ارتبط اسم الأديب يوسف السباعى بجريدة الأهرام حين شاءت الأقدار أن يترأس مجلس إدارتها وتحريرها حتى يوم استشهاده فى 18 فبراير 1978، ليكلل تاريخه الصحفى الذى بدأ من مجلة المدرسة برئاسة أكبر مؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط، ونقيبا للصحفيين، وبين هذا وذاك شوط طويل من الكفاح فى ميادين شتى تجعلنا نتساءل: هل كان يوسف السباعى شخصا واحدا فقط أم أن هناك أشخاصا كثيرين بنفس الاسم؟. هذا ما حيرنى. لا أستطيع أن أحدد عن أي يوسف السباعي أتكلم، وبأي يوسف السباعي أبدأ، لأن ذلك أمر يوقعني في الحيرة الشديدة. فالمحير بل المدهش أنه برغم تعدد كل هذه الوجوه، والتباعد البين بين بعضها والمجالات المختلفة لكل منها، إلا أنها جُمِعت في مؤسسة واحدة من لحم ودم وأعصاب هي يوسف السباعي، الذي لم يكن عابر سبيل على أي منها، بل كان فارسا متصدرا القمة فيها جميعا . فإذا بدأنا بيوسف السباعي الضابط فإنه ولد عام 1917والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها ضابطا، وعمل معلما بسلاح الفرسان، وتخرج على يديه الآلاف من الضباط من خيرة أبناء مصر، وواصل الترقي حتى رتبة العميد، وعين مديرا للمتحف الحربي، فهو إذن فارس الفرسان . أما يوسف السباعي الصحفي فقد تفتقت موهبته مبكرا وشق طريقه فيها وهو لم يشبّ عن الطوق بعدُ، إذ بدأ حياته رئيسا لتحرير مجلة مدرسة شبرا الثانوية، ولم يكن دوره فيها الكتابة فحسب بل كان يكتبها ويرسمها أيضا كفنان متعدد المواهب، ونشر من خلالها أول قصة ألفها في حياته . ولم يثنه التحاقه بالجيش عن ممارسة العمل بالصحافة، فقد ظل ينشر أسبوعيا في أكثر من مجلة، ولم يكتف بالصحافة كهواية بل صقلها بالدراسة فالتحق بمعهد الصحافة بجامعة فؤاد الأول وحصل على دبلوم الصحافة ،ولمع اسمه في أكثر من مجلة منها «الرسالة الجديدة» و»مجلتي» و»مسامرات الجيب»، وبعد ثورة 1952 تولى رئاسة تحرير أكثر من مجلة وجريدة منها «روز اليوسف» و»المصور» و»الهلال» و»آخر ساعة» إلى أن تربع على قمة الصحافة، عندما اختاره الرئيس الراحل محمد أنور السادات رئيسا لمجلس الإدارة ورئيسا لتحرير الأهرام من 1976 حتى 1978، فضلا عن انتخابه نقيبا للصحفيين عام1977. هل توقف الحلم عند هذا الحد؟ أبدا لم يتوقف فقد تولى رئاسة المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون إبان حرب أكتوبر، ثم عين وزيرا للثقافة والإعلام، حتى آخر يوم في حياته، عندما دفع حياته ثمنا لرأيه وموقفه، ولاستمراره في هذا المنصب بعد زيارة السادات للقدس، ما دفع بعض الإرهابيين إلى اغتياله وهو يترأس وفد مصر في مؤتمر الشعوب الأفروآسيوية المنعقد في قبرص يوم 18 فبراير1978، ليصبح رئيس التحرير الشهيد الذي مات فارسا في الميدان كما كان يحرص طوال عمره . أما يوسف السباعي الأديب، فأعتبره هو الوحيد الخالد الباقي من بين كل هذه الجوانب المضيئة في شخصيته المتعددة الجوانب . فالأدب هو قمة التاج الذي يكلل هامة هذا الرجل، وكما كان فارسا متصدرا في المجالات الأخرى، فقد كان في مجال الأدب الفارس الذي لا يشق له غبار، فإذا سأل سائل عن فلسفة قيام ثورة يوليو 1952 وعن جدواها بالنسبة للشعب المصري، فلنشر عليه بقراءة رواية «رد قلبي» أو مشاهدة الفيلم السينمائي الخالد المأخوذ عنها، ليعرف كيف كان حال المصريين قبل الثورة، ثم كيف أصبح بعدها . وقد بدأ مشواره الأدبي عام 1934 ولم يكن قد تعدى السابعة عشرة ربيعا، حين ألف قصة «فوق الأنواء «ونشرها في مجلة مدرسته الثانوية، ثم أعاد نشرها ضمن مجموعة «أطياف» عام 1946، وأتبعها بقصة «تبت يدا أبي لهب» عام 1935 وكان يكتب قصة كل أسبوع في مجلة «مسامرات الجيب» . وأما أولى رواياته فكانت الرواية المثيرة للجدل «نائب عزرائيل» عام 1947، ثم روايته الساخرة الشهيرة «أرض النفاق» التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير، ثم توالت رواياته الشهيرة بالكلاسيكيات الرومانسية. وليوسف السباعي مسرحيات منها «أقوى من الزمن «وتبلغ مؤلفاته 55 عملا ما بين مجموعات قصص وروايات ومسرحيات، وتحول عدد كبير منها إلى أفلام سينمائية وقد ترك يوسف السباعي بصمته في الأدب والسينما، حتى اعتبره بعض النقاد ممثلا لمرحلة الرومانسية في الأدب العربي، في حين عده نجيب محفوظ أديبا واقعيا، ولقبه بجبرتي العصر، لأنه سجل بكتاباته الأدبية أحداث الثورة المصرية منذ قيامها حتى بشائر النصر في أكتوبر 1973.