في زيارة خاطفة لباريس وجدت كتب روجيه جارودي تتصدر المكتبات الفرنسية بمناسبة رحيله والجدلية التي أثارها عبر مشواره السياسي, أثارت وفاة المفكر والفيلسوف الفرنسي ردود فعل عربية ودولية في إطار نضاله الفكري والسياسي ضد الحركة الصهيونية العالمية, ومناصرة حق الفلسطينيين في إنشاء دولة فلسطينية وإدانته سياسة الاستيطان الإسرائيلية. ولا نستطيع أن ننسي لجارودي أن أولي محطات التصادم بينه وبين الصهيونية نشأت عقب مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام1982, إلي أن أصدر كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية عام1996 الذي شكك خلاله في أسطورة الهولوكوست مكذبا بالحجة والدليل المغالطات اليهودية حول عدد الضحايا اليهود في محرقة النازي ليلاحقه الجانب الإسرائيلي قضائيا ويصدر ضده عام1998 حكما بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ من إحدي المحاكم الفرنسية. ولقد اعتنق جارودي الإسلام عام1982 وأثري المكتبة العالمية بمؤلفات عبقرية مثل وعود الإسلام والمسجد مرآة الإسلام والإسلام وأزمة الغرب وفلسطين مهد الرسالات والإرهاب الغربي. ولا شك في أن مسيرة جارودي الفلسفية والسياسية مسيرة فريدة في نوعها في ضوء اعتناقه الشيوعية في شبابه, ومحاولته بعد ذلك الجمع بين الكاثوليكية مع الشيوعية إلي أن اعتنق الإسلام, مشيرا إلي أنه وجد أن الحضارة الغربية قد بنيت علي فهم خاطئ للإنسان, وأنه عبر حياته كان يبحث عن معني معين لم يجده إلا في الإسلام!. ولا نستطيع أن ننسي تأثير جارودي علي المثقفين المصريين والعرب, مثل أحمد بهجت, ولطفي الخولي وكامل زهيري وعلي الشوباشي والأستاذ سلامة أحمد سلامة. ولا ننسي موقف علي الغتيت الذي ترافع عنه خلال المحاكمة التي فجرها كتابه عن الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية حيث وقع جارودي كبش فداء لقانون جيسو الذي كان دافعه تأديب وترويع كل من يجرؤ علي معاداة الصهيونية!. ولقد عرفت روجيه جارودي معرفة وثيقة وأجريت معه عدة حوارات وشاركت في تنظيم رحلته لمصر خلال عملي في فرنسا, حيث شرح لي أن كتابه الأساطير المؤسسة أبرز الدور الذي تلعبه إسرائيل علي المسرح الدولي, وفي السياسة الأمريكية, وكيف أنها تستطيع أن تتسبب في حرب عالمية. كما كان جارودي مؤمنا بأن مصير فلسطين لا يلعب في فلسطين, وإنما في واشنطن, كما أن الانتفاضة الفلسطينية أثبتت إصرار الشعب الفلسطيني ضد الذين يدعون أن فلسطين أرض دون شعب أو شعب, دون أرض!. جدير بالذكر أن جارودي كما قال لي حصل علي النصوص المتعلقة بالأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية من يهود ليسوا صهاينة. ولعل جاذبية الفيلسوف جارودي تكمن في أنه حتي عامه ال98 كان مخلصا لأحلام شباب العشرين, ولا شك في أن كتابه السيرة الذاتية للقرن العشرين يمثل رحلة في فكر وتطور جارودي المناضل والفيلسوف والسياسي المخضرم.