العلاقات المصرية الإثيوبية تاريخية. تعود إلى عهود مصر القديمة، ولم تكن سياسية فقط، بل دينية وثقافية عبر العصور.فالعلاقات الدينية مثلا بدأت فى القرن الرابع الميلادى منذ ارتبطت الكنيسة الإثيوبية بالمصرية، وكانت من علامات الوفاق، تبعية الكنيسة الإثيوبية لعقيدة واحدة ورئيس واحد هو المطران المصري، وخضوع كافة رجال الدين الإثيوبيين له وظيفيا وعقائديا، والاحترام المتبادل بين الامبراطور والمطران المصري. وكانت الكنيسة المصرية تمد الإثيوبية بالمطران؛ وهو من يقوم بتنصيب الامبراطور، وعقد الزواج وتعميد الأطفال ..إلخ. ........................................ ومن هؤلاء المطارنة، الأنبا «سلامة الثاني» الذى لعب دورا كبيرا فى نقل النهضة الدينية المصرية إلى الكنيسة الاثيوبية؛ وترجم كتبا كثيرة من العربية إلى اللغة الاثيوبية لدرجة أن لقّبه الإثيوبيون باسم «ترجوامي» أى المترجم؛ لما أسداه للأدب الإثيوبى من خدمات؛ فقد أحيا أدب الكنيسة حيث راجع الكتاب المقدس على النص العربى ونقل كتب الطقوس والميامر «السير»، وحياة الشهداء والقديسين وصحف الرهبنة، وكذا ترجم كتاب «تاريخ اليهود« الذى يعتبره الاثيوبيون أحد الكتب الثلاثة الملحقة بالكتاب المقدس، إضافة لمجموعة كتب أخرى لاهوتية وأدبية ألَّفها الأقباط فى مصر. هذا على أن أهم كتاب ترجم فى عصر النهضة كان «المجموع الصفوي» لابن العسال، وهو يبحث فى جزئه الثانى فيما يجب أن تقوم عليه العلاقات بين الأفراد المسيحيين فى كل شئونهم الدينية والمدنية، وأعجب به الإثيوبيون ما جعلهم يتخذونه فى القرون التالية أساسا لحياتهم العامة والخاصة، ويعد إلى الآن أقدم مجموعة قانونية مستعملة لديهم. وعندما بدأ الإمبراطور «منليك الثاني» إنشاء المدارس فى إثيوبيا على النظام الحديث، ومنها مدرسة «منليك الثاني» فى 1907 طلب مساعدة مصر بإرسال مدرسين للعمل فيها، فأرسلت إليه ستة أساتذة برئاسة الأستاذ «حنا صليب» الذى أصبح بمثابة مستشار الإمبراطور فى الشئون التعليمية، وقسموا المدرسة إلى قسمين إنجليزي، وفرنسي، وظل التدريس فيهاعلى أيدى المصريين إلى الاحتلال الإيطالى للبلاد فى 1936، وتخرج على أيدى المدرسين المصريين معظم رجال الدولة من وزراء سياسيين، منهم من وصل إلى منصب وزير التعليم عام 1934، وهو «بلاتن جينا سهلا سيدالو» الذى كان يفخر بأنه تلميذ للأساتذة المصريين فى القسم الفرنسي، واختير أحد هؤلاء الأساتذة ليكون ناظراً ومدرساً فى مدرسة هرر، وآخر لمدرسة جورى فى الغرب، وظلت إثيوبيا تستعين ببطريركية الإسكندرية فى اختيار أساتذة مدرسة منليك الثانى إلى 1926، حين لجأت لوزارة المعارف بعد إنشاء القنصلية المصرية بأديس أبابا فى 1927، فأرسلت إليها أربعة أساتذة برئاسة الأستاذ «مسيح عبد السيد» عام 1928 إلى مدرسة منليك الثاني، التى كانت تعرف وقتها بمدرسة المصريين، وسعت القنصلية المصرية لتعيين اثنين من المدرسين فى المدرسة الأهلية الإسلامية بأديس أبابا، وكانا يتقاضيان مرتبهما من الجامع الأزهر. وتوالى إرسال المدرسين المصريين إلى إثيوبيا، ومنهم «جورج عبد الملك» الذى اختير مديراً لمدرسة منليك الثاني، و«زاهر رياض» الذى وصل أديس أبابا فى 1934. وحين عاد الامبراطور «هيلاسيلاسي» إلى بلاده 1941 طلب من مصر بعثة تعليمية للمساعدة فى إعادة بناء التعليم الوطنى فى اثيوبيا الذى هدمه الاحتلال الإيطالي، فأرسلت مصر بعثة تعليمية من عشرة من أكفأ الأساتذة، وأسرهم، فى إبريل 1943، وبمجرد وصول تلك البعثة وزعتهم الوزارة على مدارس مختلفة لتعمم الاستفادة بكفاءتهم، واستعانت الحكومة الإثيوبية بزوجاتهم للتدريس فى مدارس البنات، وقبلن فورا رغم ضآلة المرتبات، وقمن بواجبهن التعليمى والثقافى خير قيام. ولم تلبث وزارة المعارف الإثيوبية أن عينت رئيس البعثة الدكتور»مراد كامل« مستشاراً لها، يشرف على جميع مشروعاتها، فساهم بدوره فى النهوض بالحركة الثقافية فى إثيوبيا، وترجم بعض الكتب الأوروبية المكتوبة عن تاريخ إثيوبيا فكانت الترجمة الأولى لها إلى اللغة الأمهرية، ومنها كتاب «كاستاتن هوذو» عن المعونة البرتغالية أيام الإمبراطور «جلاوديوس». وامتد الدور المصرى إلى مجال الفنون الجميلة، فقد أرسلت الفنان الشهير «محمد ناجي»، فى بعثة إلى إثيوبيا من 1928 إلى 1933 ليسهم فى النهضة الفنية، حيث صور الطبيعة بألوانها الصاخبة، كما صور الامبراطور، ورجال الدين، وكثيرا من الشخصيات البارزة فى بلاط «هيلا سلاسي». واهتم وزير المعارف «بلاتن جيتا سهلا سيدالو»، بالمسرح فى 1933، وأنشأ مسرحا فى فناء«مدرسة منليك الثاني» التى تخرج منها، وكان فى المدرسة أربع جنسيات من المدرسين، الهنود ويدرسون الإنجليزية والرياضة، واللبنانيون يدرسون العلوم، والمصريون يتولون الفرنسية والمواد الاجتماعية، والإثيوبيون يدرسون للفصول الأولى التى تعد التلاميذ للفصول العُليا. واعتذروا جميعا عن تولى شأن المسرح، وقبل المصريون بلا مقابل، وتولى مدير المدرسة المصرى «جورج عبد الملك» كل التفاصيل، من إعداد النص والعرض كاملا، والإشراف على طبع الإعلانات وتوزيعها على الفنادق والنوادى والوزارات، وساعده الأستاذ «زاهر رياض» المدرس المصرى الوحيد بالمدرسة، وكان يبيع التذاكر بنفسه فى شباك المسرح، ويسلم ثمنها للمدير، فيسلمها بدوره إلى الوزير، وكثيرا ما تعاون المدرس المصرى والمدير مع مؤلف الرواية، وكتابة الحوار، وكان حفل الافتتاح الأول تحت رعاية وزير المعارف، وحضره كبار رجال الدولة، يتقدمهم رئيس الوزراء الإثيوبى فى نوفمبر 1934.