كانت نهاية عام2009 ميعادا لكشف أسرار غزو العراق من خلال تحقيقات قامت بها الحكومة البريطانية ولاتزال مستمرة. وقد ربطها البعض بأنها محاولة من الحكومة السابقة لإعادة الحياة مرة أخري للامبراطورية البريطانية والتي لم تكن تغيب عنها الشمس, وهي العقدة التي عاشت بريطانيا طوال الخمسين عاما الماضية تعاني منها, فهل مازالت بريطانيا تعاني من تلك العقدة؟ بعض المحللين في بريطانيا اعتبروا محاولة إحياء الامبراطورية البريطانية عنصرا ضمن عناصر انحياز الحكومة البريطانية لجورج بوش في قراره غزو العراق, وكان يدفعها الي ذلك الرغبة في عدم التراجع عن دور أساسي علي المسرح الدولي, وأنها اذا ارتبطت بأمريكا فإن ذلك يبقيها في الصف الأول من صانعي الأحداث. ومن بين ما كشفت عنه هذه التحقيقات أن المسئولين في الحكومتين الأمريكية والبريطانية عقدوا اجتماعات سرية ناقشوا فيها الاطاحة بصدام حسين وذلك قبل عامين من القيام بالغزو فعلا, وقبل شهور من احداث الحادي عشر من سبتمبر2001, والتي اتخذها المحافظون الجدد مبررا لإعلان الحرب علي العراق. وطبقا لأقوال كبار المسئولين في الحكومة البريطانية, فإن طبول الحرب كانت قد بدأت تدق في واشنطن بعد وقت قصير جدا من انتخاب جورج بوش للرئاسة في الولاياتالمتحدة, ومن أبرز الشهادات التي استمعت إليها لجنة التحقيق تلك التي أدلي بها سير جيرمي جرين ستوك الذي كان سفيرا لبريطانيا في الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت, وقال في شهادته إن غزو العراق مشكوك في شرعيته لأنه يفتقد الي التأييد الدولي وتأييد الرأي العام في بريطانيا, وأنه هدد توني بلير بالاستقالة اذا خضع لضغط الأمريكيين ووافق علي الغزو قبل أن يصدر قرار من الأممالمتحدة بشأن حقيقة وجود أسلحة دمار شامل في العراق, وأن حكومة توني بلير لم تكن تحيطه علما باتجاهاتها السياسية مع الأمريكيين لغزو العراق والاطاحة بصدام حسين, في نفس الوقت, قال سير جون شيلكوت رئيس لجنة التحقيق, إن هذه اللجنة ليست محكمة, ولن تقرر من هو المذنب أو البريء, وأن الشهود قد تم توفير الحصانة لهم من تقديمهم للمحاكمة اذا كان لهم أي دور, وذلك في مقابل أن يقدموا في شهادتهم كل ما لديهم من معلومات, بل إن أقارب بعض الذين قتلوا من الجنود البريطانيين في هذه الحرب قالوا في أثناء جلسات خاصة معهم, انهم يعتقدون بضرورة تقديم توني بلير للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. كما استمعت اللجنة أيضا الي سير بيتر ريكتس رئيس اللجنة المشتركة للمخابرات, وقال إنه كان علي علم في عام2001 بأن مناقشات تجري في واشنطن للاطاحة بصدام حسين, وأن جميع النصائح التي قدمت الي وزراء حكومة بلير عام2001 لم يتم الالتفات إليها, وقال إننا كنا نستمع إليهم في واشنطن يرددون أنه ربما تكون هناك علاقة بين صدام حسين وأسامة بن لادن, وأننا لم نشاهد أي أدلة علي ذلك, وقال سيمون ويب مدير الشئون السياسية بوزارة الدفاع البريطانية انه لم يسمع من أي مسئول بريطاني في البداية تأييده لفكرة تغيير النظام في العراق, ولكنه بدأ يسمع فيما بعد البعض يقول يجب ألا نستبعد هذا الاتجاه نهائيا لمجرد أنه ليس له أساس قانوني. ومن المعلومات المهمة أيضا, التي كشف عنها هذا التحقيق, ما ذكره سير جون ساورز الممثل الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني في بغداد في ذلك الوقت, والذي يتولي الآن منصبا رفيعا في المخابرات البريطانية والذي قال إنه نبه عقب وصوله الي بغداد عام2003 الي الفوضي التي قد تعم العراق عقب الغزو, وأضاف أن عدم تفكيك حزب البعث وتسريح الجيش العراقي ربما لم يؤد الي إشعال العنف المسلح. وفي تيار المعلومات التي كشفت عنها هذه التحقيقات ظهر بين عدد من المحللين الربط بين اخطاء القرار البريطاني وبين ميراث نفسي وسياسي أصبح ملحوظا لدي القادة البريطانيين منذ انتهاء عصر الامبراطورية البريطانية, وتقول المؤرخة البريطانية ليزا كولي إن الميراث الامبراطوري يقف وراء تعلق بريطانيا بشدة بالعلاقة الخاصة مع الولاياتالمتحدة وحرصهم علي التمسك بدور عالمي لبلادهم, وكأنهما يواجهان مشكلات العالم كدولة واحدة وليس كدولتين, ولكن هذا الارتباط بالأمريكيين كان مخيبا للآمال خصوصا ما ظهر من ارتباط توني بلير بسياسات أمريكية لحكومة بوش تفتقد للشرعية الدولية ولتأييد غالبية الرأي العام البريطاني, بل وغالبية الرأي العام داخل بريطانيا نفسها, وإن كان هناك رؤساء وزراء قبل توني بلير قد حاولوا التغلب علي هذا الاحساس الموروث وتأكيد الشعور بالهوية البريطانية بطريقة معاصرة لتحل محل الفكرة الامبراطورية القديمة والتي لم يعد لها وجود.