فقدت الثقافة المصرية والعربية منذ أيام واحدا من أبرز مفكريها وكتابها النابغين الكاتب والمفكر الكبير محفوظ عبد الرحمن صاحب الإبداعات الوطنية الراقية والهادفة التي ستظل باقية في وجدان المواطنين لعشرات السنين منها بوابة الحلواني وأم كلثوم وحليم وناصر1956, وسبقه بفترة وجيزة شاعره المفضل الذي تخصص في كتابة تترات وأغاني المسلسلات الدرامية الشاعر الكبير سيد حجاب ومنذ سنوات فقدنا عبقرية التلحين الموسيقار بليغ حمدي ملحن مقدمة بوابة الحلواني هذا اللحن الذي سيعيش لعشرات السنين ويحرص علي الاستماع إليه بصفة دائمة المستمعون قبل بدء المسلسل وفد شاءت الظروف أن يقرأ سيد حجاب ما كتبه في هذه المقدمه علي صاحب البوابة محفوظ عبد الرحمن الذي انبهر بها وبلغة سيد حجاب وعمق فكره وتناوله للعمل التاريخي والدرامي وأعجب بها مرشحا الموسيقار بليغ حمدي لتلحينها, ومن خلال معرفتي وصداقتي للشاعر سيد حجاب كان يحرص دائما عندما يتم تكليفه بكتابة تترات وأغاني أي مسلسل أن يقرأ جميع حلقاته ويتعمق فيها قبل البدء في الكتابة وهو ما كان ينفرد به دون غيره ويشهد علي ذلك كل الذين تعاملوا معه من كتاب الدراما والمخرجين الكبار أمثال إسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل والأديب الكاتب أسامة أنور عكاشة وغيرهم وما أن انتهي من كتابته ليقرأه علي بليغ حمدي ويحدد له موعدا لمقابلته بمكتبه بشارع بهجت علي بالزمالك ويعيش الإثنان معا في معاني التتر والأسلوب الرائع الذي انتهجه المؤلف ويمسك بليغ بالعود ويبدأ في تلحين الشطرات الأولي منه وهو في قمة انفعاله بالمعاني الجميلة التي تقول بندق ندق بوابة الحياة بالايدين قومي.. قومي افتحي لولادك الطيبين قومي.. اللي بني مصر كان في الأصل حلواني.. وينبهر بليغ بهذا الدخول ويستمر في تلحينه لفترة طويلة امتدت إلي ما بعد منتصف الليل ويستأذن حجاب بليغ بالانصراف ويتركه ليكمل اللحن ويعود إليه في اليوم التالي.. ويتفرغ بليغ لتلحين هذا العمل ليفاجئه بما انتهي إليه ويعود سيد حجاب بعد أن يكون قد انتهي من النص الكامل للتتر ويبدأ بليغ في كتابة النوتة الموسيقية له بخط يده وكان من عادته التي يعرفها جميع الذين تعاملوا معه أنه يجيد كتابة النوتة الموسيقية لألحانه بنفسه قبل أن يسلمها للفرقة الموسيقية وهذا ما كان يفعله في كل أغانيه خاصة مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وشادية ووردة وميادة الحناوي وفايزة أحمد وغيرهم. وينبهر بليغ بالنص الكامل للمقدمة ويستدعي الشاعر ليسمعه اللحن كاملا مجسدا الكلمات التي تقول وعشان كده يا مصر.. ياولاد مصر.. ياولاد حلوة الحلوات.. إلي أن يصل للمعني الأجمل توحيد وفكر وصلاة.. تراتيل وغناء وابتهالات اسمه علي بوابتها.. لا زال ولا زايل.. ساعة الهوايل.. يقوم قايل يابلداه.. يابلداه.. وييجي شايل.. هيلا هوب شايل.. حمولها ويعدل المايل.. اللي بني مصر كان في الأصل حلواني ليستدعي المطرب الفنان المبدع علي الحجار الذي استقر عليه اللملحن والشاعر وكاتب البوابة علي أنه أفضل من يغني هذا التتر وهو ما تحقق بالفعل وحقق نجاحا باهرا لتردده معه الجماهير كل مرة قبل بدء المسلسل. ويجمع كبار المخرجين والمنتجين والكتاب بأن سيد حجاب هو أفضل من يكتب مقدمات أعمالهم وهو ما حدث بالفعل في المسلسل الشهير ليالي الحلمية التي كتبها نفس الشاعر ولحنها الموسيقار الشهير ميشيل المصري وتغني بها الفنان محمد الحلو وكانت افضل ما لحنه ميشيل في السنوات الأخيرة خاصة المقطع الذي يقول ومنين بييجي الشجن.. من اختلاف الزمن.. ومنين ييجي الهوي.. من ائتلاف الهوي.. ومنين يجي السواد.. من الطمع والعناد إلي أن يقول ومنين ييجي الرضا.. من الإيمان بالقضا ويستمع الحلو تليفونيا إلي اللحن من الموسيقار ميشيل ويذهب فورا إلي بيته في6 أكتوبر ولم يغادر المكان إلا بعد أن حفظ اللحن كاملا خصوصا في المقطع الذي أداه باقتدار وانفعل به وغناه مع الملحن عدة مرات من كثرة إعجابه به من اختمار الحلم ييجي النهار.. ويعود غريب الدار لأهل السكن إلي أن يصل إلي قمة إبداعه في الآداء المتميز وينفعل أكثر بصدق المعاني الفريدة التي ابتدعها حجاب ولحنها ميشيل ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء.. وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع.. وأصفي ضحكة تتوه في بحر الدموع ويستمر سيد حجاب في كتابة كثير من الأعمال الدرامية التي يتم اختياره لكتابتها ومنها مسلسل أرابيسك الذي أبدعه لحنا عمار الشريعي وغناه حسن فؤاد ويقول في مقدمته وينفلت من بين ايدينا الزمان.. كأنه سحبة قوس في أوتار كمان.. الشر.. شرق وغرب داخل لحوشنا.. حوشوا.. لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا.. حوشوا.. شرارة تطيش.. تشقق عروشنا.. وتغشنا المرايات.. تشوش وشوشنا.. وينفلت من بين ايدينا الزمان والحقيقة أن سيد حجاب هو الشاعر الوحيد الذي انفرد بهذه المفردات الكلامية والمعاني الجميلة ولم يسبقه شاعر قبله في إبرازها مما جعله يستحق لقب شاعر العامية الأصيل الذي يصل إلي قلوب مستمعيه ومحبيه بكل سهولة ويسر.