زراعة السطح الواحد تنتج ما يعادل نصف فدان «من رحم المعاناة والحرمان يولد الإبداع» حكمة تلخص حال قرية «نجع عون» أو «القرية الحائرة»، كما يلقبها أهلها، التى أوقعها حظها العاثر على الحدود بين محافظتى الإسكندريةوالبحيرة، مما جعلها بعيدة عن أعين واهتمام المسئولين من الجانبين فعانت سنوات طويلة من انعدام الخدمات، إلا أن الجهود الذاتية لأهلها نجحت فى تبديل حالها خلال ثلاث سنوات فقط وتحول نصف سكانها إلى أسر عاملة ومنتجة. مبنى صغير لا يتجاوز الطابقين هو رأس مال القرية الذى تحولت غرفه إلى مجمع صغير للحرف والأعمال اليدوية، فواحدة أصبحت مشغلا للخياطة والتريكو وصناعة الإكسسوارات وأخرى لصناعة الفسيفساء، وثالثة لصنع الحرير بعد استيراد دودة القز من الخارج ورعايتها لأكثر من شهر، وغرفة لصناعة فطر عيش الغراب، بالإضافة إلى مخبز صغير لتوفير الخبز للمحرومين من بطاقة التموين، فيما استغل سطح المبنى فى الزراعة العضوية داخل صوبات. يقول رجب ربيع، المسئول عن المركز والذى يلقبه البعض بعميد القرية، إن القرية والقرى المجاورة لها تفتقر إلى أبسط أنواع الخدمات من طرق وصرف صحى ومدارس لوجودها فى منطقة حدودية، مشيرًا إلى أنها تابعة إلى منطقة أبيس التى تقع فى آخر نقطة بمحافظة الإسكندرية إلا أن بعض الخدمات بها تتبع محافظة البحيرة. ويضيف «ربيع» إن هذا الوضع ساهم فى تدنى الوضع المعيشى للأسر بالقرية البالغ عددها 300 أسرة ما بين فقيرة و معدمة تمامًا، مشيرًا إلى أن غالبية منازل القرية كانت دون أسقف مما كان يعرضها إلى الغرق فى فصل الشتاء والأهالى يضطرون لرفع الأسرة على حجارة لينام الأطفال تحتها لحمايتهم من مياه الأمطار. ويوضح «ربيع» إنه فى عام 2014 قامت إحدى الجمعيات الخيرية بتوفير المساعدة لها إلا أن الاهالى رفضوا هذه المساعدات وطالبوهم بالمساعدة فى إنشاء مشروع تنموى يخدم القرية. وبدأ المركز بشراء ثلاث ماكينات خياطة وتم تدريب عدد من سيدات وشباب القرية، ومن ثم تعاقد المركز مع مصانع بالإسكندرية، حيث يقوم العاملون بإنهاء قطع الملابس التى تنتجها المصانع مقابل نصف جنيه على القطعة، مضيفًا أن هذا المشروع توسع فيما بعد ووصل عدد الماكينات إلى ست. ويتابع «ومن ثم توسعت المشروعات التنموية التى يقيمها المركز، فأصبح يضم ورشا لإنتاج التريكو والكروشية وصناعة الإكسسوارات، وورشة لصناعة ألواح الفسيفساء، وأخرى لإنتاج الحرير الطبيعى، بالإضافة إلى زراعة الأسطح، ومشروع تسمين الدواجن»، مشيرًا إلى مساعدة الأسر فى إقامة مشروعات فى منازلهم والتى تنوعت بين تربية الدجاج والبط والزراعة العضوية أمام المنازل وزراعة الأسطح. وعن إنشاء مخبز ملحق بالمركز، يقول «ربيع» إن أغلب سكان القرية قادمون من محافظات الصعيد ولذلك فانهم لا يملكون بطاقة تموينية ويضطرون إلى شراء الخبز غير المدعم على الرغم من ظروفهم المعيشية الصعبة، ولذلك تم إنشاء المخبز الذى يعمل يومين أسبوعيًا لتوفير احتياجاتهم للمساهمة فى حل المشكلة. ويؤكد «ربيع» ان تلك المشروعات التنموية التى أقيمت فى القرية نجحت فى تحويل 45% من الأسر إلى منتجة وعاملة. وحول مشروع إنتاج الحرير من دودة القز، يقول خالد جويدة، المشرف على المشروع، إن المركز يقوم باستيراد عبوة بها ما يقرب من 20 ألف بيضة للدودة مقابل 250 جنيها من دولة الصين، وتستمر دورة حياتها لمدة 45 يومًا ينفق منها حوالى 6 آلاف دودة، مؤكدًا أن غذاءها متوافر بكثرة فى القرية حيث انها تتغذى على ورق شجرة التوت، وكل ما تحتاجه مكان جيد التهوية. ويوضح «جويدة» إنه عقب هذه المدة تتحول الدودة إلى شرنقة ومن ثم يتم إرسالها إلى القاهرة لحل الحرير منها، وعقب ذلك يتم بيعها إلى مصنع سجاد موجود على مقربة من القرية التى تدخله مع الصوف وأنواع أخرى من الخيوط، مضيفًا إن العبوة الواحدة تنتج حريرا يكفى لصنع سجادة تصل إلى ثلاثة أمتار ،وقد تمكن المركز مؤخرًا من شراء ماكينة حل الحرير. أما عن مشروع زراعة الأسطح، فيقول عوض ربيع، المشرف على المشروع، إن المركز لا تتوافر لديه قطعة أرض لاستخدامها فى الزراعة وتحقيق اكتفاء ذاتى للقرية من الخضروات، ولذلك تم التفكير فى حلول أخرى والتى تمثلت فى الاتجاه إلى الزراعة العضوية داخل الصوبات ،التى توضع فوق الأسطح أو أمام المنازل، مشيرًا إلى أن السطح الواحد يمكن أن ينتج ما يعادل نصف فدان. وعلى إحدى ماكينات الخياطة تجلس فاطمة توفيق، التى تبدأ عملها فى الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة مساءً، موضحة أن زوجها توفى منذ عام ولديها طفل صغير وهو ما دفعها إلى البحث عن عمل لتتمكن من الإنفاق عليه، فتوجهت إلى المركز وبدأت العمل فى ورشة الخياطة.وان العمل فى ورش المركز يوفر دخلا جيدا ويساعد على تعلم صنعة جيدة تمكن مستقبلا إلى مصانع وشركات فى المنطقة الصناعة ببرج العرب، لافتة إلى أنها تسعى إلى شراء ماكينة خياطة والعمل عليها فى المنزل بجانب عملها فى المركز لتوفر احتياجات نجلها. فيما تقول نورهان عوض، عاملة فى مشغل الإكسسوارات، إنها بدأت العمل فى المشغل منذ عام تعلمت فى البداية صناعة السجاد ومن ثم انتقلت للعمل فى احد المصانع وخلال فترات العطلات وتوقف العمل به، تعلمت صناعة الإكسسوارات. وتضيف إنها تختار التصميمات من «الإنترنت» وفى بعض الأحيان تبدع فى تصميمها من خيالها، لافتة إلى أن منتجاتهم يتم عرضها فى العديد من المعارض فى الإسكندريةوالقاهرة كما يتم بيعها لعدد من المحال التجارية، وتلقى إقبالا كبيرا نظرًا لجودتها وتميز أشكالها.