المتفائلون والمتشائمون معا سعداء بتسليم السلطة الي أول رئيس مدني في تاريخ مصر وكلاهما علي حق. غير انه باستثناء هذه الفرحة الغامرة لا يوجد ما يجمع الفريقين بعد ذلك. الأولون لديهم أسبابهم لمواصلة الابتهاج وتوقع المزيد من التطور للتجربة الديمقراطية الوليد. الاخرون يرصدون من الشواهد ما يثير مخاوفهم ويؤجج شكوكهم بأن ما حدث ليس اكثر من اجراء شكلي تم بمقتضاه تنصيب رئيس جمهورية مدني, بينما بقيت السلطة الحقيقية حيث هي في يد المجلس العسكري وأجهزة الدولة الامنية والبيروقراطية وكلها تحت سيطرة المجلس. إذا تحري المرء الدقة والتزم الحياد فليس بوسعه سوي التسليم بما يسوق كل فريق من شواهد ودلائل تثبت صحة حساباته رغم اختلاف النتائج في الحالتين. هناك بالفعل شيء عظيم حدث في مصر هو انتهاء حكم العسكريين المستمر منذ60 عاما, وانتقال السلطة, علي الأقل رسميا, لأول رئيس مدني منتخب بلا تزوير. ليس هذا فقط ما يثلج الصدر ويشيع التفاؤل ولكن ما صاحب ذلك من تصرفات وأفعال راقية وذات دلالة ومغزي من جانب أعضاء المجلس العسكري عزز ايضا الشعور بإخلاصهم في نقل حقيقي للسلطة, واعترافهم قولا وعملا برئاسة مرسي. من ذلك حضور المشير كوزير للدفاع اول اجتماع للحكومة برئاسة الرئيس الجديد. وقبلها كانت التحية العسكرية له. أيضا حضور المشير والفريق عنان كلمة الرئيس في جامعة القاهرة وجلوسهما في مقاعد المدعوين مع ملاحظة انهما حضرا قبله وانصرفا بعده وفقا للبروتوكول. مشاهد اخري مهمة تحسب للمجلس منها تكريم الرئيس ومنحه درع القوات المسلحة. كل هذا خلق مناخا مواتيا وعزز الثقة بين القيادتين, المدنية الجديدة والعسكرية القائمة. كما بدد قدرا لا بأس به من الشكوك بين الجانبين. غير ان ما تم علي اهميته وطابعه التاريخي يبقي محصورا في نطاقه الشكلي فقط إلي أن نري كيف سيمارس الرئيس ما لديه او ما بقي لديه من صلاحيات وسلطات. وكيف وإلي اي مدي ستتعاون معه اجهزة الدولة خاصة الامنية. المتخوفون يقولون انه في الواقع لم يتغير شيء او علي الاقل لا يوجد ما يدعو للإحساس بأن شيئا تغير. المجلس العسكري لا يزال متشبثا بالسلطة التشريعية وإقرار الميزانية وسن القوانين. ما يزال أيضا مصرا علي اعلانه الدستوري المكمل. ومتمسكا بكل ما منحه لنفسه من صلاحيات بما في ذلك حق الاعتراض علي اي بند في مشروع الدستور. وإمكانية تشكيل جمعية تأسيسية جديدة من اختياره اذا تعثر عمل الجمعية الحالية. ومصرا علي تجريد رئيس الجهورية من منصبه الشرفي كقائد اعلي للقوات المسلحة وحرمانه من حقه الرمزي بإعلان الحرب, وكأنهم ينقذون الدولة من مراهق انتخب ليعلن الجهاد في اليوم التالي. في كل الاحوال ما سيجري في الايام والأسابيع المقبلة سيكشف عن حقيقة النوايا. كانت البداية رائعة من الطرفين, الرئيس والمجلس العسكري تصرفا بقدر من التحضر والرقي يليق بهما وبمصر وباللحظة التاريخية. ولكن المهم هو ان تأتي الافعال علي نفس القدر من الحماس والإخلاص الذي اظهره العسكريون للرئيس الجديد. المتفائلون يرون ذلك قريبا ويراه المتشككون بعيدا. وبين هؤلاء وأولئك يجب أن ننتظر لنري هل هناك ارادة حقيقية لدي الدولة بمجلسها العسكري وأجهزتها الأمنية والإدارية للتعاون مع الرئيس وإنجاحه. او ان الغرض الحقيقي والمبيت هو منحه فرصة للفشل, من خلال اغراقه في طوفان من المشاكل والأزمات القائمة بالفعل. ووضع العراقيل امام اي حلول يطرحها وتعطيل قراراته عمليا دون الجهر بذلك. وللبيروقراطية المصرية العريقة خبرات وفنون تاريخية هائلة في هذا الشأن. اذا حدث هذا فلن يكون الخاسر هو الرئيس مرسي او الاخوان فقط بل مصر كلها, التي ستكون علي اعتاب مرحلة جديدة من الاضطراب السياسي والاقتصادي والأمني اسوأ مما عانينا منه طيلة الفترة الانتقالية الماضية. نقل السلطة الي رئيس مدني لا يعني إذن أننا وصلنا الي بر الأمان الذي تمنيناه وانتظرناه طويلا. تلك كانت البداية فقط. وهي ليست اهم فصول القصة لأن الأكثر أهمية وتشويقا وخطورة سنطالعه في الأسابيع المقبلة. [email protected] المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق