لم تتوقع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى أن يعطيها رئيس الوزراء البلجيكى تشارلز ميشيل القميص رقم 10 للمنتخب البلجيكى خلال القمة الأوروبية لبحث أزمة الهجرة وتطورات البريكست ، وذلك عشية مباراة انجلتراوبلجيكا التى انتهت بفوز المنتخب البلجيكى بهدف مقابل لا شئ. فعندما تقدمت تيريزا ماى لأخذ الهدية، قال لها مساعدو رئيس الوزراء البلجيكى إنها كتاب. ثم عندما تسلمت الهدية وجدتها القميص رقم 10 للمنتخب البلجيكى وسط ضحكات من حولها. وعلى ظهر القميص كتب «هازارد» وهو أسم المهاجم البلجيكى الدولى إيدن هازارد، لكن هازارد بالانجليزية تعنى أيضا «خطر» أو «تحذير خفى لما يمكن أن يأتى»، وإسقاطات ذلك على الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى (البريكست ) واضحة بجلاء. علم إنجلترا بجانب علم بريطانيا العظمى فوق مقر الحكومة بلجيكا ليست فقط دولة منافسة فى كأس العالم، بل «عاصمة البريكست» بفعل كونها القلب الإدارى للإتحاد الأوروبى وفيها كل الإدارات التى باتت تمسك بتفاصيل مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. نفذ رئيس الوزراء البلجيكى «الكمين» ضد ماى بالتواطؤ مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال قمة متوترة وأوقات عصيبة لم تخل منها إسقاطات كأس العالم على الأوضاع السياسية، إبتسامة ماكرون الماكرة كانت « لأن فرنسا ما زالت تنافس فى المونديال». و«تكشيرة» انجيلا ميركل الواضحة كانت لأن ألمانيا خرجت لأول مرة من الدور الأول منذ 1938. أجواء كأس العالم المحمومة باتت تنعكس سياسياً على بريطانيا بشكل يومى أيضاً. فخلال جلسة فى البرلمان البريطانى، أشاد النائب عن «حزب المحافظين» نيكولاس بولس بأداء المنتخب الأنجليزى، مشدداً بالذات على ما أسماه «الأداء المنضبط» للمنتخب و«القدرات القيادية» لمديره الفنى جاريث ساوثجيت و«روح الجماعة» لدى الفريق. وربما كانت إشادة النائب المحافظ «بريئة»، ولكنها ربما كانت أيضا إسقاطا خبيثا على الأداء المخيب لتيريزا ماى. فحكومتها هى نقيض للمنتخب الإنجليزى لكرة القدم. فإذا كان المنتخب «منضبطاً» و«منسجماً» ويعمل تحت قيادة موحدة» «بدون شعور بالأنا»، فإن الحكومة هى عكس كل هذا. وقد استمعت تيريزا ماى فى بروكسل لتقريع علنى بسبب «تفكك» حكومتها وعدم قدرتها على إعطاء الاتحاد الأوروبى حتى الآن أى تصور عن شكل البريكست. وإذا كان المنتخب الانجليزى «منسجماً» فإن الحكومة وحزب المحافظين ما زالا منقسمين بشكل حاد بين معسكرى « البريكست الخشن» و«البريكست الناعم». وإذا كان المنتخب الانجليزى يعمل تحت «قيادة موحدة»، فإن الحكومة والحزب لديهما «رؤوس كثيرة» كلها تريد أن تطيح برأس ماى كى تحل محلها، ولا أحد منهم يحاول حتى ان يخفى طموحه، بدءاً من وزير الخارجية بوريس جونسون وحتى وزير الدفاع جافن ويلياسمون. ومع تخبط بريطانيا فى ملف البريكست وانخفاض الروح المعنوية بسبب تهديدات شركات كبرى بالخروج من السوق البريطانية إذا استمرت الضبابية الحالية، فإن تقدم المنتخب الإنجليزى لدور ال16، ربما هو الشئ الوحيد حالياً الذى يضع بسمة على وجوه البريطانيين. لم يفت ماى طبعاً محاولة الاستفادة سياسياً من أداء المنتخب، فقد قررت رفع علم انجلترا (أبيض وعليه شريطان بالأحمر عرضياً وأفقياً) فوق مقر الحكومة فى «10 دواننج ستريت» وباقى الوزارات حتى نهاية كأس العالم، ليكون جنباً إلى جنب مع علم بريطانيا العظمى (الذى هو عبارة عن علم موحد لأعلام انجلترا واسكتلندا وايرلندا). لكن القرار قوبل بحس لاذع. فوزير شئون اسكتلندا ديفيد مونديل (اسكتلندي) غرد على «تويتر» قائلاً انه سيكون سعيداً برفع علم انجلترا فوق مقر وزارته وسط لندن، بشرط أن يرفع العلم الاسكتلندى فوق مقر الحكومة والوزارات فى كأس العالم المقبلة. كما عبر سياسيون من ايرلندا عن ضيق مماثل لأن علم ايرلندا لا يُرفع على المقار الحكومية عندما تحرز المنتخبات الأيرلندية بطولات. طبعاً يلعب التاريخ المعقد لعلاقات انجلترا مع ايرلندا واسكتلندا دوراً فى تلك الحساسيات. وهى حساسيات لخصتها ميشيل كروفورد مراسلة «سكاى نيوز» فى بروكسل عندما باغتها آدم بولتون، كبير محررى «سكاى» خلال تغطية القمة الأوروبية بسؤال عن أى فريق ستشجع فى كأس العالم؟ فردت كروفورد متلعثمة: «أنا أعيش فى بروكسل لكننى ولدت فى إيرلندا. عندما كنا أطفالاً فى ايرلندا تعلمنا أولاً أن نشجع ايرلندا، ثم نشجع أى فريق آخر غير انجلترا يلعب ضدها».