لا يكاد يمر يوم علي منطقتنا الملتهبة إلا ويطل علينا الإرهاب بوجهه القبيح ليسقط مزيدا من الضحايا بهدف إشاعة الفوضي وتقويض سلطة الدولة, في دول مثل المغرب والجزائر ومالي, وكذلك شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وسوريا والعراق واليمن. ويبدوا أن الجماعات الإرهابية استفادت بعض الشئ من الثورات العربية, فقد انهارت أنظمة ديكتاتورية أمنية كانت تحارب ضدها بضراوة, مما شجع بعض عناصرها علي العودة إلي الوطن بعد رفع أسمائهم من قوائم الانتظار مثلما حدث في مصر. كما وفرت أحداث في ليبيا مصدرا للسلاح الكثير والمتنوع الذي يتم تهريبه عبر الحدود وصولا إلي سيناء أو قطاع غزة أو الجزائر أومالي. ولم يكن اليمن بمعزل عما يجري, فقد أصبح تنظيم' القاعدة في شبه الجزيرة العربية' يشكل تهديدا جديا بعد أن سيطر علي جزء من أراضي الجنوب مستغلا عدم الاستقرار بسبب الثورة علي الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمرحلة الانتقالية المضطربة, وقام بعمليات خطف للأجانب لطلب فدية لتمويل أنشطته. وبالنسبة لسوريا, هناك مخاوف جدية من توسيع تنظيم القاعدة في العراق نشاطه إلي الأراضي السورية بعد ظهور بعض مقاتليه مع الجيش السوري الحر الذي يحارب ضد قوات الرئيس بشار الأسد, وربما هذا ما دفع الغرب إلي الإحجام عن تسليح الثوار خشية بروز القاعدة كقوة علي الحدود مباشرة مع إسرائيل, وهو أمر غير مقبول علي الإطلاق. وبالرغم من ذلك, حرمت هذه الثورات الجماعات الإرهابية من مبرر وجودها في دول الربيع العربي وهو مقاومة الحكام المستبدين باعتبارهم العدو القريب, خاصة مع صعود التيارات الإسلامية في الانتخابات التي جرت في كل من مصر وتونس, مما يعزل بالتبعية الجماعات المتطرفة أو التكفيرية غير المؤمنة بالديمقراطية, لأنه في ظل الأنظمة الديمقراطية يستطيع أي طرف التعبير عن رأيه وتوجهاته الفكرية بحرية طالما يحترم القانون ولا يلجأ للعنف أو النشاط السري, وهنا يجب ألا ننسي أن المعركة مع الإرهاب والتطرف هي بالأساس معركة ضد أفكار قبل أن تكون معركة أمنية. ولا يزال تنظيم القاعدة, رغم اعتراف الولاياتالمتحدة بأن مقتل زعيمه أسامة بن لادن العام الماضي دفعه إلي التراجع, ملهما للعديد من الجماعات والتنظيمات المنتشرة في المنطقة العربية وإفريقيا التي تسعي لإقامة إمارة إسلامية في مناطقها بعد تكفير أهلها. لقد تعرض التنظيم لضربات متلاحقة من الولاياتالمتحدة التي قتلت عددا كبيرا من قادته, مما هدم تنظيمه الهرمي وتسبب في خروج جماعات أصغر من تحت عباءته أو ظهور أخري متعاطفة مع أفكاره لكن لا تربطها به صلات مباشرة, وفي كلتا الحالتين أصبح من الصعب عمليا السيطرة عليها بواسطة الزعيم الحالي للقاعدة أبمن الظواهري. وربما تكون تلك استراحة لالتقاط الأنفاس فقد أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن الإرهاب في2011 أن القاعدة ما زالت قادرة علي القيام بهجمات إقليمية ودولية.ويهدد تنظيم القاعدة أيضا الجزائر والمغرب وليبيا, بالإضافة إلي مالي التي تخضع مناطق واسعة في شمالها لسيطرة ثلاث جماعات مسلحة هي القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. وما يهمنا هنا هو شبه جزيرة سيناء التي وصفتها الخارجية الأمريكية في تقريرها حول الإرهاب بأنها منطقة مثيرة للقلق, ولعل الهجوم الإرهابي الذي راح ضحيته16 شهيدا من جنودنا في رفح يؤكد الخطر الداهم وضرورة التصدي له قبل فوات الأوان. ولم يكن هجوم رفح الأول من نوعه إلا أنه يعتبر الأخطر, حيث أسفر عن سقوط أكبر عدد من الشهداء في صفوف القوات المسلحة منذ انتصارها في حرب أكتوبر1973, وربما يكون البداية الحقيقية للقضاء علي وجود الدولة المصرية في هذه المنطقة بهدف السيطرة عليها. ومن الثابت أن سيناء كانت تعاني فراغا أمنيا بعد ثورة25 يناير, وحاولت الجماعات التكفيرية والجهادية التي يتبع بعضها تنظيم القاعدة سد هذا الفراغ وبسط سيطرتها عليها تمهيدا لإعلانها إمارة إسلامية مستقلة عن مصر.وقد يحاول البعض الربط بشكل مباشر بين ما حدث في سيناء والثورة, لكن الواقع يؤكد أن الفراغ الأمني كان موجودا حتي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وهو ما أسفر عن وقوع تفجيرات راح ضحيتها العشرات مثل طابا ونويبع في2004 وشرم الشيخ في2005 ودهب في2006, وكذلك تفجير مسلحين فلسطينيين الجدار الحدودي في رفح والاشتباك مع قوات الأمن المصرية في.2008 وبطبيعة الحال زادت وتيرة هذا الانفلات بعد الثورة مما أدي إلي وصول عدد الهجمات علي قوات حرس الحدود والأمن في شمال سيناء إلي نحو28 هجوما خلال أشهر معدودة, وكان من أبرزها الهجوم علي قسم ثاني شرطة العريش في يونيو الماضي, وتفجير خط تصدير الغاز المصري15 مرة منذ اندلاع الثورة. ويبدو أن زيادة تسلح هذه الجماعات وتراخي القبضة الأمنية هو ما أغراها بالظهور علنا لتنفيذ مخططاتها علي الأرض بدلا من الاختباء في جبال سيناء. وكان من الضروري أن تسارع القوات المسلحة المصرية إلي شن عمليات عسكرية واسعة النطاق لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية والإجرامية, حيث يقول مصدر أمني مصري أن المسلحين المختبأين في الجبال ينتمون إلي13 جماعة أبرزها الرايات السوداء والتوحيد والجهاد وجند الإسلام وتنظيم قاعدة الجهاد في أرض الكنانة. ومن الضروري أن تتزامن هذه العمليات مع السيطرة التامة علي الحدود وإغلاق جميع الأنفاق مع قطاع غزة, والتي يقدر عددها بنحو1200 نفق, خاصة أن معبر رفح كان مفتوحا بشكل دائم قبل الاعتداء, ومن المتوقع فتحه أيضا بعد انتهاء العمليات, مما ينتفي معه مبررات وجود الأنفاق التي تهدد الأمن القومي المصري.وهناك فرصة لاستغلال هذا الظرف المأساوي وتعاطف العالم مع مصر من أجل التفاوض مع إسرائيل لتعديل الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد بغرض السماح بنشر المزيد من القوات المصرية لضبط الأمن والحدود وبسط سيطرة الدولة علي سيناء, بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين. كما يجب أن يتبع ذلك البدء في تنمية شاملة لسيناء وحل مشكلات مواطنيها وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة ينتقل إليها بعض أبناء الوادي والدلتا المكتظين بالسكان, لكي يعمروا مع أبناء القبائل هناك تلك البقعة الغالية من أرض الوطن, ويكونوا خط الدفاع الأول ضد أي خطر سواء الجماعات الإرهابية والإجرامية أو أطماع إسرائيل فيها. [email protected]