من المهم أن نحرص على وجود تناغم بين أضلاع مثلث يمكن أن نسميه بحق «مثلث الحياة» وهذه الأضلاع الثلاثة هى المياه والغذاء والطاقة، ولاسيما ونحن ندشن مشروعات زراعية عملاقة كمشروع زراعة المليون ونصف المليون فدان ومشروع الزراعات المحمية فى مائة ألف صوبة زراعية إن الزراعة تستهلك نحو 85% من إجمالى الموارد المائية المتاحة لمصر ومعظمها من نهر النيل حيث تبلغ الحصة السنوية لمصر منه 55،5 مليار متر مكعب، وهذه الحصة لم تزد منذ سنوات بعيدة تربو على خمسين سنة برغم الزيادة السكانية الكبيرة التى تقدر بنحو مليونى نسمة سنويا وتعانى مصر الفقر المائى حيث يصل نصيب الفرد من المياه إلى نحو 670 مترا مكعبا فى العام فى حين أن خط الفقر المائى المتعارف عليه دوليا 1000 متر مكعب للفرد سنويا، وأضف إلى ذلك التداعيات السلبية لبناء سد النهضة الإثيوبى على حصة مصر من مياه نهر النيل، ولاسيما بعد أن تبين أن هدف إثيوبيا من بناء هذا السد هو حجز 74 مليار متر مكعب من المياه، ومن ثم فليس الهدف هو توليد الكهرباء كما تعلن أثيوبيا، وإنما استخدام هذه الكميات الضخمة من المياه فى زراعة مساحات شاسعة من الأراضى الإثيوبية بمحاصيل زراعية لحساب دول لها استثمارات ضخمة فى إثيوبيا، أى أن إثيوبيا ستصدر المياه المخزنة وراء سد النهضة بطريقة غير مباشرة فى صورة حاصلات زراعية إلى دول خارج حوض نهر النيل. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» التابعة للأمم المتحدة أجرت دراسات أوضحت أن موارد المياه العذبة فى جميع دول الشرق الأدنى وشمال إفريقيا قد انخفضت بمقدار الثلثين فى السنوات الأربعين الأخيرة، وهو ما يمثل تحديا خطيرا للتنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة «الاقتصاد الاجتماع البيئة».. أضف إلى ذلك أن ارتفاع درجة الحرارة بسبب ظاهرة الاحتباس الحرارى قد يؤدى إلى تقصير مواسم الزراعة بعدة أسابيع ومن ثم خفض المحاصيل الزراعية إلى 37%، وهذه النسبة مرشحة للزيادة إلى 55% بنهاية القرن الحالى. ولقد أطلقت منظمة «الفاو» إطارا عالميا للعمل من أجل مواجهة ندرة المياه وذلك عبر مؤتمر الأممالمتحدة للمناخ الذى عقد بالمغرب فى نوفمبر 2016، وفى مقال له بالأهرام نوه جوزيه عراز يانودا المدير العام للمنظمة إلى ضرورة تشجيع مصر لكى تطبق أنظمة إنتاج زراعى تستهلك قدرا أقل من المياه، وتكون للمحاصيل المزروعة مقاومة لتأثيرات التغير المناخى بالإضافة إلى تغيير منظومة الأغذية المصرية لكى تصبح أكثر مواءمة للتغيرات المناخية، ومن ثم أكثر فاعلية واستدامة وشمولية. وفى ضوء ما تقدم فإن مصر فى حاجة ملحة للعمل بدأب على ثلاثية «المياه والغذاء والطاقة» فهى ثلاثية الحياة بحق، ولاسيما أن معظم المياه تأتينا عبر نهر النيل من خارج حدودنا كما أننا نستورد نحو 70% من غذائنا فضلا عن استيرادنا قدرا غير يسير من مصادر الطاقة «البترول والمحروقات» ومن هنا تأتى أهمية الفكرة التى طرحها د.هانى سويلم استاذ ادارة المياه والتنمية المستدامة بجامعة أخن بألمانيا على الرئيس عبد الفتاح السيسى ومفادها تطبيق منظومة متكاملة لتحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الغذاء، ومن حسن الطالع أن هناك تعاونا بينه وبين الجامعة الأمريكية بالقاهرة لدراسة هذه المنظومة الحديثة لأغراض الزراعة وإنتاج الأسماك والربط بين أضلاع مثلث المياه والغذاء والطاقة فى مصر لأول مرة، والسؤال: هل يرى هذا المشروع الواعد النور أم أننا سنظل كعادتنا نراوح أماكننا ولا نتقدم إلى الأمام حتى تتفاقم الأزمات وتتحول إلى مشكلات عصية على الحل؟ إن الأمر جد خطير وهو جد لا هزل فيه لأنه قضية حياة أو موت. د. محمد محمود يوسف نائب رئيس الجمعية العلمية للصناعات الغذائية