فى كلِّ سنةٍ، وفى مثلِ صباح هذا اليوم، صباح يوم أحد القيامة نُحيّ بعضنا بهذه الكلمات الجميلة والنابعة من القلب المملوء بالإيمان والثقة بالمسيح القائل: «انقضوا هذا الهيكل، وأنا أُقِمْهُ فى ثلاثة أيام» (يوحنا 19:2)، ونقول: المسيحُ قام!، حَقَاً قام... ونعلن هذا الخبر المُفرح للبشرية جمعاء. القيامة تُعلّمنا الحقّ فى عيد قيامة المسيح، عيد عبوره بالبشرية إلى حياةٍ جديدةٍ، نعيش هذه الأيام، فى بلدان الشرق الأوسط والعالم، أيّامًا قاتمة من الإرهابِ والحربِ، والعنفِ والتدميرِ، والجوعِ والتهجيرِ والقلقِ على المستقبلِ والمصير. لكن نور المحبّة والسلام المشعّ من قبر المسيح الفارغ، وقد دُحرِجَ عنه الحجرُ الكبير، يدفع بنا جميعًا وبخاصّة المسيحيين إلى صخرة الرجاء بيسوع المسيح الذى أصبح سيّد العالم بموته وقيامته، وبه نُوطّد حضورنا ورسالتنا. بالرغم من الحروبِ والأسلحةِ الفتاكة والإرهابِ والتسلطِ وسلطة حُبّ المال، وتبقى للمسيح كلمة الحقّ فى وجهِ الكذبِ والتضليل، وكلمة المحبّة فى وجهِ البغضِ والقتلِ، وكلمة السلام فى وجهِ العنفِ والحرب. القيامة أساس الإيمان ليس إيمان تلاميذ يسوع هو الذى أوجد القيامة، بل اللّقاء بالمسيح القائم من الموت هو الذى ولَّد إيمانهم الثابت بحقيقةِ واقعهِ الجديد الحيّ لدى الله. فكانوا يُردّدون: «المسيح قام! حقاً قام». ليست القيامة نتيجة إيمان التلاميذ، بل بالأحرى هى سبب إيمانهم. فظهرَ لهم مساء يومِ الأحد وكانوا مجتمعين فى دارٍ أُغلِقتْ أبوابُها، خوفاً من اليهود، فجاء يسوعُ ووَقَفَ بيَنهم وقال لهم: «السَّلامُ عليكم، سلامى أُعطيكم» (يوحنا 19:20). وعندما ظهرَ للتلميذين على طريق عماوس وهما عائدَين الى قريتهما مُحبطَين، مكتئبين، خائفين، قليلَى الفهم وبطيئَى القلب عن الإيمان، وسار يسوع الطريق معهما حتى القرية، ولم يعرفاه الاّ عند كسر الخبز (يوحنا 13:24-35). والتلاميذ الأحد عشر المجتمعون فى البيت من جديد والأبواب مغلقة، ارتعبوا واستولى عليهم الخوف، لأنهم ظنّوا أنّهم يَرون روحاً، وعندما وقف يسوع بينهم وقال لهم: «السلام معكم. أنا هو لا تخافوا» (يوحنا 33:24)، وتراءَى آخِرَ الأمرِ للأحَدَ عَشَرَ أنفُسِهم وهم على الطعام فوبّخّهُم بِعَدَمِ إيمانِهِم وقَساوةِ قُلوبِهم، لأنّهم لم يُصّدِّقوا الَّذِى شاهَدوه بعد ما قام (مرقس 14:16). وحتى آخر لحظة، أى بعد أربعين يوماً من قيامته، وقَبلَ صعودِهِ إلى السماء، ظلّ بعضٌ من تلاميذه الأحد عشر «مُشكّكين ومُرتابين» (متي17:27). قيامة المسيح وقيامة القلوب بقيامة المسيح قامت قلوبنا، وأصبحنا خلقاً جديداً، نلناه بالمعمودية التى هى بداية حياة دائمة فينا تقوم كلّ يوم وتنتصر على الموت عن الخطيئة والقيامة لحياة جديدة. أجل كلّ يوم، بنعمة المسيح فى سرّ التوبة والقربان المُقدّس وفعل الرّوح القدوس، يُدعى كلّ واحد منّا ليموت عن الكذب والنفاق والغش، ويقوم لإعلان الحقيقة التى تحرّر وتجمع. ليموت عن الشرّ والميول إليه، ويقوم لفعل الخير والالتزام به. ليموت عن الظلم وقساوة القلب، ويقوم لإحلال العدالة والتحرّر من قيود العبودية والسيطرة بالقوة. ليموت عن سرقة المال العام والخاص وعن الرشوة، ويقوم للكرامة والشفافية وعزّة النفس وكسب الخبز بعرق الجبين. ليموت عن الحقد والبغض والكراهية، عن الافتراء والنميمة، ويقوم لحالة المحبّة والمشاعر الإنسانية، ولاحترام كرامة كلّ إنسان وحقّه فى الصيت الصالح. ليموت عن العنف الحسّى والمعنوي، ويقوم لروح السلام والإخاء. ليموت عن الكبرياء والامتلاء من حُبّ الذات والتمرّد على إرادة الله وعلى السلطة فى العائلة والكنيسة والمجتمع، ويقوم إلى مسلك التواضع والتجرّد وإخلاء الذات والطاعة والوداعة. وبكلمة موجزة، نحن جميعُنا، بفضل قيامة المسيح من الموت، مدعوّون لنتخلّق بأخلاق المسيح (فيليبى 5:2). القائم من بين الأموات سلامنا من المسيح الذى «هو سَلامُنا» (أفسس 14:2)، وبقيامتهِ حطّم جدران الانقسامات والتفرقة، وحقّق الإخوّة بين الناس، نلتمس السلام للعالم ولأوطاننا، وبخاصّةٍ للبلدان التى فى عالمنا العربي، تُطالب وتسعى وتثور من أجل العيش بكرامةٍ ورفاهية، والتمتُّع بحريّاتها الشخصية والعامّة، وبحقوقها الأساسيّة، وبأنظمةٍ ديمقراطيّة تحترم كرامة كلِّ إنسان وشعب، وتُعزّز التنوّع فى الوحدة، وتُشرك الجميع فى مسئولية الحياة العامة، وتنفى الأحادية والفئوية وفرض الإرادة والتحكّم بمصير المواطنين، وتُمكّن كلّ مواطن، من أيّ دين أو ثقافة أو عرق أو انتماء كان، وكلّ مجموعة، مهما كان نوعها، أن يكون وتكون قيمة مضافة فى نسيج المجتمع والوطن. فالمسيح القائم من الموت هو سلامنا ورجاؤنا ومحقق أمنياتنا بالحقّ والنِعمة، وبهذا الإيمان نُردّد: المسيح قام... حقاً قام. أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك لمزيد من مقالات المطران :كريكور أوغسطينوس كوسا