حوار- أحمد عبد الفتاح: يعد الدكتور جعفر عبد السلام أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر, وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق, والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية, واحدا من أبرز خبراء القانون الدولي بجامعة الأزهر, وهو واحد ممن شاركوا في لجنه صياغة دستور عام1971, يري أن ثورة يناير حققت العديد من المكاسب للجامعات المصرية, وان نظام الحكم البرلماني هو الأمثل لقيادة مصر, ويحذر من عودة رجال الثروة الي الزواج بالسلطة حتي لا تفسد مرة أخري حياة المصريين, وكشف في حواره معنا ان نظام الحكم لن يرضي جميع طوائف الشعب, وأن الحل الأمثل يكمن في وضع سياسة ترضي الأغلبية وتحقق العدالة ولو بشكل مثلي غير مطلق بين كافة طوائف الشعب. بداية ما هي ذكرياتك مع شهر رمضان؟ عند الرجوع بذاكرتي إلي الوراء فسأجد أن ما تعايشته في بلدتي فوة بمحافظة كفر الشيخ في رمضان كان من أجمل ذكرياتي والتي لا تزال عالقة في ذهني وقلبي كلما جاء الشهر الكريم فبلدتي كانت تشتهر بمساجدها التي كانت تعلم أبناءها في شهر رمضان كيف يكون القرآن وكيف تكون السهرات الرمضانية, ففي طفولتي كنا نجتمع بالميدان الأكبر بالبلدة وننتظر آذان المغرب ثم ينطلق الصبية بالطوب إلي أحد الأماكن ليدقونه بعد الآذان وذلك لتنبيه الأهل بموعد الإفطار, وقد كانت صلاة التراويح وجلسات القرآن تمليء ذاكرتي بما كان يجري فيها من خير. وفي مرحلة متقدمة من العمر كانت الذكريات ترتبط بنظرة أعمق إلي رمضان وإلي حكمة العبادات الإسلامية من صلاة وصيام وزكاة فكنا نعكف علي كتابات بعضها ديني وبعضها يتصل بالعمل, حيث كان طول اليوم والنهار في رمضان يعطينا الفرصة في البحث والعمل والكتابة في هذا الشهر العظيم. ما هي أهم الانجازات التي حققتها الثورة؟ هناك العديد من الانجازات التي تحققت علي المستوي العلمي والقانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي فعلي المستوي العلمي والبحثي فإن من أهم المكاسب التي أشعر بها شخصيا هو انتهاء دور أمن الدولة الخانق في الجامعات وفي العمل العلمي والبحثي بشكل عام هذا مكسب كبير لا يشعر به إلا من يعيش في العمل الجامعي. وعلي المستوي السياسي كان من أهم انجازات الثورة هو تفتح الزهور بجميع أنواعها وأقصد بالزهور هنا كل أطياف المجتمع للقيام بالعمل العام وخدمة أوطانهم بعد منعهم لسنوات طويلة من التعبير عن أنفسهم والظهور علي الساحة السياسية, حتي وأن أوجد ذلك بعض الفوضي إلا أنني أري أن ذلك أمر طبيعي عقب التغيرات الكبري التي تحدث في أي بلد ويتصل بهذا أيضا تشكيل أحزاب جديدة ومتعددة وهو ايضا من الأمور المطلوبة في هذه الفترة وعلي الجانب القانوني هو الخلاص من زمرة من الحكام كانوا يتطلعون إلي التوريث بشكل نهائي وتهميش الإرادة الشعبية بشكل مخزي,وبهذه المناسبة لا أنسي كقانوني المكاسب المرتبطة بمحاكمة رأس النظام المخلوع وصدور حكم ضده بالسجن المؤبد في محاكمة عادلة سميت بحق محاكمة القرن حيث هوي فرعون مصر الأخير إلي نهايته المحتومة بعد ثلاثين عاما من الحكم المطلق والذي كنا نبحث أثناءه عن متي الخلاص ولم نكن ندري أنه سيكون بهذا الشكل الدرامي. ومن الناحية الاقتصادية التخلص من الربط بين الثروة والسلطة وكنت قد كتبت مقالا في الأهرام أندد فيه بالزواج بين الأمرين وكنت عائدا من رحلة الي ايطاليا وشاهدت مقترحا لمجلس الشيوخ الايطالي بحرمان كل من يملك ثروة كبيرة ولا أذكر الرقم الآن من أن يكون عضوا في الحكومة لذا أنا أحذر النظام الحالي من العودة لهذا الزواج واستقدام رجال الأعمال ممن ينتمون الي جماعة الإخوان للولوج داخل دوائر السلطة لان رجال الثروة سيديرون السلطة طبقا لمصالحهم الخاصة بصرف النظر عن مصلحة الوطن. ومن مكاسب الثورة أيضا نهاية الظلم الاجتماعي وأقصد بذلك سيطرة قلة قليلة من رجال الأعمال للثروة والمال علي حساب الغالبية العظمي من الشعب, فهذا سيقل حدوثه أن لم ينعدم ويرتبط بهذا أيضا التفكير في وضع حد أدني وحد أقصي للأجور وهو أمر لم يتحقق في رأي حتي الآن حيث لا يزال هناك من يتقاضي المليون جنية مرتبا شهريا. أيضا أصبح للإنسان المصري أملا في الارتقاء وأنه إذا أجتهد فسيصل الي المناصب العليا وغير العليا في الدولة بعد أن قام النظام السابق بنشر الطائفية في الوظائف وقصر الوظائف العليا الخاصة علي أشخاص بعينها من الشعب.بالطبع كل هذه المكاسب لم تتحقق بشكل كامل ولكننا وضعنا أول خطوة علي طريق تحقيقها. هل يمكن للثورة تحقيق طموحات كل طوائف الشعب علي اختلاف توجهاتهم؟ لا يمكن لأي نظام حكم في العالم أن يرضي طموحات كل طوائف الشعب فكل نظام للحكم له حسناته وسيئاته وعموما أي سياسة للحاكم تقوم علي أقامة التوازن بين المصالح المتعارضة لفئات الشعب بين الأغنياء والفقراء وبين المسلمين والمسيحيين, فعلي سبيل المثال الأغنياء يريدون أن تزداد ثرواتهم والفقراء يريدون التخلص من الفقر في أسرع وقت ممكن فلابد من الاجتهاد في وضع سياسة ترضي الأغلبية وتحقق العدالة ولو بشكل مثلي غير مطلق بين جميع طوائف الشعب. في ظل الأحداث التي تمر بها مصر حاليا كيف تقرأ المشهد السياسي ؟ المشهد السياسي الآن يسوده الكثير من عدم الوضوح لكن من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة الأكثر تنظيما في المجتمع لدخولها حلبة السياسة منذ فترة بعيدة وأنشأت حزب الحرية والعدالة ونجح الحزب في الانتخابات وحصل علي الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري كما أن رئيس الجمهورية انتخب من الحزب والجماعة وبالتالي فان الإخوان بشكل أو بآخر أصبحوا اللاعب الأكبر في المشهد السياسي الآن وبالطبع يوجد أيضا المجلس العسكري والذي وضعته الظروف في حلبة المنافسة السياسية ولا أعتقد أنه رغم تسليمه للسلطة للرئيس الذي انتخبه الشعب إلا أنه يرغب في أن يكون له دور مهم في السياسة وذلك علي ما وضح في الإعلان الدستوري المكمل وعلي ضوء ما تعبر عنه في الكثير من الخبرات المدفوعة وغير المدفوعة في الجمعية التأسيسية التي تعد الدستور حاليا, ويوجد في المشهد أيضا بعض الفئات وما يسمون أنفسهم بالليبراليين واليساريين والعلمانيين وهي فئات قليلة العدد وقليلة التأثير ولكن من حقها التعبير عن أنفسها بأن يكون لها رؤيتها في أحداث الوطن. حدثني عن دور رابطة الجامعات الإسلامية كمركز علمي خلال ثورات الربيع العربي؟ في مصر قامت الرابطة عقب الثورة بعمل مجموعة من الندوات والدراسات الأساسية المتصلة بإعادة بناء الدولة دستوريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا جمعت فيه كل الخبراء والمتخصصين في جميع المجالات ومن مختلف الاتجاهات وعلي اختلاف انتماءاتهم واستطلعت آرائهم في الكيفية التي يمكن بها إعادة بناء الدولة. وفي ليبيا قامت الرابطة بالمشاركة في تنظيم مؤتمر عن المصالحة الوطنية في إطار الشريعة الإسلامية بالجماهيرية الليبية وذلك بحضور رئيس الوزراء ونائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي والذي كان له أكبر الأثر في تهيئة الأجواء لتحقيق التوافق والتصالح بين كل طوائف الشعب الليبي وستقوم الرابطة ان شاء الله بنشر ماتم الوصول اليه خلال هذه الندوات والجلسات من توصيات في كتاب جديد ستنشر خلال الفترة القادمة. ماذا عن محاولة إجهاض مشروع المائة يوم؟ في الواقع أنا من مؤيدي مشروع المائة يوم بشدة وأرجو من خلال منبر الأهرام أن يلتف الناس حوله حيث أن تقسيم المشروعات إلي جداول زمنية من شأنه أن يسرع الخطي نحو النهضة والتقدم ولا شك أن الاختيارات المرتبطة بانجازات تتم في المائة يوم الأولي وهي الأمن والمرور والنظافة وغيرها من المسائل الضرورية الملحة والتي تقتضي معالجتها سريعا والتي تعتبر البنية الأساسية لتحقيق النهضة وأرجو أن تأتي المائة يوم الثانية للمسائل الملحة كذلك ولعل الملف الاقتصادي يكون هو الغالب عليها ولكن أنبه إلي ضرورة أن ترتبط جماهير الشعب بهذه المشروعات وأن يكون لها دور مهم في انجازها, وأنبه أيضا إلي أن المهم هو الاستمرار وليس معني مضي المائة يوم أن تكون كل المشروعات قد أنجزت ولكن ستظل هناك مشروعات ومسائل ملحة تحتاج إلي حلول مستمرة. كنتم عضوا بلجنة نظام الحكم بدستور71 فما رؤيتكم في لجنة الدستور الحالية ؟ فيما يخص بالمادة الثانية فقد قمت المادة إلي لجنة نظام الحكم الذي كنت عضوا فيها بدستور71 وتم صياغة المادة كمقترح للمستشار فتحي عبد الصبور وكان وقتها رئيسا للمحكمة العليا والدكتور عبد الناصر عميد كلية حقوق الزقازيق وأنا معهم ولم تكن كلمة مباديء تسبق الشريعة الإسلامية كذلك عبارة الرئيسي لم تكن واردة في النص فقد كانت تنص علي ان الشريعة الإسلامية مصدر التشريع بما يعني أنها خطاب للمشرع لكي يبني قوانينه علي أساس الشريعة الإسلامية وعلي أساس أن مصادر الشريعة الإسلامية تكفل حل أي مشكلة ووضع أي تشريع يقوم عليها ولكن المادة صيغت بشكل مختلف ولاقت بعض المعارضات عند تقديمه للجنة العامة للدستور وأضيفت مباديء ومصدر رئيس التي عدلت بعد ذلك لكي تصبح المصدر الرئيس في استفتاء عام.1980 وبالنسبة لما يحدث من اختلافات في اللجنة التأسيسية التي تعد حاليا فهذا أمر صحي حتي نتمكن من خروج الدستور بأفضل صورة لتحقيق تتطلعات وآمال الشعب نحو مستقبل أفضل فالاحتكام للشريعة الإسلامية مسألة رئيسية تعني أن مصر تنتمي إلي نظام قانوني تعيش في إطاره العام وينبغي ألا تخالفه وهو النظام الإسلامي وهو من ضمن أربعة أنظمة قانونية تسود في أنحاء العالم وهو النظام اللاتيني والنظام الجيرماني والأنجلوسكسوني. كخبير في القانون الدولي ماهي أفضل أنظمة الحكم والتي تتناسب مع الفترة الحالية ؟ أنا شخصيا أفضل النظام البرلماني لأننا في ظل نظام عرف بالنظام المختلط والذي كان يغلب عليه الطابع الرئاسي عانينا كثيرا من تسلط الحاكم الفرد الذي يملك سلطات بلا حدود أعطته الدساتير السابقة للرئيس المطلق والذي كان يحتفظ بكل الصلاحيات لكي تستمر ثورة23 يوليو ورموزها في الحكم إلي أطول فترة ممكنة. متي سيكون هناك فصل بين السلطات؟ أولا السلطة القضائية خارج الفكرة فكرة الفصل ولكن المشكلة في العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ففي ظل النظام السابق لم يكن هناك فصل بين السلطات فكان رئيس الجمهورية هو المسيطر علي الحزب الوطني وهو الحزب الحاكم والحزب هو من يقوم بترشيح أعضاء المجالس المنتخبة أي ان المرجعية في المسائل السياسية كانت في يد شخص واحد وهو رئيس الحزب الوطني وهو رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التنفيذية. ولكن بعد الثورة يجب الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وألا تطغي أحدهما علي الأخري ويكون ذلك بابعاد الحزب السياسيي صاحب الأغلبية عن الحكم. كيف تري مشروع النهضة للرئيس الحالي؟ وهل يمكن تطبيقة في ظل تدهور الاقتصاد؟ مشروع النهضة للرئيس مرسي هو بداية لمشروع قومي يمكن أن يكتمل بتدابير واجراءات تحقق تقدم ونهضة البلاد, والمشروع في مجمله مقبول ولكن الآليات التنفيذية فيه غير مكتملة وهذا طبيعي وعن الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ مشروع النهضة فيمكن تدبيرها داخليا أولا فموارد مصر ليست قليلة لكنها لم تكن تنفق أبدا في مصلحة الشعب مع ترشيد كافي لها. والمشروع يستحث جموع الشعب علي العمل والأنتاج وفي تصوري أنه لو ألتفت القيادة بالشعب وآمن الشعب بمصداقية القيادة ونزاهتها فإن المشروع سينجح إلي حد كبير. كما أن الاتحاد الأوروبي والحكومة الأمريكية, وايضا المجموعة العربية لديها صناديق للمساعدات لتنفيذ المشروعات التنموية الطموحة وأعتقد أنها ستبادر للمساعدة في تنفيذ المشروعات الخاصة بالنهضة وكذلك بعض المؤسسات الدولية المرتبطة بالتمويل كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وماذا عن دور الأزهر في مصر والخارج؟ الأزهر هو مرجعية إسلامية في جميع انحاء العالم باعتباره أنه أقدم مؤسسة دينية وانه في الوسط بين كافة التيارات ولم ينحز إلي فئة علي حساب فئة أخري ومن ثم فإنني أعتقد أنها ستستمر ممثلة للوسطية في مصر والعالم ولكن نريد أن يكون للأزهر الصفة العملية لأنه مؤسسة تعليمية كما أن بعثتها وفروعها التي انتشرت في كل دول العالم يجب أن تستمر بدورها والتي تضع للأزهر مصداقيته بين مختلف المجتمعات الدولية. ما هو الدور الذي يجب أن يكون عليه الإعلام في الفترة القادمة ؟ أطالب الإعلام بالموضوعية وعدم الانسياق وراء الأكاذيب والاهتمام بقيادة الرأي العام الي ما فيه الرشد والنهوض بالوطن نحو تحقيق النهضة المنشودة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولن يتم ذلك إلا من خلال آليات محددة تنظم العمل الصحفي وفق ميثاق الشرف الإعلامي الخاص بمصر الجديدة. ما هي رؤيتكم لمستقبل مصر في ظل هذه التطورات؟ متفائل بمستقبل مصر مادام يحكمني شخص ذو مرجعية إسلامية ومن ثم فإنني أتصور انه سيرعي الله فينا وأنه لن يقدم علي شيء إلا بما يأمر به الله عز وجل فهذه الزاوية تجعلني أكثر تفاؤلا كما أن المصداقية في هذا الشأن سيقود البلاد إلي طريق الخير والرشاد.