أنقذها يا رب من أبنائها... أبدأ كلامي من النهاية التي وصلنا إليها ونقف عليها... الشعب المصري نفسه انقسم وتفتت... كل ما كانت عليه النخبة السياسية والإعلامية من خلاف وكراهية وغل وحقد وتخوين ورغبة جامحة في التهييج لأجل أن يبقي الخصام وينعدم الأمل في التهدئة والاستقرار ونتجه للصدام بدلا من الحوار... كل خلافات النخبة وكل الكراهية التي تداولتها النخبة وكل ممارسات التفرقة والتمزيق بين النخبة وصلت عدواها المميتة إلي الشعب وظهرت علي الشعب أعراضها والشعب نفسه أصبح شيعا وجماعات وأحزابا بعد أن ضرب الانقسام كل جوانبه في كل مكان... ... الأحداث الصادمة المتتالية والخلاف الحاد بالحق أو الباطل حولها واتجاهها.. هذه الأحداث لعبت الدور الأكبر في انقسام الشعب وفي حالة الخوف الهائل التي بات عليها الشعب... الناس خائفة بل مرعوبة من مجهول يحمل معه القتل والعنف والدماء.. مجهول يري الناس طيفه أينما ذهبوا.. في الشارع أمامهم وفي البيت حولهم وعلي الحائط ينظر لهم!. خوف مجهول الهوية بات قرينا لكل واحد منا ومزج الرعب في الهواء الذي يدخل ويخرج من صدورنا... عندما لا تأمن علي نفسك وعلي أسرتك من اللحظة التي تعيشها فهذا معناه أن الأمان تبدد والاطمئنان تبخر... معناه.. أن الحياة الطبيعية التي ينعم بها سائر البشر وفيها الخير والشر وفيها الحب والكراهية وفيها الخوف والطمأنينة وفيها التسامح وفيها الظلم.. فيها كل التناقضات لكن فيها الإنسان هو الغالب.. هو الذي يفرض العدل ويحد من الظلم هو الذي يضبط كل هذه المشاعر ويحدد لكل منها مجاله... هذه الحياة الطبيعية تنقلب علي نفسها إذا ما تغير الناس ونحن تغيرنا وانقسمنا وتحزبنا وانعدمت قدرتنا علي التواصل بعد أن فقدنا بوصلة طريق الحوار والتفاهم... نعم.. الإحساس بالأمان انعدم.. الأمان النفسي والأمان الشخصي والأمان الوطني... الطمأنينة تبحث عنها الآن لحظة بلحظة بعد أن كانت موجودة في كل مكان نشم رائحتها ونري صورتها ونشعر بحضنها ودفئها وحنانها.. ونلمس قوة هائلة داخلها هي التي تحمي الطمأنينة... الطمأنينة هي ذلك الشعور الذي كنت تحس بوجوده حولك وفوقك وتحتك أينما تحركت وذهبت... طمأنينة تجدها في المكان.. حقل أو بيت أو جامع أو كنيسة.. تجدها في الناس.. رجل أو امرأة أو طفلة.. تجدها في الأشجار في الطيور في الحيوانات.. في الزهور والحشائش الخضراء.. في كل ما هو علي الأرض أو في السماء.. في رب العرش الجالس فوق سبع سماوات... هذا الشعور الهائل بالطمأنينة لم يعد له وجود وكل واحد منا يفتش عنه لأجل أن يقبض عليه اللحظة بلحظتها... عندما لا تأمن علي شيء ولا لشيء.. فهذا إحساس مرعب... عندما لا تري عيناك إلا الخوف ولا تسمع أذناك إلا خوفا ولا تشم أنفك إلا رائحة الخوف فهذه إشارة إلي أننا توحدنا مع الخوف وأصبحنا جزءا من الخوف... نعم الخوف هو سيد الموقف وعدم الثقة هي الأساس والتخوين لغة التعامل... اكتسبنا كل ما هو سيئ والأسوأ هو المنتظر والمتوقع... رحنا بأرجلنا وبكامل إرادتنا إلي منطقة اللاعودة التي اختاروها لنا... نفذنا كل ما أملوه علينا.. ليس من اليوم أو الأمس القريب إنما من قبل15 سنة علي الأقل... الذي فعلناه في أنفسنا من انتقام يفوق بملايين المرات ما كان يحلم به أعداؤنا لنا... انقسام رهيب بيننا وكل طرف فيه منا مقتنع تماما برأيه ومصمم عليه ويريد فرضه بالقوة علي الآخر... الهدف الذي يجمع أي أمة وهو الوطن غاب عن العين والقلب والعقل.. غاب واختفي وانمحي ولم يعد له وجود... الذي فعلناه ونفعله بإرادتنا وبأنفسنا جسد ورسخ الخوف في أرضنا وسمائنا بل جعل كل واحد منا خوفا يتحرك علي قدمين يخشاه ويرتعب منه الآخرون... الخوف الذي أطبق علي مصر أرضا وبحرا وجوا.. لم يأت فجأة ولم يسقط علينا من السماء إنما تم استدراجنا إليه ونحن من صنعنا بداياته وحمينا نموه وانتشاره وتوحشه إلي أن ابتلعنا وتملك منا وأصبحنا جميعا أدواته... لم أتجاوز الحقيقة يوم كتبت في أول يونيو علي هذه الصفحة مقالا عنوانه أنا خائف... لم تكن سطور تشاؤم إنما صرخة تحذير منا لا من أعدائنا.. من نفوسنا المريضة الشرهة للانتقام الكارهة لنفسها المتربصة بالهواء الذي تستنشقه... قلت في يوم الجمعة أول يونيو الآتي: من شيء ما أنا خائف... الخوف سمة موجودة في البشر بدرجات مختلفة... إن زاد الخوف وتخطي حدوده أصبح الإنسان جبانا مسلوب الإرادة لا يقدر علي شيء.. وإن تناقص الخوف إلي حدود التلاشي من داخلنا أصبح الإنسان خطرا بالغا علي نفسه وعلي الآخرين.. ويبقي خير الأمور الوسط.. الخوف الطبيعي الغريزي المعتدل الذي لا يزيد ولا يتلاشي والمطلوب داخلنا في كل وقت وأي مكان.. إنه الخوف الذي لا غني عنه لأنه... خوف الحذر الذي ينبه كل حواس الإنسان للتعامل مع موقف بكل تركيز وكل الاهتمام لضمان كل النجاح.. قد يكون الموقف امتحانا في المدرسة أو الجامعة أو الحصول علي وظيفة أو ترقية أو دراسات عليا.. وقد يكون قرارا لرئيس يتوقف عليه مصير أمة أو قرارا من أب يؤثر علي مستقبل أسرة أو أي قرار من أي مسئول في أي مجال... الخوف الطبيعي مطلوب هنا لأنه خوف حذر وخوف مسئولية وخوف الخشية.. خشية ضمير الإنسان نفسه وخشية الناس الذين حوله وقبلهما وبعدهما خشية من يرانا ولا نراه الله سبحانه وتعالي... لأنني أعرف كل ذلك أقول بأعلي صوتي في هذه الأيام تحديدا أنا خائف... خائف علينا منا... والله خائف علينا نحن المصريين منا نحن المصريين... خائف من شر نفوسنا التي لا يعلو شرها سقف ولا تحده حدود وإن تحررت من صدورنا وانطلقت.. انطلق سراح الشر والحقد والدمار والدماء والكراهية... أنا خائف لأن ردود فعلنا أصبحت النقيض التام لأفعالنا وتقلب كل ما حولنا علينا... وقلت في نهاية كلامي: أنا خائف.. لأن صوت العقل ندر ومن الأصل أحد لا يسمعه.. وكم حاجتنا الآن لكل صوت يجمع ولا يفرق.. يهدي ولا يهيج.. كل صوت يذكرنا بأن مصر علي مر التاريخ لم تكن في حاجة لكل أبنائها مثلما هي الآن... مصر بقلب الأم تري الخطر الذي لا يراه الأبناء... مصر الآمنة بأمر الله.. خائف أنا عليها أن تكون خائفة هي الآن... أنا خائف.. قلتها يوم أول يونيو الماضي وبعد شهر وبضعة أيام أصبح كل واحد منا هو الخوف نفسه الذي يخشاه الآخرون.. أصبحنا الخوف ورحنا نخاف من هذا الخوف... الانقسام وصل إلي داخل الأسرة نفسها وضربها وطال المجتمع ومزقه... الانتماء صار للمعتقد لا للوطن... لم يعد هناك وطن نتفق عليه إنما معتقد نتعصب له... مصر الآمنة بأمر ربها.. لن ينقذها منا إلا ربها... ........................................................ اقرأوا معي هذه الرسالة: الأستاذ الفاضل/ إبراهيم حجازي اسمح لي بأن أستعرض شيئا من كشف الحساب الذي يقيم بعضا من المرحلة السابقة علنا نأخذ الدروس المستفادة التي تلقي الضوء علي ما كان وتنير الطريق إلي ما سيكون فإن وجدت في نافذتكم متنفسا كان وإن لم يكن فهي رسالة أبثها إلي قلم وطني شريف وإن لم يكن لا هذا ولا ذاك فاعتبرني باحكي مع حالي( مع الاعتذار لبشارة واكيم) ولنبدأ الآتي: 1 لنقف جميعا انتباها من حديد( زنهار) ونحن نسمع أولا سلام الشهيد لكل من ضحي من أجل هذا الوطن من قواتنا المسلحة ومن رجال الشرطة ومن شعب مصر العظيم اللهم لا نمن عليك بعطاء ولا نتاجر معك في الدماء فجنبنا الزلل وأنر لنا طريق الهداية. 2 الفكر الجمعي/ تحريك الكتلة الفاعلة: قرأنا أن من أسس لهذه النظرية استغرق سنين طويلة تقارب الأربعين عاما وللأسف لم أقرأ عن الخلفية العلمية لهذا الرجل وأخاله دارسا أو علي الأقل مراقبا جيدا لعالم الحيوان فالنظرية ليست ببعيدة عن نظرية القطيع في عالم الحيوان فهناك من يتقدم القطيع ويتبعه الباقون فإن تعثر واحد من القطيع أو خرج عن الجمع جذب من خلفه بنفس الطريقة, اختلاف طفيف في المسميات بين هذا وما يحدث في عالم الإنسان فهناك محركون وموجهون ومن يتقدمون الجمع ومن يعمل علي التسخين وتأجيج المشاعر لتنفيذ أهداف بعينها ونهانا ديننا الحنيف عن أن نكون إمعات( إذا أحسن الناس أحسنا وإذا أساء الناس أسأنا) دون تبيان للصالح والطالح. 3 الإجهاد والإجهاض الذهني: تفوق الإعلام في غالبيته وخاصة القنوات الفضائية منذ خمسة عشر عاما تقريبا في تسفيه الأحلام وتقزيم الرموز وأخذ يتسلل تباعا كالمرض الخبيث ثم أطل بوجهه القبيح بعد ثورة25 يناير المجيدة ليخطف منا الفرحة ويشرذم الجماعة ويبث السموم وأطلت علينا وجوه انتقاها بإتقان تصول وتجول في معارك كلامية ميدانها بين الحنجرة واللسان فحملوا الأذهان بغث البيان وأجهدوا رحم الأفكار فأصبح لا يتقبل تخرصهم ولا يحتفظ باستخفافهم وأصيب بالإجهاض المزمن وظهرت أجنة مبتسرة من السطحية والتفاهة والرؤي الهزيلة التي لا تري أبعد من الركب( جمع ركبة) وأصبح الطموح أن تري موضع الأقدام وترك أهل الفكر الذين يحترمون عقولهم الساحة فأصبحت من خفافيش الظلام مستباحة. 4 العالم ببواطن الأمور: يا من تتوسم في نفسك فضل علم أو معرفة اعلم يرحمك الله أن المعلومة والعبارة والكلمة سلاح ذو حدين فإما أن تبني وإما أن تهدم بها فكرا أو معتقدا أو مثلا وعليك أن تراعي متي ماذا لمن تقول؟ فقد يكون المناخ العام محتقنا أو غير معد للاستقبال أو قد تكون المعلومة خاصة بفئة مجتمعية بعينها فلا تجعلها مشاعا فالكلمة التي تخرج من فمك لا تعود والفتنة أكبر من القتل. وأهيب بك ألا تنقد أو تقيم إذا كنت لا تملك أدوات التقييم المناسبة لما تتناول. 5 التحرش السياسي: التحرش في مفهومه الدارج هو قهر وإجبار وسلب لحقوق الآخر باستخدام وسائل غير مشروعة يجرمها القانون والأعراف المجتمعية, وحضارة الشعوب قامت منذ فجر التاريخ علي المعرفة وهذه بدورها كانت وليدة العلم علم الإنسان ما لم يعلم ومن هنا يأتي الوعي المجتمعي فإذ أردنا صحة سياسية فعلي جميع منابر المعرفة أن تقوم بتعليم الثقافة السياسية دون تحيز أو توجه بعينه وتترك للمتلقي الانتقاء طبقا لما يراه. أما إذا لوحت لهذا المتلقي بإغراء مادي أو معنوي أو عقائدي لتبني توجه بعينه فهذا قهر ويندرج تحت ما يمكن تسميته التحرش السياسي ويستوجب ازدراء المجتمع لهذه الممارسات ومعاقبة القانون للقائمين عليها. نحن نريد ديمقراطية حقيقية محددة المعالم وغير مشوهة. 6 الفوضي التعاطفية: يطالعنا خبراء المفرقعات عندما يحدث انفجار في أحد مخازن المواد المتفجرة ثم يعقبه انفجار في مخزن آخر لنفس المواد قريب من هذا الانفجار ولا يهتدون لأسباب واضحة لحدوثه أن ما حدث هو انفجار تعاطفي, وأجدني أعقد المقارنة بين هذه الظاهرة وما نراه الآن من تخبط وفوضي هزلية فمجرد أن يسمح المجتمع بخروج عن الموروث الحضاري والثقافي..... إلخ وتبارك من يطلقون علي أنفسهم النخبة هذا الخروج أو علي الأقل تغض الطرف عنه تنتقل لتصبح ممارسة وتسري بين فئات وشراذم المجتمع علي طول البلاد وعرضها بطريقة تأثير قطع الدومينو أو ما يمكن أن نطلق عليه الفوضي التعاطفية ومن تداعيات هذه الظاهرة قيام طلبة الثانوية العامة في إحدي المدن الساحلية بقطع الطريق الرئيسي لصعوبة امتحان إحدي المواد والمحصلة هي سقوط هيبة الدولة والأخطر أن عودة هذه الهيبة تستغرق سنوات يعلم الله وحده مداها. 7 اختبار الديمقراطية الأول: بكل جدارة رسب الشعب المصري في الاختبار الأول لاختيار رئيس الجمهورية فقد تغيب( غاب مع سبق الإصرار)50% من الكتلة التصويتية من حضور هذا الاختبار دون أن يفكروا في حضور الاختبار باعتباره فرصة لتكوين الإرادة السياسية الحرة فمجرد الحضور هو خطوة في أول الطريق الطويل للديمقراطية ثم تأتي عملية الاختيار كتدريب علي اختيار الأنسب دون الركون إلي العواطف أو الأهواء فهو اختيار مجرد يكسب من يقوم به مهارة قدح الذهن واستخدام ميزان القدرات للوصول إلي تحقيق الهدف من العملية الانتخابية. لقد ساهمت عوامل كثيرة أهمها الإعلام في ضبابية الرؤية خاصة أمام المتلقي البسيط, فهل لنا من صحوة وإدراك وإصرار علي أن ندخل ملحق هذا الاختبار فيما هو قادم كي نحسن هذه النتيجة التي لا تليق بحضارة شعبنا العظيم. نريد تكوين أحزاب حقيقية تعبر عنا نتمني أن نري حكومة ظل كما نراها في الدول المتقدمة نهيب بالكفاءات الوطنية المخلصة أن تقوم بدورها الذي غابت عنه. وللحديث بقية مادام في العمر بقية 8 مرة ثانية أترك القلم وأقف انتباها وسلام سلاح للمجلس الأعلي للقوات المسلحة رئيسا وأعضاء ومن خلفهم كل رجال القوات المسلحة الذين حملوا الأمانة وتحملوا ما تنوء بحمله الجبال الرواسخ بصبر وعزيمة وإصرار وتحد علي أن يصلوا بسفينة الوطن في خضم بحر لجي يغشاه موج من فوقه سحاب إلي بر الأمان فكانوا بحق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. الأستاذ الفاضل.. لعل في الإعادة إفادة لمن أراد أن يذكر أو يتدبر فإن التاريخ لن يرحم من قامر ومازال بمستقبل مصر لحساب شخصي مستغلا عواطف البعض ومؤججا لها لخدمة الأطماع والأهواء ولا من اعتقد أن شكل البدلة والكرافت يمكن أن تصنع رجلا ولا أقول مديرا أو ما شابه ولا لمعسول الكلام أو أبوضحكة جنان, إن مصر أكبر بكثير من أحلام هذا وذاك. أدعو الله مخلصا أن نكون قد فهمنا الدرس الذي انتهي وأن نحول هذا الفهم إلي عمل دءوب لننهض بهذا الوطن العظيم الذي تحمل منا الكثير. كيميائي/ ربيع نعمان انتهت الرسالة وليس عندي ما أقوله إلا ما قلته من لحظات مصر الآمنة بأمر ربها لن ينقذها من نفوسنا المريضة إلا ربها... المزيد من مقالات ابراهيم حجازى