«أكثر شعب بلا أصدقاء فى العالم» .. هكذا وصفت الأممالمتحدة مسلمى الروهينجا الذين يعيشون فى ميانماركأقلية بلا دولة أرهقها الفقر والاضطهاد الدينى والعرقى على مدار عقود فهم بلا جنسية وترفض الدول المجاورة إيوائهم. وعلى مدار عقود أيضا بدت الزعيمة البورمية أونج سان سوتشى فى صورة المناضلة ضد طغيان نظام الحكم العسكرى فى ميانمار وجعلت من كفاحها أسطورة فى الكفاح ومحاربة الظلم، لكن نفس السيدة التى حاربت الظلم وحصلت على جائزة نوبل للسلام تساهم فى تفاقم أسوأ أزمة إنسانية فى تاريخ البشرية، بل وتغض الطرف عن الأحداث المأسوية التى تمارس ضد المسلمين بعذر أقبح من ذنب لأنها رئيسة «جديدة» للبلاد. فالسيدة التى كافحت ضد ظلم الطغاه العسكريين على مدار عقود توفر الآن الغطاء السياسى للأعمال الوحشية التى يمارسها جيشها ضد الأقلية المسلمة فى ميانمار، بل وتشارك فيه، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. شهد الأسبوع الماضى أبشع صور الأعمال الوحشية التى ترتكب فى حق الإنسانية بعد أن أطلق الجنود فى جيش ميانمار النار على مسلمى الروهينجا مستخدمين مدافع الهاون والرشاشات الثقيلة فى استهداف المسلمين الفارين من المعارك فى ولاية راخين ذات الأغلبية البوذية. وعلى مدار الأيام الماضية تواصلت المعارك بين القوات الحكومية فى ميانمار ومسلمى الروهينجا فى إقليم راخين شمال البلاد، وأسفرت عن مقتل العشرات، بينما أعلن مجلس الروهينجا الأوروبى أن أعمال العنف أسفرت عن مقتل ما بين ألفين و3 آلاف من مسلمى الروهينجا بنيران الجيش وقوات الأمن. وفيما تتواصل أعمال العنف من قبل السلطات فى ميانمار ضد أقلية الروهينجا المسلمة يستمر هؤلاء فى محاولة الفرار من ولاية راخين نحو الحدود مع بنجلاديش، لكن حرس الحدود البنغالى يجبرونهم دائما على التراجع. ففى الأسبوع الماضى فر نحو 5 آلاف من الرجال والنساء والأطفال الروهينجا من المعارك فى إقليم راخين يريدون العبور إلى بنجلاديش المجاورة، إلا أن القوات البنجلاديشية لم تسمح لهم بالعبور. وعززت بنجلاديش من الإجراءات الأمنية، بعدما احتشد الآلاف من مسلمى الروهينجا على الحدود عقب مقتل نحو 100 شخص فى هجمات وعمليات مضادة بين مسلحين وقوات الأمن، منذ الجمعة الماضى. ويقول الجيش فى ميانمار إنه يستهدف فقط المتشددين المسلحين، ولكنه يواجه اتهامات على نطاق واسع باغتصاب النساء وقتل المدنيين من أقلية الروهينجا. ويوصف مسلمو الروهينجا بأنهم أكثر شعب مضطهد فى العالم، ويعيش نحو مليون من المسلمين منذ عقود غرب ميانمار، وهم مسلمون سنة، ويتواجد بعضهم فى مخيمات للاجئين شمال غرب البلاد، ويتعرضون لأنواع مختلفة من الاضطهاد، والتمييز مثل العمل القسرى والابتزاز والتضييق على حرية التنقل وقواعد زواج قسرية وانتزاع أراضيهم وهدم بيوتهم، ويتم التضييق عليهم فى الدراسة والخدمات العامة. والروهينجا هم إحدى الأقليات العرقية الكثيرة فى ميانمار، وهم يقولون إنهم ينتمون إلى نسل التجار العرب والجماعات الأخرى التى وفدت إلى المنطقة قبل أجيال. لكن الحكومة فى ميانمار تحرمهم من الحصول على الجنسية، وترى أنهم مهاجرون غير قانونيين من بنجلاديش، وهذا هو رأى كثير من السكان فى بورما. ومنذ 2011 مع حل المجلس العسكرى الذى حكم بورما لنحو نصف قرن، تزايد التوتر بين الطوائف الدينية فى البلاد، وما أن ظهرت حركة «رهبان بوذيون قوميون» فى السنوات الأخيرة حتى تأججت الكراهية نحو المسلمين ،حيث اعتبروا أن الروهينجا المسلمين يشكلون تهديدا لبورما البلد البوذى بنسبة 90٪. فى 2012 اندلعت أعمال عنف كبيرة فى البلاد بين البوذيين والأقلية المسلمة أوقعت نحو 200 قتيل معظمهم من الروهينجا. وفى أكتوبر 2016 سجلت حملة عنف جديدة حين شن الجيش البورمى عملية إثر مهاجمة مسلحين مراكز حدودية فى شمال ولاية راخين ، واتهمت قوات الأمن بارتكاب الكثير من الأعمال الوحشية وفر عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم. وتجددت الصدامات فى الأيام الأخيرة موقعة مائة قتيل .. فهل ستنتهى الأزمة ويعود السلام على يد سيدة «السلام»؟ أم ستتوالى الأعمال الوحشية وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية على مسمع ومرأى من عالم أصم وأبكم عن القضية من بدايتها؟