دمج وعودة وزارات جديدة.. أحمد موسى يكشف ملامح تشكيل الحكومة المرتقب (فيديو)    نادي مستشاري النيابة الإدارية بالمنصورة يهنئ الرئيس السيسي بثورة 30 يونيو المجيدة    نقيب الفلاحين يبشر المزارعين: إنفراجة قريبة في أزمة الأسمدة    مياه الجيزة: إصلاح خط مياه قطر 600 ملي بميدان فيني بالدقي.. وعودة المياه تدريجيا    وزير النقل يبحث مع وفد من كبرى الشركات الألمانية الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات الجاري تنفيذها    إيران: الأجواء المثارة من قبل إسرائيل ضد لبنان "حرب نفسية"    عمرو أديب: دعم الاتحاد الأوروبي لمصر سياسي قبل أن يكون اقتصاديا    يورو 2024.. لا فوينتي: مباراة جورجيا ستكون معقدة ولها حسابات خاصة    "إهدرنا للفرص أعاد الزمالك للقاء".. أول تعليق من أيمن الرمادي بعد الهزيمة من الفارس الأبيض    مانشستر يونايتد يراقب دي ليخت لخطفه من بايرن ميونخ    بالصور.. انهيار منزل مكون من 4 طوابق في الدقهلية وقرار عاجل من المحافظ    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 عبر الموقع الرسمي (الرابط المباشر للاستعلام)    مصطفى كامل يدعم أعضاء نقابة المهن الموسيقية مراعاةً للظروف الاقتصادية    بعد اعتذاره لإدارة موازين.. محمد رمضان يتراجع: "في أوامر بإقامة الحفل وعدم إلغائه"    هيئة البث الإسرائيلية: أكثر من 40 مواجهة بين الجيش وفصائل فلسطينية فى الشجاعية    «قصور الثقافة» تحتفل بذكرى «30 يونيو» غدًا على «مسرح 23 يوليو » بالمحلة    كاظم الساهر يزور مدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية قبل مغادرته مصر    أستاذ تمويل يوضح مكاسب مصر من ترفيع العلاقات مع أوروبا    بالصور.. وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية في مادة الأحياء    وفد شؤون الأسرى المفاوض التابع للحوثيين يعلن وصوله إلى مسقط    الأوقاف تعلن افتتاح باب التقدم بمراكز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم - (التفاصيل)    مدبولي يُثمن توقيع أول عقد مُلزم لشراء الأمونيا الخضراء من مصر    مبابي يختبر قناعا جديدا قبل مواجهة بلجيكا في أمم أوروبا    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة منطقة شمال إفريقيا والمشرق العربي بشركة إيني الإيطالية    بعد 8 أعوام.. الجامعة العربية تلغي تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"    احتفالية كبرى بذكرى ثورة 30 يونية بإدارة شباب دكرنس    حبس 20 متهماً بتهمة استعراض القوة وقتل شخص في الإسكندرية    «نويت أعانده».. لطيفة تطرح مفاجأة من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان كاظم الساهر    وزير الصحة يبحث مع ممثلي شركة «إيستي» السويدية تعزيز التعاون في القطاع الصحي    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    الداخلية تكشف ملابسات واقعة طفل الغربية.. والمتهمة: "خدته بالغلط"    تطوير عربات القطار الإسباني داخل ورش كوم أبو راضي (فيديو)    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    عمرو دياب يطرح ريمكس مقسوم لأغنية "الطعامة"    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    المجاعة تضرب صفوف الأطفال في شمال قطاع غزة.. ورصد حالات تسمم    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة" تحقق في تدمير "صناعة الحرير"
نشر في البوابة يوم 01 - 07 - 2016

■ خسائر أقدم شركة فى الشرق الأوسط تصل ل82 مليون جنيه.. وتوجه لبيع أراضيها
■ 17.5 مليون جنيه حجم استيراد الحرير الطبيعى سنويًا
■ رئيس شركة الحرير: رواتب العاملين البالغة 105 ملايين جنيه سبب الخسائر
فتح «ملف صناعة الحرير» يشبه الدخول إلى عوالم المجهول، ومحاولة التفتيش عن أزماتها أكبر من الممكن ومن المتاح، فما بين قطاع كامل يعمل بعيدًا عن أعين الدولة يربح الملايين، وبين مصانع أغلقت أبوابها وشُرد عمالها، قصة لم تنته فصولها بعد.
قصة هذه الصناعة فى مصر، لم تعتمد فقط على الحرير الطبيعى، ولكن كان للحرير الصناعى نصيب أيضًا، إلا أن انهيار زراعة أشجار التوت، وإغلاق مصنع كفر الدوار للحرير الصناعى سبب كوارث ضخمة للاقتصاد الذى يئن تحت وطأة الديون.
ابتدعت الدولة مسمى براقا لما وصفه الخبراء والمتخصصون الاقتصاديون بالخصخصة الجديدة، وهو «إعادة الهيكلة»، حيث تم تكليف مكتب «ورانر الأمريكى» بإعداد خطة لتقليص خسائر شركات قطاع الغزل والنسيج التى زادت من 950 مليون جنيه حتى بلغت 30 مليار جنيه فى الفترة من عام 2004 وحتى عام 2014، وكان نصيب خسائر شركات الحرير منها نحو 82 مليون جنيه، بالإضافة إلى خسارة الاقتصاد المحلى لآلاف الوظائف، غير المباشرة، لمن كانوا يعملون فى ظلاله.
أكثر من 40 مصنعا أغلقت أبوابها، ودمر إرث «محمد على» من أشجار التوت، إذ فقدت الدلتا والوادى ما زينتهما لسنوات من أشجار التوت التى بلغ عددها نحو 3 ملايين شجرة، وحين أعادت الحكومة النظر فى قضية التشجير فى السنوات الماضية، لم تنجح خطتها، إذ تمت زراعة أشجار لا تسمن ولا تغنى إلا من أخشابها فقط.
وتحت وطأة الديون، والنظرة القاصرة للبعض، انهارت صناعة الحرير، التى اتخذت فصولاً عبثية، قبل أن ينتهى بها الحال إلى الانزواء والفشل.
كما أن إهمال تطوير ودعم مركز بحوث الحرير بالتكنولوجيا، وعدم وجود دعم مالى، عاد بالسلب، ليس على المركز وحسب، لكن على صناعة الحرير فى مصر، إذ اضطرت مصر لاستيراد نحو 350 طنًا من خام الحرير الطبيعى.
ملايين الدولارات يتكبدها الاقتصاد المصرى سنويًا، بسبب التخلى عن صناعة الحرير الذى يدخل فى مجالات أخرى، بخلاف صناعة الملابس والسجاد، يدخل فى صناعات الدواء تحديدا خيوط الجراحة، إذ تثبت الدراسات العلمية الصادرة عن جامعة القاهرة، أن خيوط الجراحة المصنوعة من الحرير تسهم فى سرعة نمو الخلايا، بحيث تلتئم الجروح بسرعة، كما يدخل خام الحرير فى صناعة مستحضرات التجميل، خاصة أنه يحتوى على مواد تزيد من جمال البشرة وتحافظ عليها، كما تصَنع منه المواد الغذائية مثل الشاى عالى القيمة، ويدخل أيضا فى صناعة علف الحيوان.
كان تقلص مساحة زراعات التوت عاملاً كبيرًا فى تقزم صناعة الحرير، وانهيار الإنتاج المصرى من الخام الثمين إلى ما دون الطن، إذ لجأ بعض أصحاب مكامير الفحم وصنّاع الأثاث إلى قطع أشجار التوت، غير عابئين بما سيحل ب«دودة القز»، تلك الصغيرة التى تلد ذلك الخام الثمين، الذى عَظّمه القرآن.
انهارت قلاع صناعة الحرير فى مدن دمياط وأخميم، ولم يعد باقيا منها غير جيوب صغيرة فى بعض القرى الصغيرة فى المنوفية وفى أسيوط، معظمها تعتمد على الأنوال اليدوية العتيقة.
انتهاء عصر الحرير
«شركة مصر للحرير الصناعى»، هى أول شركة للحرير الصناعى والألياف الصناعية فى مصر والشرق الأوسط، وتأسست بمدينة كفر الدوار فى عام 1946، برأس مال قدره 1،5 مليون جنيه، وتظهر موازنة الشركة زيادة مجمعات الإهلاك إلى نحو 65٪ من حجم الأصول الثابتة، الذى وصل إلى 3 ملايين و800 ألف جينه، فيما بلغ حجم الإهلاك 2 مليون و500 ألف جنيه.
ويرى المهندس سعيد محمود، رئيس شركة مصر للحرير الصناعى والبوليستر السابق، أنه حاول تقليل خسائر الشركة، التى تسلمها وهى خاسرة نحو 82 مليون جنيه، وأنه قلل الخسائر إلى نحو 69 مليون جنيه خلال عام 2010، حتى بلغت نحو 35 مليون جنيه خلال العام الماضى.
تنهد رئيس شركة الحرير طويلًا وهو يقول إن خسائر الشركة أضحت ضخمة، خاصة بعد زيادة الرواتب إلى نحو 105 ملايين جنيه خلال العام المالى الحالى، مقارنة ب82 مليون جنيه قبل عام 2011.
يلفت سعيد إلى تقلص حجم العمال من 15 ألف عامل فى أوائل التسعينيات إلى أقل من 2100 عامل فقط خلال العام الحالى، مشيرًا إلى أن السبب خروجهم على المعاش، وعدم قدرة المصنع على فتح أبواب التشغيل لأى عامل جديد، بسبب تردى أحوال المصنع تكنولوجيًا وماليًا.
كان مصنع الحرير الصناعى، يوفر المادة الخام لأكثر من 40 مصنعا فى دمياط، تعمل فى صناعة الأقمشة الحريرية، لكن الوضع تغير خلال السنوات السابقة، حيث لم يعد متبقيًا من هذه المصانع سوى مصنعين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وفقًا لرئيس الشركة السابق.
تبلغ مساحة الأرض المقام عليها المصنع نحو 200 فدان، وتحتضن منشآت الشركة: مصنع الحرير، ومصنع للغزول، ومخازن، وبعض الجراجات، وبنايات إدارية للشركة فى مدينة كفر الدوار، على بعد 15 كيلو مترا فقط من الإسكندرية.
ينفى سعيد علمه بمشروع إعادة الهيكلة، بدعوى خروجه على المعاش قبل اتجاه الحكومة البدء فى المشروع، على الرغم من أن تاريخ خروجه على المعاش فى يونيو 2015، وتم إطلاق مشروع إعادة الهيكلة خلال أوائل العام نفسه. كما نفى سعيد علمه ببيع أراضى الشركة.
«كانت مصر كلها تلبس الفسكوز والقمصان الحرير من المصنع»، بهذا ختم رئيس شركة مصر للحرير الصناعى السابق.
تضمنت خطة إعادة الهيكلة التى أعلنتها الشركة القابضة، استبعاد 7 شركات بدعوى الخسائر، وهى شركات متخصصة فى تجارة الأقطان: «إسكندرية التجارية، وبورسعيد، ومصر المساهمة، والشرقية، وشركة الجوت، وشركة غزل دمياط»، بحيث تتم إعادة هيكلة 10 شركات لإنتاج الغزل، و11 شركة للملابس الجاهزة، و4 شركات لحلج الأقطان.
غزل دمياط.. بحر من الخسائر
تظهر موازنة الشركة للعام 2015، انخفاض صافى أصول شركة غزل دمياط من 12 ألفا و776 إلى أقل من 6 آلاف و900 جنيه، دون وجود أى استثمارات أو أرصدة، رغم أن المساحة الحالية المقامة عليها الشركة تبلغ نحو 40 فدانًا فى موقع مميز فى مدينة دمياط.
شركة غزل دمياط، أنشئت عام 1959، برأسمال قدره يقارب ال50 مليون جنيه، على مساحة نحو 70 فدانًا، تقلصت هذه المساحة مع منتصف التسعينيات، بمعدل 30 فدانًا لتبلغ نحو 40 فدانا فقط.
ليس هذا فقط، فوفقًا لعمال، رفضوا ذكر أسمائهم خوفًا من فقدان وظائفهم، فإن الشركة القابضة تنوى بيع بقية أراضى مصنع غزل دمياط، بدعوى تقليل الخسائر التى تتعرض لها الشركة.
ويقول العمال إن مسئولى الشركة القابضة تعهدوا لهم بشراء أراض جديدة لإقامة المصنع فى مدينة دمياط الجديدة، إلا أن العمال متخوفون من عدم وفاء المسئولين بذلك، وإغلاق المصنع بشكل نهائى.
ولعل ما يؤكد تخّوف العمال، هى الخطة المعُلنة من قبل الشركة القابضة فيما سمى ب«إعادة الهيكلة»، حيث استقدمت الشركة مكتبا أمريكيا لإجراء دراسة جدوى لمصانعها، انتهت إلى تقسيم الشركات والمصانع إلى مجموعتين، بعد دراسة أوضاع نحو 25 شركة.
تطّلب تنفيذ خطة إعادة الهيكلة توفير مبلغ نحو 6 مليارات جنيه، لذا عرض المكتب الأمريكى حلًا يقضى ببيع أراضى بعض الشركات الخاسرة والتخلص منها والاستفادة من ثمن الأراضى، خاصة أن أراضى معظم المصانع تقع فى داخل الأحوزة العمرانية، مرتفعة السعر، وعليه سوف يتم عرض أراضى شركة غزل دمياط للبيع.
يرى أشرف عباس، المحامى العمالى عضو مركز الجماعة الوطنية، وهو مركز متخصص فى قضايا العمال، أن مصطلح إعادة الهيكلة ما هو إلا مسكنات لجرح وصل إلى مرحلة الغرغرينة، ذلك أن صناعة الحرير القائمة بالأساس على صناعة الغزل والنسيج أُهملت وتردت أحوالها بقسوة.
ووفقًا لآخر إحصائيات قطاع الأعمال العام، فقد تقلص حجم الشركة القابضة لصناعة الغزل والنسيج من 32 شركة إلى نحو 16 شركة فقط، فضلاً عن تكبد هذه الشركات نحو 30 مليار جنيه خسائر خلال الفترة السابقة.
كما انخفض عدد العاملين فى قطاع الغزل والنسيج من 2 مليون إلى أقل من 950 ألف عامل، بعد البدء فى برنامج الخصخصة الذى اتبعته الحكومة المصرية، بدءًا من نهايات حقبة الثمانينيات، ثم البدء فى إنشاء شركات قطاع أعمال عام فى 2004، كوسيلة لإنقاذ الشركات التى تعوم فى الخسائر، إلا أنها باءت بالفشل.
ويضيف عباس، أنه سواء كانت الشركة تابعة لوزارة الاستثمار أو كانت شركات قابضة، هذا تغيير مسميات فقط، إذ لم يكن هناك حل جذرى، مشيرًا إلى تبعية شركة الحرير الصناعى إلى القانون رقم 12 لسنة 2003.
«الدولة تتخلى عن الشركات لصالح مافيا رجال الأعمال والشركات الكبرى، إذ أن مصر سوق تجارية مستهلكة ضخمة، وإذا تحولت للصناعة، فسوف يتسبب فى خسائر لدول أخرى لا تريد لمصر النهوض، فمثلًا تطور مصر يحرم إسرائيل من السوق الإفريقية والعربية»، وفقًا لمحامى مركز الجماعة الوطنية.
عن العمال، يوضح عباس، عدم وجود قوانين تنصف حقوقهم، إذ لا توجد قوانين تضبط حقوق العامل وتبين واجباته، كما تعانى مصر من انهيار منظومة الصحة والسلامة المهنية للعمال، فضلًا عن تردى الأوضاع التأمينية لهم، إذ يتلاعب أصحاب الشركات فى المبالغ التأمينية، من خلال التأمين على العامل بموجب راتبه الأساسى، الذى عادة يكون مبلغا زهيدا، وعلى هذا لا يجد العامل معاشا يستطيع إعالة نفسه فى فترة شيخوخته.
يلفت عباس إلى أن اتجاه الحكومة للتخلص من الشركات، هو أحد شروط صندوق النقد الدولى، الذى يلزم الدولة بكف يدها عن التدخل فى الاقتصاد للحصول على قروض، مشيرًا فى هذا الشأن إلى قرض صندوق النقد الدولى الذى وقعته مصر مع البنك خلال شهر ديسمبر الماضى بقيمة 2،3 مليار دولار.
معهد بحوث الحرير
فى المركز القومى للبحوث بوزارة الزراعة تبدو الجدران حزينة، رغم ما تسكن جنابتها من جمال، كآبة وحزن غلفا وجوه العاملين، وشعور بالأسى على ما حل بمركز تأسس فى عام 1927.
مبتسمًا، وهو جالس على مكتب صغير، غلفته قصاصات الأوراق، تحدث إلينا الدكتور أسامة غازى، رئيس قسم بحوث الحرير بالمركز القومى للبحوث بوزارة الزراعة، عن أسباب انهيار زراعة التوت، وكواليس إغلاق مصانع «بلوفار» للحرير الطبيعى بالإسكندرية، ومصنع مصر للحرير فى حلوان.
حول أسباب انهيار زراعة التوت، وبالتالى صناعة الحرير، يقول غازى: «قطع أشجار التوت بشكل عشوائى، وعدم زراعة أشجار أخرى تحل محلها، سبب هام، فقد كانت مصر تمتلك نحو 3 ملايين شجرة توت فى الدلتا فقط، تمت زراعتها فى عهد محمد على باشا، بالإضافة إلى تهرب أصحاب مزارع التوت، أو المقبلين عليها بفعل عوامل كثيرة أهمها عدم وجود إرشاد زراعى، يقوم بنقل أفكار ودراسات مركز البحوث إلى المزارعين».
كما تسببت رغبات بعض من وصفهم غازى، ب«نواب القروض» فى وصم زراعة الحرير بالفساد، حيث لجأ بعض نواب البرلمان، بالإضافة إلى بعض رجال الأعمال إلى «تسقيع أراض حصلوا عليها بامتياز من الدولة للزراعة» ثم زرعوها ببعض أشجار التوت، بدعوى إثبات الجدية فى زراعة الأرض، رغم أنهم سيقومون بعد ذلك ببيعها أو تحويلها إلى مراكز عمرانية.
بأسى، ووجه غلفه الحزن، يعقد غازى مقارنة بين إنتاج مصر من الحرير حاليًا، الذى يبلغ طنا واحدا، وبين إنتاجها فى فترة السبعينيات، والذى تجاوز الألف طن.
يضيف غازى، بأن الصين قامت خلال الفترة الماضية بممارسة سياسة الإغراق على سوق الحرير فى مصر، حيث قامت بتصدير خام الحرير إلى مصر، بسعر 130 جنيها للكيلو، رغم أن صناعته محليًا كانت تكلف نحو 180 جنيهًا، بغية انهيار زراعة الحرير فى مصر واحتكار الصين لها، ولما انهارت الزراعة، بدأت الصين تتحكم فى الأسعار وترفعها متى شاءت.
منذ تأسيس مركز بحوث الحرير، كان الهدف الرئيسى هو الإشراف والمتابعة والتنظيم لعملية زراعة وصناعة الحرير، حيث كان يستورد المركز «البيض» المستخدم فى توليد دودة القز، ومن ثم توزيعها على مزارع التوت فى مصر، إلا أن الوضع اختلف مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية.
وكان قسم بحوث الحرير، ينظم مزادات لبيع محاصيل مزارع التوت، وكانت رغبة التجار فى ممارسة الاحتكار الدافع وراء تبنيهم سياسية «تفصيل المزاد» إذ يتم دفع أحدهم ليتم إرساء المزاد عليه، ومن ثم يتحكم فى سعر المحصول، حيث لا يدخل المزاد غيره.
ولا توجد إحصائية واحدة حول أعداد أشجار التوت فى مصر، أو المزارع، لكن هناك بعض المناطق التى لا يزال بها بعض من الأشجار القديمة، إذ يوجد 15 فدانا فى برج العرب، و100 فدان فى إحدى مناطق أسيوط، تابعة لشركة مير لصاحبها الدكتور هشام جريس، ومزرعة سرابيوم التابعة لهيئة قناة السويس بالإسماعيلية، و25 فدانا بمزرعة فى بالفيوم، و200 ألف شجرة تابعة لسميح ساويرس فى مدينة هرم ستى.
يشكو غازى من تهرب المزارعين وأصحاب حقول التوت من إشراف المركز «بياخدوا المعلومة ومبنشوفش وشهم تانى».
أهم مشكلة تواجه مركز بحوث الحرير فى ممارسة وظيفته، أو استعادة دوره المفقود، هو قلة عدد العاملين فى المركز، إذ لا يتجاوز عددهم ال 30، منهم 7 بدرجة أستاذ متفرغ تجاوزت أعمارهم السبعين، وبالتالى فإن العدد لا يسمح لهم بتغطية بقاع الجمهورية، أو المتابعة.
لعل السبب الأساسى فى قلة عدد العاملين بمركز بحوث الحرير، هو تردى الميزانية العامة لمركز البحوث الزراعية، التى انخفضت من 240 مليون جنيه خلال سنوات سابقة، إلى نحو 20 مليون جنيه فقط، ومن المفترض أن يكفى هذا المبلغ نحو 24 معهدا، بالإضافة لآلاف العاملين بها.
يقول غازى: إن مناهج تدريس الحرير فى قسم الحشرات بكليات الزراعة، تعد عائقًا كبيرًا أمام تطور المنظومة، إذ لا تعدو الدراسة محاضرتين على الأكثر فقط ضمن المنهج العام للكليات».
يضيف غازى: «إن طول شرنقة دودة القز نحو 1500 متر، يتم توليدها فى 34 يومًا»، مشيرًا إلى أن ال 4 صفائح شرانق مجففة يخرج منها كيلو حرير طبيعى، والكيلو يكون نحو متر من السجاد أو 16 مترًا من القماش بحسب متانة القماش ونوعيته.
يلفت غازى إلى عدم وجود مصانع متخصصة فى إنتاج وصناعة الحرير الطبيعى فى مصر، اللهم إلا بعض الأنوال اليدوية الموجودة فى بعض غرف المنازل، وبخاصة فى مدينة أخميم، مشيرًا إلى أن سعر سجادة حرير طولها متر واحد نحو 15 ألف جنيه، فيما كانت «أخميم» قلعة صناعة الحرير فى مصر، وذلك إرثً حضارى، اتسمت به المدينة منذ عهود الفراعنة، حيث كانت تستورد الحرير وتوزعه على باقى الدولة، ومن هنا نشأت مراكز صناعتها بها.
يقول غازى: «إن الحرير صناعة NO WEST PROJECT أى أن كل جزء منها يدخل فى صناعة معينة، ولا توجد فضلات منها على الإطلاق، حيث تدخل فى صناعة الدواء، وفى صناعة مستحضرات التجميل، أو فى صناعة المواد الغذائية».
استيراد 350 طن من الحرير
نظارة صغيرة، وضحكة لا تفارق ملامح وجهه الصغير، تحدث إلينا سامح أحمد، المدير التنفيذى لرابطة مسوقى ومنتجى الحرير الطبيعى، عن حجم تجارة الحرير الطبيعى التى تمثل قطاعا غير رسمى كبير، وعن كيفية احتكار عدد من التجار سوق التصدير، وبخاصة «صناعة وتصدير السجاد».
تستورد مصر سنويًا نحو 350 طنا من الحرير الطبيعى من دول «الصين وتايلاند والهند وغيرها»، بمتوسط سعر للطن الواحد نحو 500 ألف دولار «17،5 مليون جنيه» وفقا لآخر إحصائيات تقديرية.
تمثل الأنوال والمصانع اليدوية، قطار هذا القطاع الكبير غير الرسمى، والذى غالبًا لا يدفع ضرائب للدولة، بسبب عدم وضعه على الخريطة الضرائبية للدولة.
تقوم مصر بصناعة السجاد المصنوع من الحرير يدويًا، ومن ثم تصديره لعدد من الدول خاصة إيطاليا، التى تقبل على السجاد المصرى نظرًا لشهرته عالميًا.
يقول سامح: «إن رابطة منتجى الحرير حاولت نشر مشروع زراعة التوت فى مصر، سواء من خلال مشروعات قامت هى بها مثل مشروع زراعة 60 ألف شجرة توت على مساحة 12 ألف فدان بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر، وزراعة أشجار التوت لن تكلف الدولة شيئًا، سوى قيامها بإطلاق يد منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الخيرية باستغلال المياه المعالجة فى محطات الصرف الصحى لزراعة الأشجار».
«كونت مياه الصرف الصحى بحيرة كاملة على مساحة نحو 200 فدان، على تخوم مدينة 6 أكتوبر، تكفى لزراعة ملايين أشجار التوت، ولا نريد من الدولة سوى توفير الأراضى، حيث من الممكن أن توفر هذه الزراعة ملايين الدولارات للدولة المصرية»، تابع المدير التنفيذى لرابطة منتجى الحرير.
يلفت سامح إلى إمكانية مساهمة مشروع الحرير فى الارتقاء بأحوال آلاف الأسر، خاصة هؤلاء القاطنين فى القرى الفقيرة والمعدمة، إذ لا يكلف المشروع سوى زراعة بعض أشجار التوت، وشراء علبة بيض دودة القز والتى تحوى 18 ألف بيضة، بسعر نحو 250 جنيهًا فقط. يوضح المدير التنفيذى لرابطة منتجى الحرير الطبيعى، أنه باستطاعة مربى دودة القز أن يمتلك 8 أشجار توت، والحصول على 1000 جنيه فى كل دورة «35 يومًا» بمعدل 6 دورات فى العام. 3 مليارات جنيه حجم سوق الحرير الصناعى
يقول يحى زنانيرى، رئيس جمعية منتجى الملابس الجاهزة رئيس لجنة الجمارك باتحاد الغرف التجارية: «إن مستقبل صناعة الملابس الجاهزة يعتمد على الألياف الصناعية، والتى منها يَصُنع الحرير الصناعى أو الفسكوز أو النايلون وخلافه». ويضيف زنانيرى: «إن مصنع كفر الدوار كان ينتج الحرير الصناعى خلال الستينيات حتى آواخر حقبة الثمانينيات، ثم أغلق المصنع أو تقلص إنتاجه خلال الفترة اللاحقة»، مشيرًا إلى أن حجم استهلاك الشعب المصرى من الملابس بلغ 15 مليار جنيه سنويًا، حسب آخر تقدير إحصائى. يأتى معظم استهلاك مصر من الاستيراد الخارجى، إذ تظَهر إحصائيات جهاز التعبئة والإحصاء عن العام الحالى، بلغ حجم صناعة غزل الحرير 24.3 ألف طن، ووالألياف الصناعية 114.7 ألف طن، وذلك فى قطاع الأعمال العام والحكومى، وهذه أحجام لا تفى باحتياجات المصريين.
ويشير رئيس جمعية منتجى الملابس الجاهزة إلى عدم قدرة مصنع كفر الدوار على الاستمرار نتيجة لتعرضه لسياسات أفشلته وجعلته متخلفا عن ركب التكنولوجيا العالمية فى صناعة الحرير، وبالتالى تعتمد مصر على الاستيراد من الخارج، لافتًا إلى أن حجم سوق الألياف الصناعية والحرير الصناعى يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين جنيه سنويًا.
ويلفت زنانيرى إلى أن حجم تجارة الملابس الجاهزة فى القطاع العام بلغ 360 مليون قطعة، ونحو 24 مليون بطانية، مشيرًا إلى اعتماد كل هذه الصناعات على الألياف الصناعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.