تعيش اسرائيل حاليا أجواء القلق والترقب في مستوياتها القصوي التي تعيد للاسرائيليين ذكريات مريره, ويعكس التخبط الراهن في ردود الفعل علي المستوي الرسمي والشعبي داخل اسرائيل منذ ثورة التغيير ، في مصر وتكليلها بتولي قيادة ذات مرجعيه اسلاميه مقعد الرئاسه, حالة من انعدام الوزن قرعت اجراس الخطر والتحذير بالقرب من رؤوس المخططين العسكريين لاعادة صياغة منظومة الامن والتخطيط الاستراتيجي. وتعترف اسرائيل صراحة علي لسان قادتها العسكريين انها لا تكاد تصدق انها فقدت للابد الرئيس السابق مبارك الذي وصفته يوما ما بالكنز الاستراتيجي في المنطقه, واستبدلته بحاله من الاستنفار الامني والطوارئ علي الحدود مع مصر, وربما لا نجد افضل من رئيس الأركان الاسرائيلي' بني جانتس' ليعبر عن هذا المشهد المرتعش بقوله أن مصر بعد الثورة علي وشك أن تتحول لأكبر عدو لإسرائيل بعد ان كانت في عهد مبارك الحليف الاستراتجي الاقرب. ورغم اتفاق قادة اسرائيل علي أن مصر لن تصبح فجأة دولة عدو تهدد حدودها, لكن المنظومة الاستخبارية والعسكرية في إسرائيل ينبغي أن تتعاطي مع الدوله الصديقة القديمة كدولة ينبغي دراستها من جديد والاستعداد بما يتناسب مع ثورتها.القياده الاسرائيليه لا تخفي ايضا تشككها في ضياع التنسيق الامني الرفيع السابق مع مصر في مواجهة الحركات الفلسطينيه الاصوليه واجهاض تهريب السلاح لغزة واستفحال حالات التسلل الي اسرائيل بغرض الهجرة عبر سيناء وهو امر ربما كانت تل ابيب تتسامح فيه في مهد الثورة المصريه وانشغال القياده المصريه بالاحداث الداخليه وضغوط الشارع المصري الذي يطالب بقطع العلاقات مع اسرائيل. ولا ينفصل عن ذلك ظهور اعراض للهستيريا السياسيه علي المستوي الرسمي و الحزبي في اسرائيل واكبت تحركات الرفض الشعبي المصري للوجود الاسرائيلي علي اراضيها او اي تعاون معها سواء عبر محاولة اقتحام السفاره الاسرائيليه او قطع الغاز, فعادت للواجهة ممارسات فاشيه مثل تحذير حزب' إسرائيل بيتنا' اليميني من إعادة احتلال شبه جزيرة سيناء واعادة ترديد مزاعم دينيه بأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإسرائيلية التي أوصت التوراة شعب إسرائيل باستيطانها وحاول بعض الحاخامات الدخول علي خط التحريض بالقول ان السلام مع مصر لم يعد كنزا استراتيجيا, ولكنه شوكة في حلق إسرائيل! لقد رصدت المنظومه العسكرية والأمنية الإسرائيلية تحولات في السياسات المصريه بعد الثورة تميل بدرجة اكبر عن السابق باتجاه خدمة القضيه الفلسطينيه بدون وضع خطوط حمراء وتجلي ذلك في قيادة اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس, والمرونه في فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين, ولا ينفصل عن ذلك اتهام القياده المصريه بغض الطرف عن انتعاش عمليات التهريب عبر الانفاق التي تمتد عبر الحدود. وبدون شك وباعتراف الاعلام الاسرائيلي فإن حالة الترقب والاستنفار في اسرائيل بلغت مداها بوصول رئيس ذي مرجعيه اسلاميه الي سدة الحكم في مصر وهو أمر استحق في نظر كبار المخططين العسكريين في اسرائيل ان يكون الرد عليه برفع مستوي التأهب علي الحدود الجنوبية, والدفع بمزيد من المعدات القتالية الحديثة وطائرات الاستطلاع لمراقبة الحدود, والمطالبة بزيادة ميزانية وزارة الدفاع, تحسبا لأي خطر قد يواجه إسرائيل من جارتها الجنوبية. قادة اسرائيل لا ينكرون حقيقة ان وجود محمد مرسي في قصر الاتحاديه يحرمهم من النوم وانه لا يمكنهم البقاء غير مبالين بالتطورات التي تمر بها اقوي دوله بالاقليم تمتلك جيشا قويا وان ذلك يستتبع تعديل منظومة الدفاع التي كانت تركز خلال السنوات الماضيه بشكل اكبر علي الجبهة الشمالية, وعلي قطاع غزة علي وجه الخصوص. وفي أعقاب التطورات الأخيرة في مصر, وعلي رأسها تصريحات مرسي قبل انتخابه, التي قال فيها إنه يجب إعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل, اندفعت المنظومة العسكرية الاسرائيليه نحو تكريس المزيد من الوقت للتفكير العميق في جارتها الجنوبية. السيناريو الاسوأ في العلاقات مع مصر بات في مخيلة قادة اسرائيل, و بعد صعود مرسي إلي الحكم فإن كل شيء أصبح مفتوحا للتوقعات في شكل العلاقة المستقبليه بين تل أبيب والقاهرة, فالمستقبل محفوف بالضباب و علي إسرائيل أن تكون جاهزة لكل سيناريو, وأنه يحتمل أن يكون قريبا اليوم الذي تنهار فيه منظومة العلاقات الحساسة خلف الكواليس مع مصر, وأنه في حال قدوم هذا اليوم قد تعلن فيه الحرب بين الجانبين. وربما تحاول اسرائيل تطمين الجبهة الداخليه باجراءات من عينة تكثيف نشر القوات علي الحدود مع مصر وتسريع وتيرة بناء الجدار الفاصل والانتهاء منه في اكتوبر القادم, وبالتأكيد علي ان العلاقات مع مصر تقوم علي المصالح المشتركه, وان الارهاب وايران سيبقيان العدو المشترك فيما ستظل حماس وغزة مصدرا لاوجاع الرأس المشتركة بين مصر واسرائيل. لكن في الوقت ذاته ربما تجد اسرائيل ايديها شبه مغلوله امام توقعات ربما لا ترتكز علي معلومات موثقه باحتمال قيام القاهرة بإعادة النظر في اتفاقية السلام, وانهيار الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين وتشمل تصدير الغاز والتجارة البينيه, وعدم التنسيق الأمني علي الحدود. وتحاول اسرائيل استقراء مؤشرات منظومة الحكم الجديد في مصر بما يحفظ مصالح تل ابيب, ويمثل ميزان القوي بين المجلس العسكري في مصر وجماعة الاخوان المسلمين الحاكمه نقطه مفصليه في هذا الشأن, ويجمع المخططون العسكريون في اسرائيل علي ان الوضع الاستثنائي الذي تعيشه مصر حاليا في ظل وجود رئيس بدون دستور دائم او برلمان لن يستمر طويلا وانه خلال شهور قليله ستحصل تل أبيب علي الوجه الحقيقي لمصر, وعندها لن تستمع اسرائيل بثمار السلام كما حدث في الماضي لانها تعرضت في ظل حكم المجلس العسكري لقطع الغاز ومحاولة اقتحام سفارتها بالقاهرة ووقف إصدار التأشيرات وتقليص الرحلات الجوية بين الدولتين, وبالتالي فلن تكون للإخوان المسلمين أي مشكلة في مواصلة هذه المسيرة علي حد قولهم. [email protected]'