جاء حادث مسجد الروضة فى بئر العبد فى سيناء، ليكشف مشكلة مازالت تؤرق المجتمع ، ولتتوافر الجهود لتوعية الشباب ورعايتهم سلوكيا ودينيا خاصة لارتباط طلاب الجامعة بسهولة التأثر بالمفاهيم المنحرفة، حتى إن معظم حالات التطرف - للأسف - من خريجى الجامعات ، لذلك يوجه الخبراء التحذير من السلوكيات والتصرفات الشاذة والخطيرة لدى بعض شبابنا، والتى امتدت إلى تعاطى وإدمان المخدرات، والزواج العرفى، واستخدام حوارات غير أخلاقية وتمتد لجرائم مجتمعية والانسياق وراء أى نشاط هدام ومنه الاتجاه للإرهاب .. . وفى حوارات مع بعض طلاب الجامعات أكد ياسر مصطفى طالب بجامعة القاهرة أن المظاهر العامة فى السلوكيات واضحة، فى انتشار تدخين السجائر بين بعض الطلاب، بل أنها أصبحت ظاهرة عادية لدى بعض الفتيات أيضا، وظهور أعراض الإدمان على البعض ، كما تنتشر حالات التحرش ، ويفضل الكثيرون الجلوس الجماعى بنين وبنات خارج المحاضرة، وتحتل الفسح والحفلات بمعرفة الوالدين أحيانا حيزا كبيرا من أوقاتهم ، وكثير منهم يتبادل الصور والأفلام ومنها المخلة باستخدام البلوتوث بالموبايلات، وأصبح من النادر أن تجد طالبا يتحدث عن المذاكرة بل إن معظم الطلاب لا يعرفون فى الدنيا سوى مواقع التواصل ، والتى أتاحت لهم إضاعة الوقت ليل نهار، فالكثير منهم ينتظر النجاح بالغش وتساهل الأساتذة ، وإهمال المذاكرة مستغلٌين أجواء الحرية والترفيه المتاحة . ويضيف تامر أحمد طالب بجامعة حلوان أن مشكلة كثير من الطلاب أنهم مصابون بالإحباط خوفا من الجلوس بلا عمل عقب التخرج، وفى نفس الوقت هناك دور للإعلام الهادم لشخصية الأجيال الجديدة عن عمد بما يبثه من عدم الثقة فى الدولة وجهودها وعرض نماذج سيئة الأخلاق فى صورة بطولية ، إضافة لمواقع التواصل الاجتماعى التى جعلت كل شئ مباحا مع غياب الوازع الدينى والوطنى لدى البعض ، نتيجة إهمال وزارة التعليم لمادتى التربية الدينية والوطنية، كما أن الدروس الخصوصية لها دور فى هدم القيم والأخلاق مع غياب المدرس القدوة. . الإعلام العشوائى ويتفق الدكتور حمدى البيطار أستاذ المناهج وطرق التدريس وتكنولوجيا التعليم ومدير وحدة ضمان الجودة بتربية أسيوط، مع نفس الاتجاه بأن انهيار الأخلاق بين الشباب فى الجامعات لغياب دور الأسرة والمعلم فى تنشئة الطالب منذ صغره على مكارم الأخلاق واستقلال الشخصية واحترام الآخرين والحرص على تنمية الجوانب المعرفٌية والروحية والفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية والبدنية، فالطلاب يكتسبون السلوكيات من أكثر من مصدر بداية من الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام العشوائية التى تسوق الناس دون خطة، وتعتمد على إثارة الروح السلبية التى تتجه للمكسب السريع دون إنتاج أو عمل، حتى ولو بالسرقة والنهب والبلطجة وتجعل من هذه الشخصية النموذج الناجح فى حياتهم، فضلا عن إشاعة استخدام الألفاظ غير الأخلاقية التى انعكست حتى على بعض الفتيات، كما أن التعليم بطريقة الحفظ والتلقين يربك الطلاب، مع غياب الدور الأكاديمى والتوجيه والإرشاد فى بعض الجامعات، وكذلك الوعى الدينى والأخلاقى مع وجود الغزو الفكرى وثورة الاتصالات والمعلومات، مما أدى لكسر حواجز القيم مع الطالب الذى لم يتعلم مفاهيم الدين والأخلاق مسبقا . ومن هنا تكون مسئولية أستاذ الجامعة ليكون القدوة والنموذج فى الأخلاق والسلوك وينصح الطلاب بالبعد عن السلوكيات الخاطئة ،وإشراك الشباب والفتيات فى الأنشطة المختلفة فى داخل الجامعة وإطلاق الندوات وورش العمل لتوعيتهم . المشاركة المجتمعية ويرى الدكتور رضا القاضى أستاذ تكنولوجيا التعليم المتفرغ بجامعة حلوان أن أفضل حل لمشكلات طلاب الجامعة يكون بالمشاركة المجتمعية للشباب تحت مسمى «خليك ايجابى» للتخلص من السلوكيات المنحرفة، لتنظيم حملات التوعية الايجابية داخل وخارج الجامعة وكان هذا متبعا فى الستينيات من القرن الماضى للقضاء على سلبيات بعض الشباب الذى يتجه للانضمام للمنظمات الإرهابية لأنهم فى هذه السن خامة جاهزة للاستخدام فى الخير أو الشر، ولعل أخطرها الدراما الفاسدة المشبعة بالسم المدسوس بالانحرافات الأخلاقية والعنف البدنى واللفظي، وقلة الحياء والمجاهرة بالفحشاء. ونحتاج تعديل اللوائح الطلابية لتفعيل الأنشطة الاجتماعية والرياضية والكشفية من جوالة ومرشدات ورحلات تعليمية لزيارات ميدانية وعلمية لخدمة المناهج والمقررات التعليمية وزرع حب البحث العلمى والتعاون، وحب العمل واحترام الكبير، فنحن نحتاج تفاعلا بين الإدارات الفنية والأكاديمية والطلاب ، والتركيز على البرامج التعليمية والتطبيقية والمهنية المناسبة لسوق العمل بعيدا عن النخبة المتصدرة لبعض شاشات القنوات الخاصة والتوك شو من أصحاب المصالح والأجندات الخاصة. النضج العقلى أما الدكتور مصطفى رجب الخبير التربوى وعميد تربية جامعة سوهاج سابقا، فيرى أن هناك بالفعل ترديا واضحًا فى أخلاق شبابنا الجامعي، بالقياس إلى الفترات السابقة فى تاريخ التعليم الجامعى فى مصر تظهر فى مواقف وطنية كثيرة لكن الواقع الحالى مؤلم جدا ، فبعض الشباب الجامعى الآن لديه خلل فى منظومة القيم، بمعنى أنه يفتقد كثيرا من الشروط الأساسية التى لابد أن يتصف بها لكى يبلغ مستوى معينا من النضج العقلى أو الخلقى الذى يؤهله لأداء واجباته ، أو التعلم الذاتى ، وتنفيذ ما يكلف به من أعمال ، أو التوافق مع المعايير الاجتماعية دون طمس لهويته الشخصية أو تقييد حريته ، فدور الجامعة ليس محصورا فى التعليم فقط بل يجب أن يتسع ليشمل تهذيب الأخلاق والإعداد للمواطنة ، وفى عصر المعلوماتية يلزم الجامعة أن تجدد أنشطتها عاما بعد عام لتستنهض الطلاب من روح الخمول واليأس والاكتئاب وفقدان الأمل، وأن تنمى لديهم القدرة على الاتزان النفسى والتفكير الأخلاقي، وصنع القرار، حتى لاتتضارب لديهم القيم والاهتمامات ، إن الظواهر السلبية السائدة الآن فى معظم الجامعات لا بد من مواجهتها تربويا ونفسيا لا بالخطب والندوات والمواعظ الجوفاء، بل ببرامج علمية وأنشطة طلابية رفيعة المستوى مخطط لها جيدا على أيدى خبراء مبدعين متمكنين. إدمان المخدرات ويطلق الدكتور خالد مصيلحى إبراهيم – أستاذ العقاقير والنباتات الطبية المساعد بكلية الصيدلة - جامعة القاهرة تحذيرات للشباب بأن يحترسوا من انتشار المخدرات التى تتلف المخ والشخصية، بعد أن كشفت الإحصاءات الأخيرة عن أن التدخين والمواد المخدرة والكحوليات تنتشر بين الشباب خاصة طلاب الجامعات، مشيرا إلى أن نتائج دراسات معهد البحوث الاجتماعية والجنائية، كشفت عن ارتفاع معدلات التعاطى فى السنوات الأخيرة، فارتفعت نسبة التدخين إلى 12%، وتخطت نسبة تعاطى المخدرات 7%، بين الطلاب والطالبات من عدة جامعات، ويأتى الحشيش على رأس أنواع المخدرات بنسبة 58%، يليه البانجو ثم الترامادول .وحذر من ظهور أنواع جديدة من المخدرات بين طلاب ثانوى مثل الإستروكس بنسبة 14.9%، ثم الفودو بنسبة 12.4%. وهى مواد مدمرة للصحة والجهاز العصبى وسبب ارتكاب الجرائم، لأن المتعاطى يفقد قدراته العقلية الطبيعية . خطة الجامعة ويقول الدكتور عبد الراضى عبد المحسن - عميد كلية دار العلوم وأستاذ الفلسفة الإسلامية والأديان - إننا بالتوافق مع خطة جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت ننفذ خطة لمواجهة التطرف والانغلاق الدينى بين الشباب منها تنظيم مسابقات شبابية رياضية وثقافية لدمج الطلاب ورفع مستوى الوعي. لديهم تجاه الأخطار، منها تنفيذ اتفاقية مع مركز الدراسات الإسلامية بجامعة ألمانية، ومبادرات شخصية لتبادل الأساتذة والمحاضرين والإشراف على الطلاب لتخريج شباب واع فاهم متفتح مستعد لمواجهة الأخطار التى تتعرض لها البلاد، وتوضيح وسطية الإسلام، ومواجهة المتطرفين لأن الحياد معهم بمثابة خيانة للدين والوطن، كما نوضح للطلاب من خلال لقاءات التوعية بالجامعة مفاهيم التسامح الدينى والدعوة الى الوسطية والتعامل السلمى مع الآخرين، والتكامل مع دور الشرطة والجيش فى تحقيق الأهداف الوطنية وأهمها الأمن. وقال إننا فى وقت الأزمات والمحن التى تمر بها مصر نكرس جهدنا مع الطلاب لمواجهة المنحرفين والارهابيبن الذين يجعلون من بعض آيات القرآن والسنة وسيلة لتبرير جرائمهم ، بتفسيرات منحرفة تشوه الدين والتعامل مع الآخر، لذلك نجد هؤلاء المضللين لا يعرفون العطف أو العدل فى تعاملاتهم، بل هم متجردون من الرحمة، مثلما حدث فى قتلهم للرجال والأطفال فى المسجد وهم يؤدون صلاة الجمعة، مع أن الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح ورمز لكل الديانات السماوية والرسول الكريم كان مثلا أعلى فى حسن المعاملة حتى مع غير المسلمين.