الجندى المصرى البطل تجاوز الهزيمة وحقق النصر تحتفل مصر هذا العام بالذكرى 45 لانتصارات العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر 1973- وسط أجواء خاصة، حيث تصادف أن يكون ذكرى النصر هو نفسه يوم ذكرى نكسة الخامس من يونيو 1967.. 45 عاما هجرية مرت على انتصار العاشر من رمضان ولايزال السؤال محيرا.. كيف تحولت الهزيمة إلى انتصار فى 6 سنوات فقط رغم أن كل حسابات المنطق آنذاك كانت تؤكد أن مصر تحتاج إلى عشرات السنوات كى تستجمع قواها مرة أخرى وتتخطى الآثار النفسية والمعنوية للهزيمة. فى الحقيقة فإن الروح المعنوية للجندى المصرى كانت بمثابة أكبر مفاجأة فى حرب العاشر من رمضان، ولم يصدق أحد أن هذا الجندى الذى عبر القناة واقتحم حصون خط بارليف المنيع فى شجاعة نادرة، هو نفسه الذى شاهده العالم وهو ينسحب من أرض الفيروز قبل سنوات قليلة، فى ظروف إنسانية قاسية، كل الحسابات العسكرية كانت تقدر أن الجندى الذى هزم فى سيناء لا يمكن أن يخوض أى حرب هجومية قادمة أبداً، وأن ذلك يحتاج إلى أجيال، وعلى هذا التقدير بنت إسرائيل خطتها العسكرية لاحتلال طويل الأمد لجزء غال من أرض مصر وزادت ثقتها فى نفسها وفى قواتها وجيشها. وفى الحقيقة فإنه لا يمكن أن نتعرف على حجم المعجزة التى حدثت للجندى المصرى إلا برسم صورة واضحة لهزيمة 67 لنعرف حجم الدمار النفسى الذى حدث للجيش المصرى، فقد كانت حرب 67 مريرة فى أحداثها ونتائجها، حتى إن العالم أجمع وعلى رأسه إسرائيل اعتقد أنه لن يكن هناك أى أمل فى إعادة بناء الجيش المصرى مادياً دون إعادة بناء الروح المعنوية التى انهارت نتيجة الهزيمة القاسية، والأخطر من ذلك تلك الصدمات النفسية التى أصيب بها الشعب المصرى كله. لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصرى على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة، هذا الحلم الذى كان يؤرق كل مصرى من العسكريين والمدنيين. تلك الحرب التى تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازا هائلا غير مسبوق، إلا أن الشعب المصرى بمختلف طوائفه وفئاته كان أيضا بطلا فى الحرب ولولا قوة تحمله وصبره لما كان للنصر أن يتحقق، حتى إن تلك الحرب المجيدة يطلق عليها »حرب الشعب« المصرى كله, حيث لا توجد أسرة مصرية لم تقدم شهيدا أو مصابا أو مقاتلا فى تلك الحرب. ويعتبر الشعب المصرى البطل الحقيقى فى تلك الحرب لأنه استطاع فى زمن قياسى تجاوز محنة النكسة وما حدث فى 1967، فرغم الحزن الشديد إلا أنه ما لبث أن ساند النظام وأرجع النكسة إلى ما كان من تآمر القوى الاستعمارية، ومن هنا رفض الشعب تنحى جمال عبدالناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر. واتخذت العديد من الإجراءات والقرارات لم تجد معارضة أو تذمرا منه فى ظل الإحساس الشعبى بضرورة ترشيد الاستهلاك فتحمل الشعب المصرى نفقات زيادة الإنفاق العسكرى من 5.5% من الناتج المحلى عام 62 إلى 21.5% عام 1973، وتحمل الشعب أيضا تمويل احتياجات القوات المسلحة. ومما لا شك فيه، فإن العبور حدث تنبهر له العقول، فضلا عن عبقرية التخطيط، فإن قدرة مصر على خداع الجميع كانت أهم عوامل تمكين القوات المصرية من أداء مهامها بامتلاك كامل لزمام الأمور وحرمان إسرائيل من أى ضربة مضادة، والحقيقة أن ملف الخداع يعتبر واحدا من أهم وأخطر ملفات التحضير لحرب أكتوبر، حيث أكدت مصر من خلال هذا الملف أنها استوعبت كل دروس المواجهات السابقة مع إسرائيل، ولعل ذلك هو سر نجاح مخطط الخداع فى تحقيق هدف تضليل إسرائيل بعيدا عن النوايا الحقيقية لمصر وأذاقتها من نفس الكأس. الاستنزاف.. طريق النصر لم يكن الطريق من الهزيمة إلى النصر مفروشا بالورد كما يظن البعض ولكن عقب نكسة 1967، قام الجيش المصرى بإعادة بناء قواته العسكرية، لرد اعتبار مصر، وبدأ فى شن عمليات عسكرية من فترة لأخرى عرفت ب«حرب الاستنزاف»، مما كان حافزا لمعنويات الضباط والجنود، التى كسرت على أبواب سيناء، وكانت حرب الاستنزاف بكل عملياتها ومعاركها مفتاح النصر، حيث خاضت قواتنا المسلحة معارك كبرى كشفت فيها نقاط الضعف والقوة للعدو، وجربت أساليب الحرب والتخطيط على أرض الواقع، ليتوج ذلك بالنصر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973. وقد وضعت القيادة السياسية حزمة من الأهداف لتجاوز النكسة تتمثل فى إعادة بناء القوات المسلحة، وإعادة الثقة للجنود فى أنفسهم وفى قادتهم، وإعادة الضبط والربط، وإعادة تدريب القوات، وتنظيم الوحدات، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ. وبعد هزيمة 1967، حاول الإسرائيليون الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة فى اتجاه بور فؤاد ولكن قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام فى طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم فى 1 يوليو 67 وهى المعركة التى أطلق عليها معركة رأس العش . وعن تلك المعركة، قال اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات خلال حرب أكتوبر 1973 فى مذكراته : فى اليوم الأول الذى تولى فيه اللواء أحمد إسماعيل قيادة الجبهة فى أول يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق شرق القناة فى اتجاه بور فؤاد شرق بورسعيد لاحتلالها، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو، تصدت لها قواتنا، ودارت معركة «رأس العش»، وأضاف قائلا :«كان يدافع فى منطقة رأس العش جنوب بور فؤاد قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلا«. «تقدمت القوة الإسرائيلية، تشمل سرية دبابات مكونة من عشر دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكة فى عربات نصف جنزير، وقامت بالهجوم على قوة الصاعقة التى تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية، عاود العدو الهجوم مرة أخرى، لكنه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير بالإضافة لخسائر بشرية واضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذى ظل تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973». وفى 2 يوليو 67، حاولت إسرائيل الاستيلاء على بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لها بالأسلحة الخفيفة وتم تدمير عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة بمعركة »رأس العين« . وفى 14، 15 يوليو 67، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة على طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو فى الجنوب فى اتجاه السويس والفردان، وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية بأكملها وهى تضرب فى الجنوب فتحول العدو بقواته إلى الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصرى إلى الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الإسرائيلية . وفى 21 أكتوبر67، قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، ويروى الجمسى فى مذكراته عن حرب اكتوبر تفاصيل ما حدث فى هذا اليوم، قائلا : جاء يوم 21 أكتوبر 1967 وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد . كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ . وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها«. ويضيف الجمسى فى مذكراته: وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية »إيلات« شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها، وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بنحو ميل بحرى، عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة« . وأكد الجمسى أن إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التى استخدمت لاول مرة كان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم بجدارة هو يوم البحرية المصرية.