسي للمؤسسة وهو النشر الصحفي والطباعة. وأستطيع القول أنه لا توجد جهة رسمية لديها الموقف الكامل للأوضاع المالية الحقيقية داخل تلك المؤسسات, فعندما يذكر البعض أن خسائرها قد بلغت ثلاثة ونصف مليار جنيه, فإن هناك مؤسسة لم تعلن قوائمها المالية خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة, وأخري لم تعلن قوائمها خلال عامين بخلاف خسائر العام الأخير, في ضوء استمرار نزيف الخسائر في سبع مؤسسات. ونفس الأمر عندما يذكر البعض أن قروضها المصرفية قد بلغت ثلاثة مليارات ونصف المليار, فهذه أرقام قديمة قد زادت عن ذلك كثيرا حاليا سواء من جانب المؤسسات الخاسرة وكذلك الرابحة, كذلك لا يتم الإفصاح في غالب المؤسسات عن حقيقة المستحقات الضريبية والتأمينية عليها. ولهذا تحتاج معظم تلك المؤسسات الي اصلاح اداري ومالي لتحقيق التوازن المالي ما بين ايراداتها ومصروفاتها, وهو أمر صعب ويحتاج لسنوات في ضوء توقف غالب المطابع في بعضها, وبالتالي الحاجة لضخ مالي جديد لإعادة تشغيل تلك المطابع, الي جانب نفقات الورق ومستلزمات طباعة, كذلك كثرة العمالة غير المنتجة بها. ولقد تسبب تأجيل مواجهة مشاكل المؤسسات الصحفية القومية لسنوات الي تضخم تلك المشاكل وزيادة تكاليف التصدي لها. وعلي الجانب الآخر هناك التزام حكومي بعدم الإضرار بمكتسبات العاملين بتلك المؤسسات سواء الوظيفية أو المالية, وعدم الاستغناء عن عامل واحد, بل أن هناك استمرارا للتعينات الجديدة بتلك المؤسسات بغض النظر عن مدي الحاجة الي تلك العمالة. وتواجه تلك المؤسسات منافسة ضارية من الصحافة الخاصة والإلكترونية والمرئية والتي سحبت جانبا كبيرا من كعكة الاعلانات منها, في ضوء السهولة النسبية للحصول علي الخدمات الإعلامية من الوسائل الإلكترونية والمرئية والمسموعة, بالمقارنة لتكلفة الحصول علي الصحافة الورقية والتي تزيد في حالة المجلات. ورغم كل ذلك توجد عوامل ايجابية متعددة كامنة داخل تلك المؤسسات, يمكن من خلالها تحقيق التوازان المالي داخل المؤسسات بل وتحقيق الأرباح, في ضوء الانتشار الواسع لاصداراتها, والتي مازالت تحتل أماكن الصدارة بالتوزيع, والإقبال من المعلنين علي الإعلان بها, ووجود وكالات إعلانية متعددة الأنشطة بها, وفي ضوء ما تمكله من طاقات طباعية ضخمة ومهارات ادارية وأصول متنوعة منتشرة في ربوع البلاد. [email protected]