جاء إعلان واشنطن عن فشلها في إقناع إسرائيل بالتوقف عن العمليات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس ليطرح علي الملأ ما كان معلوماً في السر منذ نهاية سبتمبر الماضي مع انتهاء فترة التجميد التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي من جانب واحد ولمدة تسعة أشهر، ومع استمرار القيادة الفلسطينية في رفضها للتفاوض في ظل الاستيطان، وتقدير رئاسة الوزراء الإسرائيلية أن الاستيطان ليس عائقاً حقيقياً للمفاوضات، فضلاً عن فشل واشنطن في التوصل إلي "صيغة وسط" حتي وإن كانت باهظة التكاليف، كان من الطبيعي أن يدور التساؤل حول التحركات المستقبلية للتعامل مع هذه المعطيات، وفي هذا الشأن يمكن طرح العديد من النقاط أبرزها ما يلي: 1- إن إعلان القيادة الفلسطينية عن تعدد الخيارات أمام الطرف الفلسطيني يمثل رد فعل طبيعي يتماشي مع منطلق في التعامل مع القضية من خلال الأسلوب السياسي، وهو الأسلوب الذي يسعي علي الدوام إلي إيجاد البدائل والصياغات التي تسمح بالخروج من الأزمات، ومع ذلك تبقي البدائل رهينة بما لدي كل طرف من أدوات يمكن توظيفها واستحضارها وفقاً لتطورات الموقف. 2- بغض النظر عن الاختلافات النوعية بين البدائل المتاحة، فإن القاسم المشترك بينها هو الاعتماد علي المواقف الدولية والرأي العام العالمي بهدف الضغط لتحقيق الأهداف المنشودة، وتندرج في هذا السياق فكرة اللجوء إلي مجلس الأمن الدولي ومطالبته بالاعتراف بدولة فلسطينية داخل حدود السادس من يونيو عام 1967، علي أن يسبق ذلك تعبئة لأكبر عدد من الأصوات الدولية التي تدعم هذا التحرك. كذلك الحال بالنسبة للتلويح بإمكانية اتخاذ قرار بحل السلطة الوطنية الفلسطينية بما يحمل ذلك في طياته من رسالة واضحة بأن استمرار الموقف الحالي من شأنه أن يولد فراغًا نتيجة لتلاشي الشريك الفلسطيني، الذي طالما شككت إسرائيل في وجوده، بما يعنيه ذلك من فتح الباب أمام حالة من الفوضي والاضطراب لا ترغب القوي الدولية فيها. 3- إن ترجيح بديل علي آخر، أو العمل علي أكثر من مستوي في نفس الوقت لا يعني أن التسوية قد أصحبت قريبة المنال، خاصة في ضوء حقيقة أن المكون الأرضي للدولة الفلسطينية المستقبلية يخضع من الناحية الواقعية للسيطرة الإسرائيلية، وبدونه لا يتعدي أي اعتراف خارجي بهذه الدولة كونه اعترافًا منقوصًا لعدم التوافر الفعلي للمكونات الأخري المتمثلة في الشعب والسلطة السياسية ذات السيادة. 4- إن تحركات السلطة الفلسطينية في اتجاه أي من البدائل يلزم أن يحظي بحاضنة عربية تسانده وتدافع عنه، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف نتيجة لما تم رصده من انقسامات عربية علي مدار عقود حول السبيل الأمثل للتعامل مع القضية الفلسطينية والتكلفة السياسية والاقتصادية والبشرية للخيارات التي يتم تداولها من خلال منظور حسابات المصالح الوطنية لكل من أقطاب السياسة العربية. 5- يشكل الموقف الأمريكي محدداً رئيسياً في رسم أفق نجاح أية تحركات سياسية فلسطينية أو عربية مستقبلية؛ حيث يتطلب الأمر تقييما عملياً دقيقاً لإمكانية تماشي واشنطن مع هذا التحرك وكيفية الربط بينه وبين المصالح الأمريكية في المنطقة بهدف التوصل إلي توفير الديناميكية المطلوبة للتوصل إلي نتائج من خلال تسوية تحظي بمساندة القوي الكبري، يمكن تبنيها من قبل مجلس الأمن الدولي دون المجازفة باصطدامها بحق الاعتراض من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية. 6- وأخيراً يلزم التنبيه إلي أن الخيارات ليست فقط حكراً علي الطرف الفلسطيني والعربي، وإنما هناك أيضاً الطرف الإسرائيلي الذي يعكف علي إجراء تقييم مستمر للموقف بهدف التعامل مع المعطيات الحالية والمستقبلية من خلال سيناريوهات تُعد سلفاً إما لتحييدها أو التقليل من مداها أو حتي وأدها، استناداً إلي نظريات عديدة من بينها إدارة الأزمات، وصرف الانتباه، واللعب علي الانقسامات، واستخدام مراكز التأثير علي القرار الأمريكي، الأمر الذي يزيد من صعوبة الموقف الفلسطيني في إطار لعبة سياسية لا تحكمها قواعد ثابتة منطقية كانت أم قانونية.