كبيرة لا ينتبه إليها كثير من الناس.. هي عدم التوجه بالشكر إليهم على عطائهم، برغم أن ذلك مبدأٌ إسلامي، فعن أبى هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ". (أخرجه البخاري، وصححه الألباني). وفي رواية: "أَشْكرُ الناس لله، أَشكرُهم للناس". (صحيح الجامع). وقد علق "القاضي" بالقول: "إن شكْر الله إنَّما يَتمُّ بمطاوعته، وامتثال أمره، وإنَّ ممَّا أمَر به شُكْر الناس الذين هم وسائط في إيصال نِعَم الله إليه، فمن لم يُطاوعه فيه، لم يكن مُؤدِّيًا شكْر نِعَمه". وقيل إن "شكر الله": زيادة النعم، وإدامة الخير، فالله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان لا يشكر إحسان الناس. ونبه علماء إلى خطأ عبارة تقول: "لا شُكرَ على وَاجِب"، إذ تفيد أن من يقوم بواجب لا يستحقُ شكراً. قال ابن باز: "هذه الكلمة غلط؛ لأن الواجب يُشكر عليه، ومن أدى الواجب الشرعي في حقوق الله، أو حقوق العباد، يُشكر على أدائه، وكذلك المستحبات: يُشكرُ على أدائها". فكل إنسان صنع لنا معروفاً، واجباً عليه أو حقا لنا، يجب علينا أن نشكره، وأضعف الإيمان أن نقول له: "جزاك الله خيراً". فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا قال الرجلُ لأخيه: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء". (صححه الألباني). وعلق المباركفوري بالقول: "جزاك الله خيراً"، أي خير الجزاء، أو أعطاك خيراً من خيري الدنيا والآخرة". وقال عمر، رضي الله عنه: "لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه: "جزاك اللهُ خيراً"، لأكثرَ منها بعضُكم لبعض".(رواه ابن أبي شيبة في المصنف). وقال أبو حاتم: "الواجب على من أُسدِي إليه معروف، أنْ يَشكُره بأفضلَ منه أو مِثله؛ لأنَّ الإفضال على المعروف في الشكر، لا يقوم مقام ابتدائه وإنْ قَلَّ، فمَن لم يَجِد، فليُثنِ عليه؛ فإنَّ الثَّناء عند العدم، يقوم مقامَ الشكر للمعروف". وأضاف: "من لَم يكن لقليل المعروف عنده وقْعٌ، أَوشكَ ألا يَشكُر الكثير منه". هكذا للمسلم أن يدعو لمن أحسن إليه، وأن يجزل له المكافأة، وأن يثني عليه، ولو بالكلمة الطيبة. عَنْ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ". (قال الألباني: " إسناده صحيح على شرط الشيخين). عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "من أُتي إليه معروفٌ فليكافئ به، فإن لم يستطع فليذكره، فمن ذكره فقد شكره". (حسنه الألباني). قال المناوي: "الله تعالى جعَل للنِّعم وسائطَ منهم، وأوجَب شكْرَ من جعَله سببًا لإفاضتها كالأنبياء والصحابة والعلماء، فزيادة العبد في شكرهم، زيادة في شكْر ربِّه؛ إذ هو المُنعِم بالحقيقة، فشكْرهم شكْره، ونِعَم الله منها بغير واسِطة كأصلِ خِلقته، ومنها بواسطة، وهي ما على أيدي الناس، فتَتقيَّد بشكْرِهم ومكافأتِهم". أما من كانت طبيعته عدم شكر الناس على إحسانهم إليه؛ فإنه لا يشكر الله تعالى؛ وربما كان السبب في ذلك: جفاء طبعه، أو سوء خلقه، أو فساد طويته. عن طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من أُولي معروفاً، فليذكره، فمن ذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره". (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). وعن جابر، رضي الله عنه، أنه، صلى الله عليه وسلم، قال أيضا: "مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ". (صححه الألباني). والمعنى أنه من أُعطيَ إليه عطاء ثم أصبح غنيًّا، فليَجزِ به، أي لِيَرُدَّ هذا المعروف معروفاً، فمن لم يجد فليُثنِ به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره. قال الداعية محمد راتب النابلسي: "على الإنسان ألا ينسَى معروفاً أُسدِيَ إليه مدى الحياة، وأن ينسى معروفاً أسداَه للآخرين، فبهذا يحبُّه اللهُ؛ لأنه يشكر الناسَ، ولأنه يعمل العمل يبتغي به وجه الله، لا السمعة والمكانة". فإن قصرت يد المُحسَن إليه عن مكافأة صاحب الإحسان، فليُطل لسانه بشكره، ويكثر من الدعاء له. إن "شكر الناس" خلق إسلامي، وتدعو إليه الفطرة السوية، وبالتالي يجب علينا أن نحييه وننشره بين الناس، علما بأن من أسماء الله: "الشكور". قال سبحانه: "فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ". (البقرة: 158)، وقال، عَزَّ مِن قائل: "وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ".(التغابن: 17). وأخيرا قال تعالى: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ". (سبأ:13). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;