على مدى عقود تميزت العلاقات الفرنسية المصرية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية بسبب الأواصر التاريخية بين البلدين وسياسة فرنسا العربية التى ارساها الجنرال ديجول، ومما لاشك فيه انها وصلت إلى ذروتها فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات والرئيس جيسكار ديستان وشهدت بعدا ثقافيا مهما منذ افتتاح معرض رمسيس الثانى بالجراندباليه واستقبال مومياء الملك الأسبق رمسيس الثانى رسميا بمطار البورجيه وعلاجه بمركز ساكليه بمبادرة من البروفيسور موريس بوكاى فتفجرت ظاهرة الاجيبتومانيا فى فرنسا منذ منتصف السبعينيات. وظل رؤساء فرنسا ميتران وشيراك متمسكين بالشراكة الفرنسية المصرية وصبغتها الثقافية والمتوسطية العميقة لتستمر فى نمطها الحيوى والديناميكى فى عهد ساركوزى مع اطلاق مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وافتتاح معرض كنوز الإسكندرية الغارقة بالقصر الكبير ولتدشن تلك العلاقات بدءا من 2015باتفاقيات سلاح مع مصر تصل إلى حوالى ستة مليارات يورو وتشمل طائرات هليكوبتر من طراز ميسترال و»فرقاطة بحرية« Fregate وصواريخ وأربعة وعشرين طائرة رافال.. وشهدنا أيضا الاهتمام والشغف الثقافى للرئيس السابق هولاند ببتاريخ مصر المعاصر وهو يتفقد بإمعان يخت المحروسة خلال احتفالات قناة السويس.. ولاشك أن التعاون العسكرى حظى باهتمام متبادل خلال الزيارة الأخيرة للرئيس السيسى لفرنسا فى ضوء علاقته بوزير الدفاع الفرنسى السابق جان ايف ليدريان فى عهد هولاند والذى أصبح وزيرا للخارجية فى عهد ماكرون مما أعطى زخما سياسيا واستراتيجيا ساهم فى دفع العلاقات الفرنسية المصرية إلى الإمام. فهو الذى قام بالتفاوض على تلك الاتفاقيات وقام بزيارة مصر ثمانى مرات ولذلك كان حريصا على لقاء الرئيس السيسى مرتين خلال زيارته الرسمية بباريس مرة على مائدة الغذاء بقصر الاليزيه ومرة أخرى على عشاء بالكيه دورسيه مقر وزارة الخارجية الفرنسية، ولقد حققت المفاوضات بين القاهرة وباريس نتائج هامة وعلى رأسها تعزيز التعاون الدولى بين البلدين وأهمية التوصل إلى حلول سياسية لكل أزمات المنطقة بهدف مناهضة الإرهاب ومعالجة الهجرة غير الشرعية كما كشف الرئيس السيسى زيف ادعاءات المنظمات الحقوقية. وأكد ماكرون وقوف فرنسا بجانب مصر فى مواجهة الإرهاب كما وقعت مصر 16 اتفاقية للتعاون فى جميع المجالات بهدف دفع الاقتصاد المصرى إلى الأمام وتوسيع رقعة الاستثمارات الفرنسية فى مصر. كما اشادت فرنسا بالإصلاح الاقتصادى المصرى وأعلنت على المستوى السياسى ان مصر من أهم الشركاء الاستراتيجيين. ولقد ابرزت فرنسا تفاهمها مع مصر فى ضوء الحملات المغرضة التى تشن ضدها لتعطيل مسيرتها.. والتى أجاب عليها ماكرون بكلمات معبرة وهامة «ان الرئيس السيسى يواجه تحديا متعلقا باستقرار مصر ومناهضة جميع الحركات الإرهابية السلفية الدينية العنيفة، هذا هو الإطار الذى يجب أن يحكم فيه ولا نستطيع ان نتجاهله.. ونقلت وسائل الإعلام الغربية كل هذه التصريحات وانما للأسف المغالطات مستمرة وتتصدى لها وزارة الخارجية بصرامة وترفض نهج التدخل غير المقبول فى الشأن المصرى والقراءة غير الموضوعية للأوضاع الداخلية. لقد قام السيسى وماكرون خلال هذه الزيارة بتجديد وانعاش أسس العلاقة بين مصر وفرنسا وما يجب أن تكون عليه مستقبليا. أن هذه الرؤى تساهم فى التمهيد لإنجاح الجولة العربية التى سوف يقوم بها ماكرون للمنطقة فى الربيع المقبل والتى سوف تشهد خلالها منعطفا مهما وأكثر صحية فى إطار بعد اقليمى متقلب وأوضاع دولية أكثر تعقيدا.. وتبقى القوى الناعمة لمصر وفرنسا عبر تاريخهما الأصيل والمتأصل حصان طروادة لمحاربة الإرهاب! لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار