اثار الخلاف حول نقل القضاء العسكري من الباب الخاص بالقوات المسلحة إلي باب السلطة القضائية في الدستور الجديد, جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقانونية, اثر انسحاب اللواد ممدوح شاهين ممثل الجيش في الجمعية التأسيسية من اجتماع أمس الأول. و ذلك بعدما رفض المعترضون نقل القضاء العسكري إلي السلطة القضائية الاستماع إلي وجهة نظره. وأسهمت شكوك أثارها سياسيون, حول أسباب اقتراح نقل القضاء العسكري إلي السلطة القضائية في تعزيز الغموض المحيط بهذا الاقتراح, وسط رفض واسع له من قبل قانونيين وسياسيين. ورفض المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي قضاة مصر السابق ورئيس محكمة استئناف القاهرة أن يتضمن باب السلطة القضائية في الدستور أي مواد تتعلق بالقضاء العسكري, معللا ذلك بأن القضاء العسكري ذو طبيعة خاصة بالنسبة للعسكريين, واستثنائي بالنسبة للمدنيين ولا يجوز الا ينص عليه في الدستور الجديد. وأوضح أن الدليل علي صحة ما أشار إليه هو أنه في حالة الادعاء المدني( المطالبة بالتعويض) لا يجوز اقامته أمام القضاء العسكري وبالتالي تكون حقوق الإنسان مفقودة أمام القضاء لسقوط جزء مهم منها وهو الادعاء المدني بالتعويض. وقال عبدالعزيز ان الأصل في القضاء العسكري انه لا يختص إلا بنظر القضايا العسكرية البحتة والتي يطلق عليها الجرائم الانضباطية ولا يدخل فيها جرائم القانون العام ولكن يجوز أن نترك للقضاء العسكري اختصاصاته في محاسبة العسكريين حينما يرتكبون جرائم تتعلق بالقانون العام أو الخاص مثل القتل والرشوة وغيرها, كما أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يختص القضاء العادي بنظر قضايا مدنيين في حالة تعديهم علي العسكريين أو ممتلكات القوات المسلحة. وأضاف عبدالعزيز أنه إذا أردنا توحيد جهات القضاء فيمكن وضع مقترحات هامة في الدستور الجديد تتمثل في إلغاء نص محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لأي أسباب وكذلك جواز الادعاء المدني أمام القضاء العسكري وأيضا تكون أحكام الجنايات والجنح في القضاء العسكري علي درجتين بحيث يتم الطعن علي حكم الجنايات والجنح أمام محكمة النقض. لكن اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني والاستراتيجي أكد أن قانون الأحكام العسكرية يعد قانونا خاصا بالقوات المسلحة يحاكم افراده أو المدنيين الذين يعتدون علي المنشآت العسكرية أو القوات المسلحة. وأشار سيف اليزل أن تضمين القضاء العسكري في باب القضاء العادي لمشروع الدستور الجديد يعد أمرا هاما كضمانة لاستقلاله بعيدا عن باب القوات المسلحة الموجود بالدستور الجديد. وأضاف سيف اليزل أنه من الطبيعي انسحاب اللواء ممدوح شاهين من اجتماع الجمعية التأسيسية خلال مناقشتهم وضعية القضاء العسكري في الدستور وذلك لاصرار العديد من أعضاء الجمعية علي عدم استماع إلي وجهة نظره التي حاول أن يشرحها للأعضاء. غير أن المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية رأي أن للقضاء العسكري طبيعة خاصة تجعل من الصعوبة إمكانية دمجه مع باقي الهيئات القضائية في كيان واحد, مشيرا إلي أن هذا الاقتراح قد يبدو جيدا من الناحية النظرية لتكريس مفهوم الدولة المدنية واخضاع كل مؤسسات الدولة لنظام قانوني وإداري واحد ولكنه من الناحية العملية يثير العديد من المشكلات علي أرض الواقع وذلك في ضوء طبيعة عمل القضاء العسكري. وحذر الخطيب من محاولة دمج القضاء العسكري مع باقي جهات القضاء العادي معتبرا ذلك بانه أولي للخطوات التمهيدية لإلغائه مشيرا إلي أن ذلك يعد أمر بالغ الخطورة, لافتا إلي أن القضاء العسكري أحد الركائز الأساسية في عمل القوات المسلحة والذي يوفر لها الضمانات الكافية بعيدا عن الزج بهم في خصومات مدنية بالقدر الذي يحفظ اعتبارات العدالة ومقتضيات الأمن القومي. واعتبر الخطيب انسحاب اللواء شاهين في مناقشات التأسيسية في هذا الصدد للكشف عن احد وجوه الصراع بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين, ومحاولة فرضها وضعا معينا علي القوات المسلحة أو لصالحها. واقترح سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس الحزب الناصري تقسيم اختصاصات القضاء العسكري في الدستور إلي قسمين, الأول يدخل في نطاق القوات المسلحة وتسلسلها القيادي ويضم الجرائم التي تقع في الميدان والمعسكرات والمنشأت العسكرية, والثاني يتعلق باختصاصات القضاء العسكري ازاء الجرائم التي تقع خارج الدائرة المكانية العسكرية وهذه يمكن ان تخضع للقضاء العادي وليس القيادة العسكرية. وقال نبيل زكي المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع ان القضاء العسكري يختص بكل الذين ينتمون إلي الهيئة العسكرية بمختلف مراتبها وبالتالي لا يفترض حدوث تداخل بين هذه السلطة القضائية العسكرية وغيرها. وأضاف زكي لابد أن نفهم الهدف من وراء هذه الفكرة المطروحة متسائلا هل تستهدف حماية العسكريين أم حماية المدنيين من العسكريين؟ وتابع زكي أنا مع فكرة استقلالية القضاء بحيث لا يحدث أي تداخل أو هيمنة من هذا الطرف أو ذاك. وقال ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل: ان القضاء العسكري كان جزءا من السلطة القضائية في دستور17 ولكن تم استبعاده من قانون السلطة القضائية, مشيرا إلي أن هذا الأمر معمول به في معظم دساتير العالم وهو وضعية القضاء العسكري كهيئة قضائية مستقلة في باب السلطة القضائية. ووصف الشهابي الخلاف الحادث داخل التأسيسية اثر انسحاب اللواء ممدوح شاهين من اجتماع امس الاول بانه مجرد تحصيل حاصل, قائلا: لا يوجد ضرر من تبعية القضاء العسكري للسلطة القضائية في الدستور. ورأي الشهابي أن الجمعية التأسيسية تفتعل خلافا مع القوات المسلحة في إطار الشد والجذب وهو ما يكشف عن الصراع الدائر بين حزبي الحرية والعدالة والنور من جهة وبين القوات المسلحة من جهة أخري.