فى تقديرى أن تيريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية حين دعت إلى انتخابات تشريعية يوم 8يونيو المقبل لم تك تهدف إلى الانقسام فى قطاعات الرأى العام البريطانى نتيجة البريكست أو حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي، بمقدار ما كانت تستهدف تأميم الانقسام فى أوساط النخبة السياسية فى البلاد، بحيث يمكن أن نقول إن رئيسة الوزراء تريد إحكام قبضتها على برلمان وستمنستر وتبغى أن تنعم بهدوء أشبه بما يسود دول من نوع نظام سياسى آخر. مجلس العموم فيه الآن 382 مقعدا للمحافظين و279 مقعدا لحزب العمال، وكما هو واضح فإنها تبغى عبر الانتخابات التشريعية أن تحصد مزيدا من مقاعد حزب العمال الذى يعانى حالة من التخبط واللخبطة المنهجية نتيجة سيطرة أقصى اليسار عليه فى ظل قيادة جيرمى كوربن بعد أن عاش عبورا حقيقيا من حالة مايكل فوت إلى المجددين أصحاب الطريق الثالث من تونى بلير إلى جوردون براون. ولكن هناك اهتماماً أكبر عند تيريزا ماى وهو القضاء على مجرد الشقوق التى صارت بوادر انهيار فى صيغة المملكة المتحدة نفسها، وسواء فى اسكتلندا أو فى أيرلندا بعد فك السلطة التنفيذية التى تربط الكاثوليك والبروتستانت فإنها تحاول اللحاق بآخر عربة فى آخر قطار على آخر محطة من صيغة المملكة المتحدة قبل أن تتشظى وتتحول أشلاء. هذا هو ما كان يشغل بال تيريزا ماى وهى تدعو إلى انتخابات مبكرة.. (تأميم صراع النخب السياسية لمصلحتها) و(مصادرة النزوع الطبيعى لأقاليمها التاريخية نحو الاستقلال)، أما حكاية جمهور الشارع والرأى العام فهى لا تشغلها كثيرا أو قليلا.. هى ببساطة تقوم بحركة أشبه بما قام به رئيس الوزراء البريطانى المحافظ الأسبق جون ميجور عام 1994 حين دعا خصومه من نفس حزبه جون ريد وود وبورتيللو وبيترليلى الذين كانوا يرفضون خيار العملة الموحدة الينتصروا عليه أو ليخسروا«، وفى الحقيقة أن ميجور لم ينتصر انتصارا نهائيا رغم فوزه فى الانتخابات وظل هذا الموضوع مثار أخذ ورد حتى الآن، وكان من تجلياته البريكست أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. تيريزا ماى تريد أن تكون (ديكتاتورة ديمقراطية) فتضرب المعارضة وتدفن محاولات الاستقلال الإقليمى وهى مهيأة فعلا لتحقيق الانتصار الكاسح ولكن عواقبه ستكون وخيمة فى المستقبل بعد أن تفرغ من مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبى التى ستبدأ بعد شهرين وستكون عبرة جدا. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع