كانت تلك العبارة الرائعة فى صدر الإهداء الذى وضعه الدكتور جودة عبد الخالق على رسالته للدكتوراة من جامعة ماكماستر بكندا.. والدكتور جودة فى غنى عن التعريف فهو أستاذ الاقتصاد المتميز والمرموق بجامعة القاهرة والأستاذ الزائر بأمريكا والدول العربية وصاحب العديد من المؤلفات العميقة التى جمعت بين الفكر الاقتصادى والرؤية السياسية والاجتماعية للمجتمع المصري، أخيرا هو الوزير الناجح لعدد من الحقائب المهمة فى المراحل الانتقالية التى تلت 25 يناير 2011. فى «حكاية مصرية» يحكى الدكتور جودة قصة حياته هو ورفيقه العمر الدكتورة كريمة كريم. تبدأ القصة بنشأته المتواضعة فى أعماق الريف المصرى .. كفاحه من أجل التفوق الذى توج بالمركز الثانى على الثانوية العامة ومصافحته الزعيم جمال عبد الناصر فى عيد العلم وانبهاره بشخصية الزعيم. دخوله كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .. التحاق كريمة بالكلية بعد عام من دخوله لها. رؤيته الاولى لكريمة بالكلية وسط زميلاتها والحب من أول نظرة وقراره «سوف أتزوج تلك الفتاة».. سفرهما لكندا والمصاعب التى واجهتهما هناك. اضطرار كريمة بنت الحسب والنسب للعمل كمساعد طباخ وجودة كبستانى وبائع متجول. أخيرا نجاحه هو وهى فى الحصول على منحتين لدراسة الدكتوراة. رفضهما بعد حصولهما على الدكتوراة عروضا وإغراءات للعمل برواتب خيالية فى كندا. تنتهى الحكاية بالرجوع إلى أرض الوطن وكما علمت فالدكتور جودة يحضر لأجزاء أخرى من السيرة الذاتية. لعل أمتع جزء فى السيرة الذاتية هى قصة زواج جودة وكريمة. ولعلى أراها واحدة من إنجازاته المهمة، فقد ارتبط بتوءم الروح التى يحبها رغم الفارق الاجتماعى الواسع، وجاد هذا الارتباط بسعادة ساخنة ونجاح مهنى عظيم .. كانت كل المؤشرات تشير الى صعوبة هذا الزواج. حقا هو مثال للشاب صاحب المثل العليا والفكر المستقل والشخصية المميزة والذكاء المتقد، لكنه شاب فقير ذو نشأة متواضعة فى أعماق الريف المصرى ولديه التزامات كثيرة نحو أسرته الكبيرة. أما كريمة فهى بنت الحسب والنسب ذات نشأة ارستقراطية فى المعادى ولديها الطباخ والسفرجى والسائق والخدم. ولعلها تصرف على بند الشيكولاتة التى تعشقها أكثر من راتب جودة. فكيف سيلتقيان؟ وكيف سيوافق اهلها؟ .. انجذب جودة لكريمة لأنه أحبها، فعندما سأله أبوها: «لماذا تريد الزواج من ابنتي؟»، كان رده ببساطة وعفوية: لأَنِّى احبها.. انجذبت كريمة لجودة لأسباب تذكر انها عقلانية. هى تنكر وجود عاطفة وتؤكد انها اختارته بعقلها ومنطقها الآتى: «هذا الشاب الفقير تمكن رغم كل المصاعب والتحديات من التفوق والحصول على المركز الأول على دفعته. هو إذن رجل قوى ومميز ويمكننى الاعتماد عليه فى مسيره الحياة». هل حقا هذا هو السبب الوحيد؟ لقد لاحظت الطالبة ولاحظت زميلاتها اهتمام الشاب بها. ألم يعجبها ذلك؟. من يدرس الطبيعة الإنسانية يعرف أن الأنثى تحب أحيانا «حب الرجل لها» أكثر من حبها له.. عموما أخذت الفتاة المبادرة عندما تقدم لها أحد أساتذتها وكان يكبرها فى العمر فذهبت إلى جودة لتستشيره فى هذا الأمر الشخصى. انتهز الشاب الفرصة وعرض عليها الزواج بصورة متوارية (لوجود آخرين بالغرفة) على شكل مفاضلة اقتصادية بين سلعتين. فهمت الفتاة التورية ورحبت لكن العقبة كانت فى الأهل. سئل الأب د. رفعت المحجوب وكان رده سلبيا اما د. زكى الشافعى عميد الكلية الفاضل فكان رده إيجابيا. إزاء اصرار الفتاة رضخ الأب، واشترط خاتما من الألماس للفتاة ولم يكن هذا فى مقدور الشاب. لحل المشكلة عرضت الأم والابنة شراء خاتم فالصو فالأب لن يعلم على أى حال. رفض الشاب ذو المبادئ هذا الخداع رغم أنه قد يكلفه فقدان الارتباط بمن يحبها .. انتهت الأزمة بشراء خاتم مستعمل .. وتم الزواج .. فى النهاية، المذكرات سلسة وممتعة، وهى إثراء جديد للمكتبة المصرية. وما أحوجنا فى هذا الزمان إلى مثل هذا الأدب الراقى. لمزيد من مقالات ◀ أحمد قنديل