تعود العلاقات المصرية الإثيوبية إلى قرون طويلة خلت، والسياسة ليست هي الحلقة الأبرز فى هذه العلاقة، بل الدين. فالكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية التى نشأت فى القرن الرابع الميلادى حتى منتصف القرن العشرين، ظلت إحدى المطرانيات التابعة للبطريركية القبطية. حيث استمدت الكنيسة الإثيوبية عقيدتها الأرثوذكسية وآدابها وثقافتها الدينية من الكنيسة المصرية. ومنذ نشأتها وإلى استقلالها، كان بطريرك الكرازة المرقصية يعين مطران الكنيسة الإثيوبية بين الرهبان المصريين. وبالرغم من المكانة السامية والمُهمة التى يتمتع بها مطران الكنيسة الإثيوبية فى المجتمع، ومن سلطته الدينية والروحية الواسعة، حتى أنه لا يمكن أن يتوج إمبراطور إثيوبيا إلا عن طريق المطران، إلا أن علاقة المطران بمصر كانت تتوقف عند العلاقة الروحية فقط، والالتزام بالقوانين الدينية للكنيسة الأرثوذكسية، رغم ما شهدته إثيوبيا على مدار تاريخها، وتاريخ تتويج أباطرتها من اضطرابات وتوترات فى العلاقة مع المطران. ومن أبرز الأحداث التى تظهر مدى عمق الارتباط الروحى الوثيق بين شعبى الكنيستين، زيارة البطريرك المصرى إلى إثيوبيا عام 1930، ويظهر استقبال البطريرك منذ وصوله إلى ميناء جيبوتى فى 31 ديسمبر 1929 مدى حفاوة الاستقبال، فمع رسو الباخرة تسابقت إليها الجماهير، تتقدمها وفود المستقبلين الرسميين وعلى رأسهم القنصل المصرى فى إثيوبيا، وبعد تقديم التحية والترحيب الواجبين له، استقل القطار من جيبوتى إلى أديس أبابا، وفى كل المناطق التى مر بها القطار، كانت مظاهر الاحتفال والتحية والاحترام حاضرة بأوامر من الإمبراطورة زاوديتو والملك تفرى الإمبراطور هيلاسلاسى فيما بعد إلى كل قادة ورؤساء وحكام الأقاليم، وأظهرت الاستقبالات الخرافية والاحتفالات المهيبة التى أقامها الشعب الإثيوبى للبطريريك ما لايمكن تصوره من مكانته وتقديسه، ويذكر أنه كانت هناك طائرتان رافقتا القطار حتى أديس أبابا وكانتا تنثران زهورا وأوراقاً مذهبة مطبوع عليها كلمات ترحيب واستقبال بقداسة البابا يؤانس بطريرك الإسكندرية والنوبة وإثيوبيا. وسعت الكنيسة عبر العصور المختلفة إلى تدعيم العقيدة الأرثوذكسية ونشرها، ونشر كتب الطقوس الكنسية وترجمتها إلى الجعيزية، وإنشاء المدارس اللاهوتية، وإرسال مبعوثين من الرهبان المصريين لتصحيح ما ينتشر من عادات وأمراض روحية تخالف الإيمان الكنسى، وساهمت الكنيسة المصرية بدورها فى تأسيس التعليم فى إثيوبيا، وكان دينيا فى البداية بطبيعة الحال، فقامت بتوفير ونسخ الكتب الدينية، وكان البطاركة المصريون يرسلون باستمرار رسائلهم اللاهوتية للإثيوبيين لشرح العقيدة الأرثوذكسية وتثبيتها، كما كانت الكنيسة المصرية صاحبة البعثة المصرية التعليمية لمدرسة الإمبراطور منليك، التى أسسها كنواة للتعليم المدنى، وقد شرع الإمبراطور منليك الثانى فى تأسيس مدرسة كبيرة فى أديس أبابا تقوم بتعليم أبناء الأسرة المالكة وكبار رجال الدولة والأمراء والرؤوس العلوم واللغات الحديثة، وطلب الإمبراطور منليك الثانى من البطريرك المصرى أن يرسل سبعة شبان من الأقباط المصريين الحاصلين على العلوم الكافية لإدارة التدريس فى هذه المدرسة، وتطورت العلاقة فيما بعد حيث أصبح لوزارة المعارف المصرية دورها فى إيفاد المدرسين المصريين إلى المدارس الحكومية فى إثيوبيا بناء على طلب الإمبراطور هيلاسلاسى، كما استقبلت مصر أبناء الأمراء والنبلاء الإثيوبيين للتعليم فى مصر، وكانت كلية فيكتوريا بالإسكندرية إحدى وجهاتهم المفضلة، وتخرج فيها العديد من الطلبة الذين تولوا مناصب كبيرة بعد عودتهم إلى إثيوبيا. وظهرت مشاعر الأخوة والمساندة بين الشعب المصرى والشعب الإثيوبى عند سقوط إثيوبيا فى قبضة الاحتلال الإيطالى، فقد انحاز الرأى العام المصرى بجميع عناصره إلى إثيوبيا إنحيازاً تاماً، وتشكلت لجنة برئاسة الأمير عمر طوسون، وبطريرك الكنيسة المصرية تحت اسم «لجنة الدفاع عن قضية الحبشة»، وانتشرت فروعها بأنحاء مصر، وجمعت تبرعات من الهيئات والأفراد، وأرسلت البعثات الطبية لرعاية جرحى الحرب الإثيوبيين، ورعت الحكومة المصرية هذه البعثات ودعمتها، أملاً فى ألا تسقط إثيوبيا تحت الاحتلال الإيطالى، وإذا كان تأثير الكنيسة المصرية فى قلوب الإثيوبيين كبير وقديم، فإن تأثير الحرب ضد الإيطاليين ومناهضة الاستعمار كان له حضوره فى وجدان المصريين، حتى باتت لعبة «حبشة/إيطاليا» أو «حرب إيطاليا» أحد ألعاب المصريين فى أعيادهم ومناسباتهم، ويذكر دكتور يونان لبيب رزق قصة اللعبة فى ديوان الحياة المعاصرة، ويتكون جيشين من الحبش والإيطاليين، ينتصر فيها بالضرورة جيش الحبشة على الإيطاليين. وهناك حكاية عن حادثة وفاة طفل فى مدينة زفتى المصرية سنة 1935 أثناء اللعب، حيث توفى نظراً لقيامه بدور قائد جيش إيطاليا، فقد أصابه الطفل المتقمص لدور قائد جيش الحبشة بحجر كسر جمجمته. وحكاية هذه اللعبة وغيرها من روابط العلاقات بين شعب مصر وشعب إثيوبيا لا تعنى سوى قدم ومتانة علاقات البلدين، وأن الروابط الدينية والثقافية والشعبية دائما تكون جسر العبور إلى المستقبل وهى المعبر عن حقيقة ارتباط الأمم ببعضها البعض، ولعل رد الطفل المصر المتهم فى لعبة «حبشة/إيطاليا» أبلغ معبر عن هذا الشعور المصرى تجاه إثيوبيا إذ قال ببراءة» «إنه حبشى والآخر إيطالى».