فرض وصول الدكتور محمد مرسي إلي سدة الحكم في مصر وتجاوزه أزمة اليمين القانونية أسئلة صعبة مدرس العبري الحديث بجامعة الإسكندرية علي أكثر من صعيد; لعل من أكثرها تعقيدا ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية فالمجلس العسكري والمرشح المنافس للرئيس نظريا علي الأقل لم يكن متوقعا منهم تحولات دراماتيكية في التعامل مع الجانب الإسرائيلي, وهو ما لا ينسحب بالضرورة علي سياسة الدكتور محمد مرسي إزاء هذا الملف وتحركات تل أبيب المكثفة لضمان مصالحها, أو علي الأقل تقليل خسائرها. الأسئلة الصعبة تتعلق بمواقف الرئيس مرسي وردود الأفعال الإسرائيلية إزاء تلك المواقف فيما يخص ملفات ساخنة لا تحتمل التأجيل أو الغموض علي رأسها: هل يتعهد الرئيس مرسي باستمرار حالة السلام بين الجانبين ؟ وهل يتعهد بضبط الحدود المصرية الإسرائيلية وتأمينها؟ وهل يتعهد بعدم التحالف مع حركة حماس؟ وفي المقابل يتعهد بتشجيع حماس علي الالتزام بالاتفاقات غير المكتوبة مع إسرائيل بشأن التهدئة؟ وأخيرا هل يتعهد مرسي باستمرار التعاون الاقتصادي بين الجانبين؟ واقع الحال يشي بأن الجانب الإسرائيلي لم ينتظر حتي يأتي مرسي لكي يبحث سبل التعامل معه فبمجرد اندلاع ثورة يناير والجانب الإسرائيلي يدرك أن الرأي العام المصري أصبح جزءا من المعادلة, وله تأثيره وقدرته علي الضغط, وهو ما تبلور إلي حد بعيد عند اقتحام السفارة الإسرائيلية في9 سبتمبر الماضي. ففي ظل احتمالية وصول ممثل للثورة لمقعد الرئاسة قام الجانب الإسرائيلي بخطوات استباقية متتالية كان أهمها تغيير المخطط الزمني الذي كان وفقا له سيتم حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر المقبل, مع تشكيل حكومة موسعة أقرب لحكومة حرب تضم الليكود والعمل وكاديما والأحزاب الدينية وإسرائيل بيتنا في تكتل متنافر لا يجمعه إلا الخطر الخارجي المتمثل في مصر الجديدة أو صراع مع طرف إقليمي آخر, والملاحظ أن تلك الحكومة ضمت بجانب المتشددين بنيامين نيتانياهو وأفيجدور ليبرمان- خبراء عسكريين وخبراء في الشئون المصرية بحكم عملهم أو نشأتهم. يبدو أن الخبرات التي تتولي مواقع نواب رئيس الوزراء أو وزارات في الحكومة تستعين أيضا ببنيامين بن اليعازر وزير الدفاع الأسبق العراقي الأصل وتوصلت في النهاية لصيغة للتعامل مع الرئيس القادم تم الكشف عنها حتي قبل الإعلان الرسمي عن الفائز بالانتخابات حيث أكدت تل أبيب وفقا لجريدة معاريف في20 يونيو الماضي أنها تلقت تطمينات عبر المحامي اسحق مولوخو, وهو مستشار نيتانياهو منذ سنوات ومبعوثه الخاص وآخر انجازاته نجاحه في إبرام صفقة إطلاق الجاسوس الإسرائيلي جرابيل. صيغة التعامل ستوفر إجابات للعديد من الأسئلة الصعبة وستهديء من مخاوف إسرائيل وتوقف سيناريوهات التصعيد الشامل والتصريحات النارية بشأن الفراغ الأمني في سيناء, وفي الوقت نفسه ستحفظ ماء وجه الرئيس المنتخب فحسب صحيفة معاريف في تقرير لم تنفه أي جهة مسئولة فإن أعضاء في المجلس العسكري نقلوا للمبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي رسائل مطمئنة مفادها أن اسم الفائز في الانتخابات لن يغير في الأمر شيئا وأن ملف إسرائيل واتفاقية السلام سيظل في محيط مسئولية الجيش وعلي هذا لن تتضرر العلاقات الأمنية أو السياسية ولا الاقتصادية أيضا في عهد الرئيس المنتخب. تفعيل هذه الصيغة تم بالفعل بعد ساعات قليلة من تولي الدكتور مرسي مهام منصبه رسميا حيث استقبلت القاهرة مبعوثا لنيتانياهو دون أن يمر أو يتواصل مع الرئيس المنتخب أو أحد مساعديه مع ملاحظة الحرص علي إرسال الرسائل البروتوكولية من الرئيس الإسرائيلي بيريز ورئيس الوزراء نيتانياهو التي ردت عليها وزارة الخارجية المصرية وليس مكتب الرئيس, في موقف له دلالته, وفي المقابل تابعنا تسريبات تفيد بأن السفير الإسرائيلي يعقوف اميتاتي أجري اتصالات مع مسئولين في جماعة الإخوان المسلمين مقربين من الرئيس مرسي. وعلي هذا فإنه حتي ولو كانت التصريحات الرسمية الإسرائيلية تتعامل مع الرئيس المنتخب بحذر ولسان حالها يقول الآن: مازال الوقت مبكرا للحكم علي مرسي, فإن المصادر العلنية الإسرائيلية تؤكد أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية غير قلقة من وقوع صدام قريب مع مصر, وأنه وفقا لتقديرها فإن الرئيس محمد مرسي يضع علي رأس أولوياته توفير الطعام لشعبه, وليس التصعيد مع إسرائيل. بنظرة أكثر تفحصا سنتبين أن التعهدات الرئاسية باستمرار اتفاقيات السلام تمت بالفعل في خطب علنية, وأن قضية ضبط الحدود بين مصر وإسرائيل في يد الجيش, مع ملاحظة أنه يمكن تحقيق نتائج أفضل علي صعيد الملف الفلسطيني والاتصالات مع حماس لو تضافرت جهود الرئيس مع المؤسسة العسكرية, ناهيك عن أن التطبيع الاقتصادي أو الثقافي المرفوض شعبيا لن يتم إلا من خلال رعاية الرئيس وبالتالي سيكون مجمدا علي المدي المنظور. القاعدة التي يمكن البناء عليها في هذا السياق أن التفاوض مع ممثل الصقوركثيرا ما يكون أسهل, وأكثر استقرارا وإقناعا للرأي العام الداخلي, حيث يدرك الرأي العام أنه لن يكن متاحا الحصول علي شروط أفضل, وعلي هذا لا يمكن المزايدة علي مواقف من يتولي التفاوض. وفي جميع الاحوال نتوقع أن يقدم الدكتور مرسي مزيدا من التطمينات الشكلية للجانب الإسرائيلي وهذا من الناحية السياسية مقبول خاصة لو أحسنا الاستفادة منه بربطه بتلبية مطالب محددة لمصر وللقضية الفلسطينية. في المقابل نميل إلي أنه لن يكون من أولويات إسرائيل ولا الرئيس المنتخب الدخول في صدام عسكري أو التورط في مغامرات, لكن من غير المستبعد أن تتصاعد الأمور دون قصد, وهو ما يجعل إسرائيل تكثف من عملها في الجدار الأمني الحدودي وتعزيز أجهزة المراقبة بالتوازي مع زيادة عدد القوات وقدرتها علي استيعاب قوات الاحتياطي في وقت قصير, وهو ما يستلزم منا بدورنا كل الحيطة والحذر, وسرعة تفعيل مجلس خبراء( تحت مظلة المجالس القومية المتخصصة أو أي جهة مستقلة) لوضع سيناريوهات مستقبلية وتصورات للرد عليها حتي لا تداهمنا الأحداث في هذه المرحلة الدقيقة.