* إن الزج بتفاصيل غير صحيحة بأسس الموقف المصرى تجاه إشكالية القدس ،والتنويه عن قبول وهمى ببديل غير صحيح يتم الترويج له إنما يستهدف بالأساس التشويش على الموقف المصرى الثابت والمتماسك فى الوقت التى عكفت فيه إسرائيل على الاستثمار السياسى والاستراتيجى فى القرار الأمريكى غير المشروع فى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والشروع قدما فى إجراءات نقل السفارة الامريكية إلى القدس، والاغلب أنها ستتم قبل نهاية الولاية الأولى للرئيس ترامب، عاد البعض من الكتاب والمحللين العرب للبحث عن البديل المباشر ،وإعادة استشراف الإطار الجديد الذى يمكن لنا التحرك فيه من خلال إعادة تدوير الأفكار والرؤى للبحث عن البديل ،وكأن الأمر حسم ،وانتهى وعلينا نحن البحث عن سيناريو آخر ........ من التحركات العربية إلى الحركة المصرية .. نتحدث مبدئيا ولاعتبارات تتعلق بالعلاقات المصرية الفلسطينية، فإن القاهرة رسميا لم تطرح رؤى أو تصورات خارج الاطار العربى العام أو الانسياق وراء بعض الأفكار الشاردة التى عادت تؤكد فكرة الدولة الواحدة أو الدولة ثنائية القومية أو الدولة متعددة الأعراق ،أو غيرها من الصيغ المطروحة ،وأن كل ما طرح مجرد اجتهادات فكرية لبعض مسئولين مصريين سابقين لا علاقة لها بالواقع ،وكانت تصلح فى فترات معينة ، وسبق أن طرحت فى البدايات الاولى للمشروع الوطنى الفلسطينى، ثم سرعان ما تم تجاوزها لاعتبارات سياسية واستراتيجية خاصة بالجانب الفلسطينى ، ومن ثم فإن مصر لا تزال تؤكد خيار حل الدولتين كأساس لعملية السلام - إن قبل بها الجانب الإسرائيلى ووفقا لصيغة مبادرة السلام العربية - التى ما تزال مطروحة حتى الان ،وتصلح برغم كل التحفظات الإسرائيلية كإطار جيد يمكن البناء عليه ان توافرت الإرادة السياسية داخل المجتمع الإسرائيلى ، ومن ثم فإن الزج بتفاصيل غير صحيحة بأسس الموقف المصرى تجاه إشكالية القدس ،والتنويه عن قبول وهمى ببديل غير صحيح يتم الترويج له إنما يستهدف بالأساس التشويش على الموقف المصرى الثابت والمتماسك ،وليس أى موقف آخر لدول أخرى تدفع بالمطالبة بممارسة ضغوطات على الجانب الفلسطينى لبدء مسيرة الاتصالات ،وتنحية ملف القدس جانبا . فى مثل هذه الاجواء العربية العربية المرتبكة ليس غريبا أن تقوم الإدارة الامريكية ومن ورائها الحكومة الإسرائيلية فى استثمار المشهد الراهن ،واطلاق الأفكار والمقترحات الإعلامية التى هى فى الأصل سبق أن طرحت فى مراحل معينة بما فيها مقترح أبو ديس كعاصمة للكيان الفلسطينى ،وليس القدس وهو مقترح تم تداوله فى حقبة التسعينيات على الجانب الفلسطينى بل ومضى فى اطاره البعض خاصة مع الاتفاق على إقامة بعض المؤسسات الفلسطينية رسميا فى المدينة، ثم سرعان ما أدرك الفلسطينيون تبعات المخطط فتم اغلاق الملف بكل ما فيه وحسم الأمر ،وهو ما يعاد اليوم تدويره مع الفارق فى المقترح الأمريكى الإسرائيلى بتغيير اسم أبو ديس إلى اسم القدس الجديدة ، وبالتالى فان على بعض الكتاب غير المتخصصين فى الصراع العربى الإسرائيلى بكل تفاصيله المعقدة عدم الانسياق وراء بعض الأفكار الإسرائيلية الأمريكية من منطق التفكير الجديد والمستجد والمستحدث والتفكير خارج الصندوق ومن منطلق المساهمة المقترحة فى تقريب وجهات النظر بين الجانبين ، وعلى أساس البدء فى مسار عملية التفاوض ،وهى فى الأساس غير موجودة منذ سنوات أصلا ، ولن توجد ما دامت الضغوط الامريكية المباشرة الراهنة مستمرة على السلطة الفلسطينية ، والعمل على دفعها إلى دائرة ضيقة محدودة ما لم تنصع لتوجهات الإدارة الامريكية ،وإلا فإن البديل حصار الرئيس محمود عباس ،والسلطة بورقة الدعم الاقتصادي، أو التلويح بخيار المقاطعة وإنهاء سلطة الرئيس محمود عباس . إذن ما الحل ؟؟ فى إطار هذه الأجواء قد يبدو الأمر بالنسبة للعالم العربي، وللجانب الفلسطينى فى حاجة إلى تفاعل حقيقى ،واشتباك سياسى واقعى مع الجانبين الأمريكى والاسرائيلى يطرح صيغ جديدة للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية الراهنة ، أو تقديم خيارات أكثر واقعية بعيدا عن تقديم تنازلات جديدة خاصة أن اطار النفقة والتكلفة والعائد الذى ترغب الإدارة الامريكية أن تعمل فيه لن يكون مفيدا أو مطروحا بالنسبة لنا خاصة وأن ما يتردد واقعيا عن فكرة الصفقة التى تضم الجميع وتدفع بوجود فلسطينى بدون صيغة مقبولة لن تكون مجدية ، وهو ما تعلمه إدارة ترامب التى لم تقدم حتى الان أى رؤية أو تصور حقيقي، وكل ما طرحته أفكار لسلام اقتصادى ،وبناء شرق أوسط جديد يركز على التعاون الإقليمى بالأساس ،ولا مكان فيه لسلام سياسى حقيقى وبدليل عزوف الإدارة الامريكية عن تقديم جديد بعد قطع الاتصالات الرسمية بين الإدارة الامريكية والسلطة الفلسطينية ،وفى ظل رهانات إسرائيلية حقيقية على احداث انقسام فى الموقف العربى بين دول تسعى للتوافقات الإقليمية الإسرائيلية والتكامل العربى الإسرائيلى مع الاستعداد للدخول فى مفاوضات ربما تكون غير معلنة حتى الان ، وبين دول تدرك تبعات ما يجرى على أمنها القومى ،ومن ثم تتحرك للحفاظ على مصالحها مبكرا ،ولعل الأردن كان معبرا عن هذا التوجه لاعتبارات تتعلق بإعادة اليمين الإسرائيلى لفكرة الوطن البديل والوجود فى غور الأردن فى أى ترتيبات أمنية قادمة. وفى المقابل تقف مصر فى دائرة استراتيجية محدودة ظهيرا حقيقيا للجانب الفلسطينى ليس فقط فى التأكيد على رفض مستتر للمسار الأمريكى الذى يتحرك فيه الرئيس ترامب ،وفريق مفاوضين حديثى العهد بالصراع العربى الإسرائيلى مع تحمل تكلفة ذلك فى اطار العلاقات الثنائية المصرية الامريكية التى تعانى أزمة مكتومة منذ تقليص المساعدات الامريكية 300 مليون دولار، وتوقف الحوار الاستراتيجى بين القاهرة وواشنطن وإلغاء زيارة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس القاهرة وإسرائيل ، وهو ما قد يؤثر بالفعل على مسارات العلاقات فى حال استمرار الدعم المصرى المباشر، والمعلن للجانب الفلسطينى حيث سيتطلب الوضع الحالى انصياع القوى الفلسطينية للتجاوب مع الطرح المصرى فى استمرار بناء موقف فلسطينى حقيقى ،واستكمال استحقاقات المصالحة الفلسطينية ،وعدم تأخرها كمنطلق حقيقى وجاد للمرحلة المقبلة خاصة وأن الأولويات الفلسطينية المخلصة يجب أن تسلم بحدود التحرك المصرى المسئول ، والذى سيصطدم بالتحركات الامريكية المنحازة والتى ستستمر فى توجهاتها العدائية فى الأممالمتحدة حال اقدام الرئيس الفلسطينى على خوض معركة الحصول على العضوية الكاملة والالتحاق ب22 منظمة دولية جديدة ومن ثم البدء فى التعامل مع الأراضى المحتلة كأراض واقعة تحت الاحتلال بما لها من التزامات معروفة فى القانون الدولى .. إذن فإن الحديث عن البدائل والخيارات البديلة عربيا وفلسطينيا ليس من منطلق أنه لا يوجد سوى الاعتراف بالأمر الواقع والتعامل مع مركز ووضع القدس الجديد كالتعامل مع قرطبة مثلا، فليست مسالة القدس إلا البداية لما هو أسوأ ،وهو ما يتعلق بتقنين وضع المستوطنات رسميا ،وضمها الى إسرائيل وهو ما جرى فى قانون القدس الموحد ،والذى سيكون منطلقا لبناء إقليم القدس الكبير، واجراء ترانسفير كامل للأسر المقدسية خلال ال24 شهرا القادمة خاصة مع صراع الليكود والبيت اليهودى حزبى الائتلاف الحاكم على المزايدات الإعلامية كسبا للرأى العام مع الشروع قدما فى تنفيذ مخطط 2050 الخاص بتهويد القدس بالكامل ،وهو ما يعد استثمارا حقيقيا فى القرار الأمريكى ،وبصورة عملية ،ومن ثم فإن التحرك العربى لا يجب أن يقف عند استمرار اللقاءات التشاورية والتنديد بما يجرى ، بل باطار أشمل لمسارات حقيقية للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة ومن خلال جدول أعمال مركز وواضح ومقبول عربيا ،ومتراضى عنه فلسطينيا بالأساس ،وبالتالى ليس مطلوبا أن يتم ترحيل ما نطالب به إلى قمة الرياض فى مارس المقبل لأن هناك أولويات حقيقية ومخططا أمريكيا إسرائيليا سيتسارع على الأرض ،ومن الضرورى مجابهته ، والوقوف أمامه بالفعل دون مزايدات وهمية أو انتقادات سطحية تتجاوز ما دار فى لقاء عمان السداسى مؤخرا خاصة وأنه ليس مطلوبا الاصطدام بالولايات المتحدة مبكرا أو قطع العلاقات معها لان هذا التوجه لن يتم كما أن تفعيل قرارات المقاطعة للدول التى ستنقل سفاراتها إلى القدس بناء على مقررات قمة عمان 1980 قد يكون مهما ومطلوبا ... ليس مطلوبا إذن منا أن نبدع فى البحث عن بديل او نفكر فى وجود كيان فلسطينى وعاصمة والسلام ضمن صيغة كونفيدرالية تضم هذا الكيان الوليد والأردن أو الحاق إسرائيل ضمن هذا المقترح، لأنه علينا أن نتذكر جيدا أن إسرائيل لا تريد سوى دولة يهودية لا مكان فيها إلا لليهود أما مواطنوها الذين حازوا جنسيتها فعليهم الذهاب إلى مكان آخر ،والنقب تتسع للجميع وبالتالى فإن استصدار إسرائيل لقرار ضم الأراضى المحتلة والمستوطنات إلى إسرائيل وتطبيق القرار الإسرائيلى عليها ما هو إلا جس نبض لأنه لا يمكن أن تتحمل إسرائيل تكلفة اعاشة مليونى فلسطينى على أراضيها ،ومن ثم فقد سقط بالفعل إسرائيليا من واقع رؤية أحزابها المؤتلفة خيارات التوطين المتبادل أو تقاسم الأراضى والحياة معا مقابل خيارات التهويد والتمكين والترانسفير .