بين الحين والآخر يثور الجدل حول الجزر المتناثرة في مجرى نهر النيل، لا سيما حين يشتد الصراع على ملكيتها، أو يتم إخلاؤها من التعديات، أو تمشيطها من الهاربين من القانون، أو غيرها من الأسباب، ولعل آخرها شبهة وقوعها في دائرة استغلال رجال مال واستثمار، نظرا لموقع بعضها الفريد، والقيمة السياحية التي تتمتع بها، إلا أنها تنتظر، في جميع الأحوال، إنقاذها من كل من: اعتداءات المواطنين، والإهمال الحكومي، في ظل اعتبار كثير منها «محميات طبيعية». لعلنا نذكر الخلاف على ملكية أراضي جزيرة «القرصاية» بالجيزة منذ سنوات، ورغبة الدولة في إخلائها من التعديات، ورفض الأهالي مغادرتها، وهو الأمر الذي تكرر منذ نحو أسبوعين في جزيرة «الوراق»، علما بأن الجزيرتين تتمتعان بمحيط بيئي خلاب، وتقعان بالقرب من الأماكن السياحية. والسؤال الآن: ما موقف جزر النيل مستقبلا عند الخلاف على ملكيتها أو تبعيتها؟ وكيف نقضي على الخلاف حول ذلك؟، وكيف نحقق أكبر عائد بيئي واجتماعي واقتصادي للاستفادة منها؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الوقوف على حقائق عدة.. أولاها أن جزر النيل، في نظر القانون، «محميات طبيعية»، بمقتضى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1989. تناقض.. والتباس وفي تقرير علمي أصدرته وزارة البيئة، وأشرف على إعداده الدكتور محمد إبراهيم، المستشار السابق لقطاع حماية الطبيعة، تبين أن عدد هذه الجزر يبلغ 144 جزيرة على طول المجرى الرئيس للنيل، من بينها 95 جزيرة من أسوان حتى قناطر الدلتا بمساحة 32 ألفا و500 فدان. كما يوجد في فرع رشيد 30 جزيرة مساحتها 3400 فدان، وفي فرع دمياط 19 جزيرة بمساحة 1250 فدانا، فيما تبلغ مساحات كل الجزر مجتمعة 37 ألفا و150 فدانا بما يعادل 160 كيلو مترا مربعا. لكن الغريب أن هناك تضاربا في الأرقام حول أعداد هذه الجزر بين الجهات المختلفة التي تشرف عليها. الحقيقة الثانية هي أن هناك وضعا ملتبسا حول ملكية الأراضي في هذه الجزر، فهي أراض أغلبها من أملاك الدولة، وبعضها من أملاك الأهالي، ومسجل باسم مواطنين، تحت عنوان (المكلفات)، وهي أرض تم تخصيصها للأهالي تعويضا لهم عن أراضيهم التي تآكلت بفعل حركة جريان النهر. وهناك جزء آخر تم بيعه للأهالي في حالات «وضع اليد» المستقرة، كما قامت هيئة الإصلاح الزراعي بتأجير بعض ممتلكاتها للمواطنين في بعض هذه الجزر، وتوجد بها زراعات تقليدية ومبان سكنية ومنشآت اقتصادية وسياحية، وإشغالات مختلفة. تنوع.. واستغلال أما عن الوضع البيولوجي لهذه الجزر، والأسباب التي دعت إلى فرض الحماية البيئية عليها، فيشرحها الدكتور محمد إبراهيم قائلا: تتنوع عناصر الأحياء الحيوانية والنباتية فيها بشكل ملحوظ، كما يقع عدد كبير منها في مسار الطيور المهاجرة في رحلتي الشتاء والربيع، فيما يتمتع عدد منها بتكوينات جيولوجية خلابة خصوصا الجزر الصخرية في الجنوب، حيث شقَّ النيل مجراه في ظروف بالغة الصعوبة. أما عن التنوع الحيواني والنباتي فتضم هذه الجزر عددا من الحيوانات البرية مثل: السمان والقمري والدجاج ذي المنقار الأحمر والهدهد والعصفور الدوري واليمام والبوم والغراب وغيرها. كما يوجد بها 18 نوعا من الزواحف و3 أنوع من البرمائيات، أشهرها الضفدع الأخضر المهدد بالانقراض، بالإضافة الى 21 نوعا من العناكب، و21 نوعا من الثدييات مثل الفئران والثعالب والنمس والخفافيش. أما عن الطيور فهي الأكثر وجودا على جزر النيل، وقد تم حصر 13 نوعا منها، والأكثر إثارة أنه ما زال يوجد 48 نوعا منها «مقيم» أي أنه يمكن استغلاله اقتصاديا وسياحيا. اهتمام مطلوب ويؤكد الدكتور محمد إبراهيم أنه يجب على الدولة وصانعي القرار الاهتمام بهذه الجزر إذ تُعد من أجود الأراضي المصرية وأخصبها، وكذلك الحفاظ على الطيور المهاجرة، تفعيلا لاتفاقية «رامسار» للحفاظ على الأراضي الرطبة كمحطة للطيور الهاجرة. كما أن إعلان هذه الجزر محميات طبيعية قد أتاح البيئة الملائمة لتكاثر الطيور ومشاهدتها، والاستمتاع بالوضع الطبوغرافي الفريد لتداخل الكثبان الرملية على ضفاف النيل مع خضرة الجزر، ووجود الطيور البرية، مما يجذب السياح، خصوصا في الجنوب، لمشاهدة هذا الجمال النادر. أما في الجزر الآهلة بالسكان، التي تتنوع بها الأنشطة الزراعية والصناعية، فيجب على الحكومة التدخل لحمايتها، ومجرى النهر، من التلوث بالصرف الصناعي والصحي ومتبقيات الأسمدة والكيماويات وغيرها من مظاهر التلوث التي ابتلي بها، والتي تهدد بيئة هذه الجزر فعليا.