بعدما قام «إبن بطوطة» ( 1304-1378) برحلته الشهيرة التى تعد من أنفس الوثائق فى دراسة الأقطار الإفريقية والأسيوية فى القرن الرابع عشر الميلادي، خاصة وصفه لإفريقيا الوسطى والصحراء الكبرى وبلاد السودان وممالك حوض النيجر. جاء بعده بقرن ونصف رحالة مغربى آخر هو «الحسن بن الوزان الفاسي» المعروف ب «ليون الإفريقى» الذى طاف بأرجاء المغرب، وأواسط أفريقيا ومصر، ووضع كتابه الشهير «وصف إفريقيا» الذى عُنى فيه بوصف بلاد المغرب والسودان ووسط أفريقيا، ويعد بجانب رحلة «ابن بطوطة» وثيقة نفيسة تلقى الضوء على جوانب جغرافية واجتماعية عن إفريقيا القرون الوسطى. ولد هذا العالم الرحَّالة فى غرناطة عام (888 ه -1488م)، وغادرت أسرته غرناطة عام 1492 مع انهيار دولة الأندلس، واستقرت بمدينة فاس المغربية، وتلقى تعليما رفيعا، وعاش فى رغد، ثم بدأ رحلاته إلى أنحاء المغرب وأواسط أفريقيا برحلة مع عمه إلى تُمبكتو سنة(910 ه -1504م)، فى السابعة عشرة من عمره، وكانت من أهم وأعظم رحلاته كما حكى فى كتابه «وصف إفريقيا» أنها كانت طويلة ومشعبة فى صحبة القوافل». وقُدر له خلالها أن يشهد سائر ممالك إفريقيا الوسطي، وحوض نهر النيجر، ويدرس جغرافيتها وأحوالها دراسة حسنة، وكانت تمبكتو وقتها فى أزهى عصورها. وأتيح له اختراق سائر ممالك السودان الواقعة فى تلك المنطقة وعددها خمسة عشر مملكة، هى ولاتة، وغينيا، ومالي، وتمبكتو، وجوجو، وجوبر، وأجادز، وكانو، وزنجزج، وكافينا، وزمفرا، ونجرا، وبرنو، وجاوجو، ونوبي. ورغم أنه قام بهذه الرحلة الكبرى فى السابعة عشرة من عمره إلا أنه وصف الممالك بدقة واضحة. وبعد ذلك أنفق أعواماً فى التجوال بسائر أنحاء المغرب، يدرس معالمه وتاريخه وأحداثه، وتماثل رحلات المغربية فى أهميتها رحلاته إلى ممالك السودان ووسط إفريقيا. وزار مصر عقب الغزو العثمانى عام 1517، ومنها إلى مكة وفارس، ثم القسطنطينية عام 1519 ومنها إلى الإسكندرية، وخلال سفره من الاسكندرية إلى المغرب وقع «الحدث الحاسم فى حياته» حيث اختطف سفينته قراصنة من البندقية بالقرب من تونس وأخذوه أسيراً وعلموا أنه عالم غير عادي، فأهدوه إلى بابا الفاتيكان فى روما «ليون العاشر»، الذى أدرك قيمته فلم يرض له أن يعمل كعبد فى بلاطه، فأعتقه وشمله بعطفه ورعايته، وقام بتنصيره وأطلق عليه اسم «يوحنا الأسد»، وكان اعتناق الحسن للنصرانية لحين حتى يتمكن من الفكاك من البلاط البابوي، حيث عاد إلى الإسلام لاحقا، وعاش عيشة العلماء الزهاد المنعزلين فى روما، وأسفر نشاطه العلمى هناك عن مؤلفه الضخم الذى خلد اسمه «وصف أفريقيا» الذى أنهاه فى 10 مارس 1526، ونُشر بعد ذلك مراراً مترجَما من الايطالية (عام 1550) إلى لغات أوروبية عديدة آخرها الألمانية عام 1805. وهو كتاب ضخم يقع فى 3 مجلدات كبيرة، تنقسم إلى تسعة كتب، ويصف باستفاضة البلاد الواقعة فى شمال إفريقيا ووسطها ومعالمها وجبالها وأنهارها وسهولها وتاريخها وعوائد أهلها، ويخص مصر بفصل كبير يتحدث فيه عن الوادى والدلتا والنيل ويفيض فى وصف القاهرة ويبدى «ليون الأفريقي» فى ذلك كله دقة فى تحرى الحقائق، وقوة فى الملاحظة تجعل من مصنفه وثيقة نفيسة، ومرجعا مهما عن إفريقيا وأحوالها فى القرن 16. وعاد ليون أو الجسن بن الوزان إلى فاس حسب المصادر الإيطالية، وتوفى فيها مسلماً عام 957 ه، أو (1552م) وفق المؤرخ كراتشكوفسكي. ويؤكد المؤرخون عودته كما أكد هو بنفسه فى ختام الفصل الثامن عن مصر قائلا: «إننى أعتزم بإذن الله حينما أعود من روما إلى وطنى أن أخص رحلاتى فى البلاد غير الأفريقية بالوصف» . ولكنه عاد ولم يعش طويلا ولم يفسح له القدر مجالاً لتحقيق أمنيته، واقتصر مجهوده على مؤلفه العظيم «وصف إفريقيا». الذى تُرجم إلى العربية ونُشر بمناسبة انعقاد المؤتمر الجغرافى الاسلامى الأول بالرياض عام 1399 ه ونشرت منه الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة فى مكتبة الأسرة عام 2005.