يذكر القرآن الكريم أن ذا القرنين كان ملكا مؤمنا صالحا, فمكن الله تعالي له في الأرض, وقوي ملكه, ويسر له فتوحاته, ومعلوم أن الأرض ملكها أربعة اثنان مؤمنان وهما سليمان عليه السلام وذو القرنين واثنان كافران النمرود وبختنصر. يقول الدكتور مصطفي مراد أستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر أن مشركي قريش ذهبوا إلي المدينة يسألون اليهود عن نبوة الرسول صلي الله عليه وسلم فقال اليهود سلوه عن ثلاثة فإن أجابكم عنها فهو نبي وإن لم يجبكم فهو ملك من الملوك فقالوا سلوه عن رجل طواف في الأرض, وعن فتية ما يدري ما صنعوا, وعن الروح, فنزلت سورة الكهف فأوضحت من هم أهل الكهف وما خبرهم ثم انتقلت لتتحدث عن ذي القرنين الملك الطواف في الأرض الذي ملك الفرس والروم يقول الله تعالي: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا, إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا, فأتبع سببا.( الكهف:83 85), وإنما سمي ذي القرنين بهذا الاسم لأنه بلغ المشارق والمغارب حيث يطلع قرن الشمس ويغرب وقد ذكرت الآيات أن الله سبحانه وتعالي أعطاه ملكا عظيما ممكنا فيه من جميع ما يؤتي الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصر, ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ودانت له البلاد وخضعت له ملوك العباد, وخدمته الأمم من العرب والعجم وأتاه الله من كل شئ علما بمنازل الأرض وأعلامها ولغاتها, ويسر له الطرق والوسائل التي يفتح بها الأقاليم والبلاد ويكسر الأعداء ويكبت ملوك الأرض, والآيات التي معنا ذكرت له ثلاثة أمور من مواقفه الفذة العجيبة أولها كما قال الله تعالي: حتي إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا(86), فهذه الآية توضح أنه ذهب إلي طرف الدنيا عند مغيب الشمس فوجدها تغرب في منظر عجيب أشبه بالطينة السوداء. أما الثاني فإنه لما بلغ مطلع الشمس بعد أن بلغ مغربها وفي هذا دلالة علي أنه طاف الأرض بأقطارها ووصل إلي أبعد مكان في العالم, وجد هؤلاء الأقوام لا يجعلون لهم سترا من الشمس ولا غطاء يمنعهم عنها, ولذلك قيل أنهم هم الزنوج, وأحاط الله علما بهذه المنطقة التي تقع في مشرق الأرض وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء إذ جعل هذا العبد يصل هذه المنطقة في هذا الزمان الذي لم يكن فيه وسائل مواصلات وآلات حديثة لكن الله طوي له الأرض طيا وجعله يحيط علما بالمشرق والمغرب. أما الثالث فإنه في أثناء استطوائه في الأرض والغاب أنه كان في ناحية المشرق, وجد قوما يسمون يأجوج ومأجوج وهم من أكثر الناس عددا, وقد أشار سبحانه وتعالي إلي أنهم لا يكادون يفقهون قولا وأنهم يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل, فلما رأي الناس شرهم استغاثوا بذي القرنين أن ينجيهم من هذا البلاء فأشار عليهم أن يعينوه بقوة فيقومون ببناء سد كبير فجاء الناس إليه ووضعوا النحاس المذاب علي قطع الحديد حتي بنوا سدا كبيرا حول هذه البلاد الكبيرة لا العظيمة والتي يسكن فيها من الخلق ما لا يعلمه إلا الله, ولنعلم مدي قوتهم أنه عندما يأتون قبل يوم القيامة يهلكون من يجدونه أمامهم من الخلق ويشربون ماء البحار والأنهار حتي ينزل الله عليهم دودا من السماء فيأكلهم ويقتلهم, لكنهم مع هذا عجزوا أن يخرقوا سد ذي القرنين, وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلي أنهم يحفرون فيه كل يوم ولا يقولون إن شاء الله, فإذا جاء ميعاد ظهورهم حفروا وقالوا إن شاء اللهس.