أسوأ خطأ يمكن أن يرتكبه الحوت الكبير، هو أن يستفز كل الحيتان الصغيرة الصاعدة، بل ويعمل على ابتلاعها دفعة واحدة، فتتحالف معا وتتحد ضده ليصبح وحيدا فى وجه الطوفان. وما فعلته الولاياتالمتحدة من حشد للعقوبات ضد روسياوإيرانوكوريا الشمالية كان دافعا لتحرك هذه الدول إما منفردة أو بالتنسيق فيما بينها للرد على إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وإعلان الحرب الدبلوماسية والخفية على عصا «الكاوبوى». وفى ظل هذه المعركة ذات الوجوه المتعددة يواجه الاتفاق النووى التاريخى شبح الانهيار والخسارة الكبرى. وبلغت الأزمة بين طهرانوواشنطن ذروتها مؤخرا عندما فتحت نيكى هيلى سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة النار على البرنامج النووى الإيرانى الأسبوع الماضى لعدم السماح للمفتشين النوويين بدخول القواعد العسكرية الإيرانية، وحثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استخدام كل سلطاتها لضمان التزام طهران بصفقة 2015 منعا للأكاذيب الإيرانية وسعيها لبرامج نووية سرية. كما اتهمت هيلى إيران بتهريب أسلحة إلى ميليشيات حزب الله اللبنانية منذ أكثر من 10 أعوام لزعزعة الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة أن قوات «اليونيفيل» التابعة للأمم المتحدة الموجودة فى لبنان لاتؤدى مهامها بالشكل المطلوب، ويجب أن تكون أكثر يقظة لمنع وصول الأسلحة المهربة إلى الإرهابيين. ولم تكن تصريحات هيلى النارية سوى ترجمة لما كشفه مسئولون أمريكيون سابقون من أن أجهزة المخابرات الأمريكية تتعرض لضغط من البيت الأبيض لتقديم دلائل تثبت انتهاك إيران لالتزاماتها فى الاتفاق النووى، حيث ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن هذا السيناريو يتشابه مع أحداث ما قبل غزو العراق عام 2003 عندما كانت أسلحة الدمار الشامل «حصان طروادة» لاجتياح بلاد الرافدين. وجاء الرد الإيرانى سريعا برفض الإفصاح عن أى معلومات بشأن المنشآت العسكرية واعتبار أمر تفتيشها «حلما بعيد المنال» لن تصبو إليه أمريكا، وإمعانا فى التحدى أقر البرلمان الإيرانى الميزانية العسكرية الجديدة ب 800 مليون دولار، على أن يتم تخصيص 520 مليونا لتمويل المشروعات النووية وتسليح الحرس الثورى وفيلق القدس لاستقطاب هذه الجماعات المحسوبة على معسكر المحافظين من ناحية، وتقوية شوكة نظام الرئيس الإصلاحى حسن روحانى مع تجديد ولايته لفترة ثانية من ناحية أخرى. ومن هذا المنطلق، كشفت صحيفة «ديلى إكسبريس» البريطانية، أن إيران أصبحت تشكل خطرا أكبر من كوريا الشمالية على الولاياتالمتحدة وسط تصاعد هتاف «الموت لأمريكا» بين المواطنين الإيرانيين والمشرعين أنفسهم داخل البرلمان، فيما يرى المراقبون أن الثعلب الإيرانى أصابه الارتياب من تمرير الاتفاق النووى أمام تعنت وتربص إدارة ترامب، وبدأ يفكر فى المبادرة بتمزيق ورقة الاتفاق والعودة إلى جبهة التسلح الذاتى ودعم ترسانته العسكرية بتجارب صاروخية واتفاقيات ثنائية مع أطراف أخرى تصاعد الصراع بينها وبين الحوت الأمريكى. وفى الوقت الذى انتبهت واشنطن إلى التحالف السرى بين إيرانوكوريا الشمالية أوائل العام الحالى لحماية تجاربهما من العيون الأمريكية ورصد أجهزتها، استمر التنسيق العسكرى بين طهران وبيونج يانج لقطع الطريق على إدارة ترامب وتجريد سلاح العقوبات من تأثيره، وأظهرت تقارير أن اللاعب الإيرانى استغل الخبرة الكورية الشمالية منذ بداية تصنيع صواريخها الأولى ، فخرجت الصواريخ الإيرانية ، صورة طبق الأصل من النسخة الآسيوية ، وصولا إلى اختبار صاروخ كروز قرب مضيق هرمز، واستخدام طهران غواصة «ميدجيت» المنقولة بالتفصيل عن تصميم وضعه خبراء كوريون شماليون. وهنا انزعجت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» من التقارب الإيرانى الكورى الشمالى خصوصا مع تبادل الأدوار لنشهد علماء إيرانيين يعكفون على تصميم وصنع صواريخ تنقلها عنها كوريا الشمالية وفقا لما أعلنه اتحاد العلماء الأمريكيين. وخرجت تقارير صادرة عن المعارضة الإيرانية تفيد بأن خبراء الصواريخ من كوريا الشمالية يبقون فى بعض الأحيان لعدة أشهر فى مراكز قيادة الصواريخ لقوات الحرس الثورى الإيرانى، فيما تطرقت صحيفة «نيويورك ديلى نيوز» الأمريكية إلى الدور الإيرانى الخبيث وراء الكواليس فى الأزمة الحالية المشتعلة بين واشنطن وبيونج يانج، لنكتشف أن طهران أحد المستثمرين فى صاروخ «نو دونج» قبل اختباره، فى إطار تحالفها مع كوريا الشمالية، بما يعنى أن صفقة «الحيتان الصغيرة» تتضمن تحمل كوريا الشمالية جانب الأبحاث، بينما الأموال النقدية والدعم المادى تظل مهمة إيران الأولى والأخيرة. وليس من المستبعد أن يرتفع صوت هذا التحالف علنا فى الأيام المقبلة لإسكات صوت العقوبات الأمريكية، وهو ما حذرت منه الباحثة ورئيسة برنامج الحد من التسلح فى معهد دراسات الأمن القومى الأمريكى إيميلى لانداو من أن رقعة الصراع ستتسع فى حالة التضييق اقتصاديا على خصوم واشنطن لوقف تمويل برامجهم النووية، وقد تدفع التطورات كوريا الشمالية إلى بيع أسلحتها وصواريخها وتقنياتها إلى إيران أو سوريا، أو لمن يدفع أكثر، وليذهب الاتفاق النووى التاريخى إلى الجحيم! وأصبح الرهان الوحيد أمام الاتفاق النووى الإيرانى هو أوروبا وإيمانها بأهمية الاتفاق لمنع إيران من حرية التسلح وضمان سلمية تجاربها، فضلا عن ضخ رؤوس الأموال الأجنبية فى الاقتصاد الإيرانى وتعزيز العلاقات التجارية مع طهران من خلال بطاقة الاتفاق، غير أن المؤشرات لا تحمل تفاؤلا لمقدرة الكتلة الأوروبية على التوازن بين الهيمنة الأمريكية وتحالفات إيران تحت الأرض، وفى النهاية يضطر الاتفاق لدفع الثمن ويسقط ضحية «صراع الحيتان» وصفقاتهم!