وزارة البترول توقع 4 مذكرات تفاهم لزيادة أنشطة استكشاف وإنتاج وتنمية الحقول    نائب محافظ المنوفية: تكثيف العمل لإنهاء مشروعات «حياة كريمة» في أشمون والشهداء    بوتين يقترح إنشاء منصة استثمارية للدول الأعضاء في «بريكس»    الأمم المتحدة: إسرائيل رفضت جميع محاولات إدخال المساعدات لشمال غزة    وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية: كوريا الشمالية أرسلت 3 آلاف جندي إلى روسيا    كهربا يطلب الاعتذار بعد أزمته في الأهلي وقرار جديد من محمد رمضان    وزير الثقافة يتدخل لإزالة الألوان من على باب جنينة الأسماك    المؤبد لخراط معادن لاتهامه بالاتجار في المواد المخدرة بالخانكة    مهرجان القاهرة السينمائي ينظم ورشة للتمثيل مع مروة جبريل    محافظ الغربية: قوافل طبية متكاملة تصل إلى أطفال مدارس زفتى ضمن مبادرة «بداية»    «صحة الشرقية» تكشف عن أبرز 3 خرافات بشأن الإنفلونزا الموسمية    محافظ البحيرة تتفقد عددا من المدارس لمتابعة سير العملية التعليمية| صور    إقبال جماهيري لعرض «الشاهد» ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي    بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة    توقف الملاحة في ميناء البرلس لمدة 3 أيام    الشكاوى الحكومية: نتلقى 13 ألف مكالمة يوميًا    التأمين الصحي على الطلاب وإنشاء 8 جامعات.. قرارات وزير التعليم في مجلس الجامعات الأهلية    ضمن مبادرة بداية.. مياه الغربية تواصل تقديم الأنشطة الخدمية    إسرائيل تعترض طائرة مسيرة في الأجواء السورية وسط تصاعد التوترات    أحمق يقسم البلد.. ترامب يهاجم أوباما بعد عقد الأخير حملة انتخابية لدعم هاريس    لايبزيج ضد ليفربول.. 5 لاعبين يغيبون عن الريدز في دوري أبطال أوروبا    وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت: يجب إيجاد حل دبلوماسي بين لبنان وإسرائيل    جامعة قناة السويس تتقدم 157 مرتبة عالمياً في التأثير العلمي    كرة نسائية - دلفي يعتذر عن عدم استكمال الدوري المصري    «زيارة مفاجئة».. وزير التعليم يتفقد مدارس المطرية | تفاصيل    وزيرة التضامن تشارك في جلسة رفيعة المستوى حول برنامج «نورة»    تعاون بين محافظة أسيوط والغرفة التجارية لإقامة معرض دائم للسلع الغذائية    مصرع شخص إثر سقوط أسانسير فى التجمع    تحرير 1372 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    لرفضه بيع قطعة أرض.. مزارع يطلق النار على زوجته ويتهم ابنه    مصرع شاب وإصابة طفلين بانقلاب «توكتوك» في مصرف مائي ببني سويف    وزير الصحة: وصول عدد خدمات مبادرة «بداية» منذ انطلاقها ل62.7 مليون خدمة    محافظ بنى سويف يعقد اللقاء الأسبوعى بالمواطنين.. تعرف على التفاصيل    حفل لأشهر الأعمال المصريه واليابانيه والعالمية بدار الأوبرا الجمعة    برغم القانون.. الحلقة 29 تكشف سر والدة ياسر والسبب في اختفائها    هاني عادل ضيف «واحد من الناس» على قناة «الحياة»    صلاح السعدني.. صدفة منحته لقب «عمدة الدراما»    أوركسترا القاهرة السيمفوني يقدم حفلا بقيادة أحمد الصعيدى السبت المقبل    منها برج العقرب والحوت والسرطان.. الأبراج الأكثر حظًا في شهر نوفمبر 2024    «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    الضرائب تكشف تفاصيل حزم التيسيرات الجديدة    قرارات حكومية جديدة لمواجهة المتاجرة بالأراضي الصناعية (تفاصيل)    في اليوم العالمي للروماتيزم، أهم أعراض المرض وطرق اكتشافه    إيهاب الكومي: أبوريدة مرشح بقوة لتولي رئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    "فولفو" للسيارات تخفض توقعاتها لمبيعات التجزئة لعام 2024    منها انشقاق القمر.. على جمعة يرصد 3 شواهد من محبة الكائنات لسيدنا النبي    «الإفتاء» توضح حكم الكلام أثناء الوضوء.. هل يبطله أم لا؟    التعليم تعلن تفاصيل امتحان العلوم لشهر أكتوبر.. 11 سؤالًا في 50 دقيقة    طارق السيد: فتوح أصبح أكثر التزامًا واستفاد من الدرس القاسي.. وبنتايك في تطور واضح مع الزمالك    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    نجاح عملية جراحية لاستئصال خراج بالمخ في مستشفى بلطيم التخصصي    تلبية احتياجات المواطنين    موعد إعلان حكام مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري.. إبراهيم نور الدين يكشف    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 23-10-2024 في محافظة البحيرة    «ماذا تفعل لو أخوك خد مكانك؟».. رد مفاجيء من الحضري على سؤال ميدو    الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران    مدرب أرسنال يصدم جماهيره قبل مواجهة ليفربول بسبب كالافيوري    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ماركس» بعد قرنين

تحل فى هذا الشهر الذكرى المئوية الثانية لميلاد كارل ماركس. يحسد كثير من المفكرين كارل ماركس بسبب المكانة التى حققها فى تاريخ العالم الحديث، فما أروع أن يرى المثقف أفكاره وقد خرجت من الكتب، وتحولت إلى قوة تغير العالم. لم يؤثر مفكر واحد منفرد فى العالم قدر التأثير الذى أحدثه كارل ماركس. بالطبع هناك الأنبياء، لكن هؤلاء كانوا حملة رسالات سماوية مقدسة، ولم يكونوا مجرد بشر. لم تكن الماركسية لتتمتع بكل هذا التأثير لولا أن فيها من الأديان الكثير. النبوءة والرسالة والشمول هما أهم ما تشترك فيه الماركسية مع الأديان. تنبأت الماركسية بأن الشيوعية هى آخر مراحل التاريخ، بينما تنبأت الديانات الكبرى بما سيحدث بعد نهاية كل تاريخ. تنبأت الديانات بنهاية العالم كما نعرفه، عندما نقف جميعا بين يدى الله يحاسبنا على ما فعلناه فى الدنيا؛ بينما تنبأت الماركسية بالشكل الذى سوف تكون عليه كل المجتمعات قبل ذلك مباشرة.
الديانات، فى رأى أنصارها الأكثر تشددا، هى أكثر بكثير من عقيدة يؤمن بها بعض الناس، فهى أيضا رسالة وأمانة عليهم تبليغها لعموم البشر. يجاهد المؤمن لتبليغ الرسالة للناس، ولفرضها عليهم بالقوة إذا سمحت الظروف؛ وهكذا هى الماركسية أيضا. كان كارل ماركس اقتصاديا وفيلسوفا، بقدر ما كان مناضلا يقود عمال العالم للوحدة والثورة، راسما لأتباعه الدرب الذى عليهم الالتزام به. الديانات الكبرى عقائد حركية وبرامج عمل؛ والماركسية، هى أيضا، أيديولوجيا حركية مناضلة، تثرى الفكر، وتثير الشغب.
الديانات عقائد كلية شاملة، ترشد المؤمنين للسلوك القويم، فى كل مناحى الحياة، لا تمييز فيها بين ما هو عام وما هو خاص، ولا بين ما هو سياسى وما هو اجتماعى أو ثقافي. الديانات تشرح للمؤمنين قصة الكون منذ بدء الخليقة إلى يوم الدين، وهكذا هى الماركسية أيضا. الماركسية تزعم القدرة على تفسير التاريخ منذ عاش البشر فوق الأشجار، حتى مجتمع التقدم التكنولوجى الرأسمالى الراهن، والشيوعية التى زعمت الماركسية أنها ستخلفه. ومثلما أسس غلاة المؤمنين نظما شمولية، لم تترك صغيرة أو كبيرة فى حياة الفرد إلا وتدخلوا فيها، تأسست - استنادا للعقيدة الماركسية - نظم حكم شمولية، أهدرت أى معنى للفرد والخصوصية.
تطمح المذاهب الشمولية لإعادة صياغة العالم وفقا لتعاليم العقيدة. اليقين المفرط المميز للعقيدة الشمولية لا يجعل أنصارها مستعدين للتوقف عن تكرار المحاولة، إلا عند وقوع الفشل الصريح الذى لا يحتمل لبسا، وعند الارتطام المدوى بتعقيدات واقع اجتماعى وثقافي، يرفض الانصياع للاختزال والتبسيط الشديد الذى تحاول الايديولوجية فرضه عليه. فى إخفاق الماركسية هزيمة لكل العقائد الشمولية التى حاولت فرض الهندسة الاجتماعية الخاصة بها على الواقع، وانتصار لكل عوامل التنوع والتعدد والثراء الكامنة فى كل المجتمعات، مهما بدت بسيطة وسهلة القياد.
مشكلة ماركس هى أن التغييرات التى أحدثتها أفكاره فى العالم لم تكن دائما إيجابية، وأن محصلة ما يقرب من مائتى عام من الأفكار الماركسية هى فى أفضل التقديرات محصلة مختلطة، يتساوى فيها الجيد والرديء. لقد أنتجت الماركسية بعضا من أسوأ نظم الحكم التى عرفها التاريخ الحديث، وتسببت هذه النظم فى فظائع لم تكن لتحدث لولا أن التبريرات الماركسية أضفت شرعية وأخلاقية على هذه الفظائع باعتبارها الثمن الضرورى لتحقيق أهداف أسمى وأكثر نبلا. ربما كان من الممكن لبلاد مثل روسيا وبولندا والمجر وجمهورية التشيك أن تصبح أفضل حالا بكثير لو لم تكن قد أهدرت عقودا حكمتها فيها أوهام الايديولوجيا الماركسية. أما فى البلاد التى أسهمت نظم الحكم الماركسية فيها فى تحقيق إنجازات، فإن ما تأخذ به هذه البلاد من نظم للحكم والتنظيم الاقتصادى والاجتماعى يبدو بعيدا جدا عما دعا له وتنبأ به كارل ماركس، ولنا فى الصين نموذج.
بكل ما فيها من أفكار عبقرية وضلالات، نجحت الماركسية فى إلهام ملايين البشر، وفى التحول إلى برنامج عمل التزمت به أحزاب وحكومات. ففى الزمن الذى عاشت فيه الصين وروسيا وبلاد كثيرة أخرى فى ظل حكومات ترفع رايات العقيدة الماركسية، فإن واحدا من كل أربعة من سكان كوكب الأرض فى هذه المرحلة عاش فى ظل حكومة ماركسية. وتثير هذه الحقيقة التساؤل عما إذا كان البشر فعلا كائنات رشيدة وعقلانية، بإمكانهم اتخاذ القرار الصائب والتقاط الاختيار السليم، خاصة عندما يأتى الأمر لقضايا الحكم ونظم إدارة الاقتصاد والمجتمع.
لم يكن ماركس مخطئا عندما ركز على أهمية الاقتصاد وعملية إنتاج الثروة فى تطور المجتمعات؛ لكنه لم يكن صائبا عندما اختزل الإنسان والمجتمع البشرى المعقد فى هذا العامل وحده. لقد تصور ماركس «إنسانا اقتصاديا» تدفعه المصلحة الاقتصادية، وتتحدد أفكاره وقيمه وهويته الاجتماعية بناء على عضويته فى طبقة اقتصادية، ولا شيء أبعد من الحقيقة عن هذا التصور التبسيطي. الناس جميعا، إلا قليلا، يولون للمال قيمة كبيرة، وينفقون جل وقتهم فى السعى وراءه. لكن أغلب الناس لا يعتبرون أنفسهم أعضاء فى طبقة اجتماعية، ولا يشعرون بأى التزام تجاه آخرين يشاركونهم الوضعية الاقتصادية نفسها، ويحملون أفكارا دينية وقومية لا صلة لها بطبقتهم، أو أنهم لا يهتمون بالأفكار على الإطلاق. وبالنسبة لبعض الناس، بما فى ذلك الزعماء الكبار للأحزاب الماركسية، من أمثال ستالين وأنور خوجة وماو وكاسترو، فإن الفوز بالمجد والنفوذ والشهرة والسلطة كان أهم بكثير من الطبقة والمال، وهذه هى الطبيعة البشرية المعقدة التى أهملها كارل ماركس.
لمزيد من مقالات ◀ د. جمال عبدالجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.