فى مؤتمره الصحفى السنوى التقليدي، الذى يحرص عادة على عقده مع بداية كل عام جديد، استعرض سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية ثوابت سياسات بلاده تجاه قضايا روسيا والعالم . توقف لافروف عند أهم محطات السياسة الروسية وما تحقق من انجازات وما صادفته موسكو من اخفاقات لدى تصديها لأهم قضايا العصر، وهو ما اضطر معه إلى كيل الاتهامات إلى خصومها ممن كانوا ولا يزالون يعتبرونها «حجر عثرة» على طريق تنفيذ مخططاتهم تجاه الانفراد بالقرار الدولى وتجاهل الشرعية والعودة إلى نظام القطب الواحد، بما يمكن معه القول ان المؤتمر كان بمثابة منصة دبلوماسية للوزير الروسي، استطاع من خلالها ارسال العديد من رسائله الى «كل من يهمه الأمر». من هذا المنظور، استهل عميد الدبلوماسية الروسية حديثه بتأكيد أن العام الماضى لم يكن «سهلا» فى إشارة إلى ما تخلله ذلك العام من أحداث جسام، ومنها ما جرى على مقربة مباشرة من الحدود الروسية. على مدى زهاء الساعتين ونصف الساعة استعرض الوزير الروسى مفردات الموقف والأوضاع فى الكثير من بؤر التوتر والنقاط الساخنة، التى انتشرت كما البثور على الجسد العليل، والتى خص منها بالذكر توتر الأوضاع حول كوريا الشمالية ومحاولات واشنطن حسمها من خلال استخدام القوة العسكرية. وقال بعدم جواز التلويح باستخدام القوة العسكرية وضرورة العودة إلى اتفاق السداسية الدولية والحوار بوصفه السبيل الوحيد إلى انتزاع فتيل المواجهة، وتقديم ما يكفى من ضمانات لكوريا الشمالية فى اشارة غير مباشرة إلى احتمالات تعرضها لما سبق وواجهته بلدان أخري، كان يقصد بها العراق وليبيا وما شهدته الدولتان من أهوال بلغت ذروتها فيما واجهه زعيماها صدام حسين ومعمر القذافي. وأشار لافروف إلى تفاقم الأوضاع فى أفغانستان والشرق الأوسط ، إلى جانب الجدل الذى يتواصل حول محاولات وتصريحات الولاياتالمتحدة بشأن عدم الالتزام ببنود الاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، وما أصدرته من بيانات قال انها لا يمكن أن تسفر عن سلام أو استقرار فى المنطقة. ومن هنا، جاءت اتهامات عميد الدبلوماسية الروسية لواشنطن وحلفائها ممن يتجاهلون الشرعية الدولية، ومفردات الواقع الراهن و«عبثية» محاولات الانفراد بالقرار الدولى والعودة إلى معايير عالم القطب الواحد. كما انتقد لافروف سياسات واشنطن وتجاهلها للشرعية الدولية واستمرارها فى تهديد أمن وسلام جيرانها من خلال مخططات نشر عناصر الدرع الصاروخية تارة، واقرار العقوبات والتهديد بتوسيعها تارة أخري، فضلا عن تراجعها عما سبق وعقدته من اتفاقات، إلى جانب ما تنتهجه من سياسات تجاه كوريا الشماليةوسوريا. وفى هذا الشأن قال لافروف ان واشنطن تواصل محاولاتها من أجل عرقلة الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة السورية، فيما كشف عن دعمها لجبهة النصرة وفصائل معارضة سورية أخري، فى نفس الوقت الذى افصحت فيه واشنطن عن عدم تأييدها لمؤتمر الحوار الوطنى السورى الذى اعلنت روسيا عن عقده فى سوتشى مع نهاية الشهر الحالى، فضلا عن تمسكها بدعم وتأييد من يظل متمسكا بما سبق وطرحه من شعارات للاطاحة بالنظام القائم فى دمشق. واضاف لافروف «انه فى الوقت الذى تعمل فيه روسيا مع شركائها من اجل دعم الاستقرار فى سوريا، أعلن التحالف الدولى بقيادة واشنطن تشكيل قوة أمنية جديدة لنشرها على الحدود السورية مع تركياوالعراق وشرقى نهر الفرات، وأن هذه القوة ستضم 30 ألف مقاتل وستخضع لقيادة «قوات سوريا الديمقراطية»، فضلا عما تقوم به الولاياتالمتحدة من دعم بالسلاح والتدريب والتغطية الميدانية لتحالف «قوات سوريا الديمقراطية»، الذى تمثل «وحدات حماية الشعب» الكردية عموده الفقري، و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردى جناحه السياسي». وأعرب الوزير الروسى عن قلق بلاده تجاه الخطط الأمريكية الخاصة بمحاولات إنشاء مناطق حدود آمنة شمال سوريا، متهما واشنطن بأنها لا تريد الحفاظ على وحدة الأراضى السورية. وطالب بضرورة مراعاة مصالح الفصائل الكردية لدى التحضير لمؤتمر الحوار الوطنى السوري. واشار الوزير الروسى إلى تقديره العالى للجهود التى اسفرت عن عقد مشاورات الاستانة، ونجاحها فى استمالة ممثلى الفصائل المسلحة من معارضة الداخل السوري، بما اسفر لاحقا عن انشاء مناطق خفض التصعيد، رغم بعض ما يشوب هذه المناطق من تجاوزات. وأضاف بقوله : «إنه من المهم أن عملية أستانة شجعت نشاط الأممالمتحدة التى فى حقيقة الأمر لم تعمل شيئا على مدى 10 أشهر قبل بداية لقاءات أستانة. وآمل بأن تلعب فكرة عقد مؤتمر الحوار السورى دورا حافزا بالنسبة للأمم المتحدة لتفعيل أعمالها، فضلا عن إشارته إلى ان هذا المؤتمر يستهدف ضمن ما يستهدف دعم محادثات جنيف. وقد جاءت هذه التصريحات مواكبة لما اعلنه الجنرال فلاديمير شامانوف رئيس لجنة الدفاع فى مجلس الدوما الروسي، الذى أكد «أن تشكيل الولاياتالمتحدة «قوة أمنية حدودية» جديدة فى سوريا يعارض مصالح روسيا»، وتأكيده ان بلاده سوف تتخذ الإجراءات المناسبة للرد على مثل هذه المخططات وارساء الاستقرار فى سوريا . وحول الموقف من تهديدات واشنطنلايران وتصريحات الرئيس الامريكى دونالد ترامب بعدم مد فترة رفع العقوبات عن ايران، قال لافروف: ان التصريحات الأخيرة الصادرة عن واشنطن «تستهدف إفشال تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووى الإيراني، ولا تزيد من التفاؤل والاستقرار»، مؤكدا ان بلاده سوف تسعى من اجل الحفاظ على الاتفاقات الخاصة بالملف النووى الإيراني»، مشيرا الى اتفاق بلاده مع الصين وبلدان الاتحاد الأوروبى بشأن ضرورة الالتزام بما جرى الاتفاق حوله بشأن البرنامج النووي، التى لم تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتهاك ايران لأى من بنوده. وانتقد سياسات واشنطن تجاه ايران وقال انها تواصل اتهام طهران بانتهاك حقوق الانسان واختلاق ما تسميه بتجاوزاتها فى مجال صناعة الصواريخ الباليستية والتدخل فى شئون جيرانها ، وهى كلها قضايا لاعلاقة لها ببنود الاتفاق حول البرنامج النووي. وحول سياسات واشنطن وقرارات الرئيس ترامب بشأن القضية الفلسطينية، قال لافروف ان موسكو تتفهم قلق القيادة الفلسطينية التى هددت بالانسحاب من أى مفاوضات مع اسرائيل ، بل حل السلطة الفلسطنية وتحميل اسرائيل كامل المسئولية عن تدهور الاوضاع فى الاراضى الفلسطينية. وأشار لافروف إلى خطأ هذه السياسات وضرورة استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين دون شروط مسبقة، معيدا إلى الاذهان ما سبق أن طرحته موسكو من اقتراحات حول استضافة الجانبين لعقد مباحثاتهما فى روسيا. وقال: انه طالما حذر من مغبة مثل هذه السياسات والخطوات مشيرا إلى انها يمكن ان تزيد من صفوف الارهابيين وهو ما أزعج الاسرائيليين وأغضبهم منه. وكشف لافروف عن خطة لاستئناف عمل الرباعية الدولية بمشاركة أممية، إلى جانب المباحثات الثنائية مع واشنطن. وتطرق لافروف الى الاوضاع فى ليبيا التى قال بضرورة تضافر الجهود من اجل تحقيق المصالحة بين الاطراف المعنية هناك ، مشيرا الى ما تقوم به مصر والجزائر واطراف اخرى من جهود محمودة من اجل انقاذ الموقف، مشيرا إلى ما يقوم به المبعوث الأممى غسان سلامة فى ليبيا وما وضعه من مقترحات تبدو بمثابة «خطة طريق» تعيد لليبيا استقرارها ووحدة اراضيها.