ربما تكون الفكرة ليست جديدة تلك التي طرحها عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية في اجتماعات القمة العربية الأخيرة بسرت في ليبيا, بإنشاء رابطة دول الجوار العربي. لتضم الي جوار الدول العربية الكبري والفاعلة في منظومة القرار العربي, دولا إقليمية كبري في مقدمتها بالطبع تركيا وإيران تتولي هذه الدول في المقام الأول مواجهة التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي ومشاركة دوله في رسم وصياغة القرار الأول والنهائي بشأن ترتيبات الأمن والاستقرار واطفاء جذوة الحرائق والتوترات المتصاعدة التي تخطف قرار واستقرار المنطقة دوما الي ساحة الحرب والمواجهات بفعل قوي متمردة ومحتلة مثل إسرائيل أو أطراف دولية توفر لها شبكة الأمان دوما لقرع طبول الحرب والتوتر بفعل ممارساتها العدوانية. .. ناهيك عن المهمة الثانية لهذه الرابطة العربية الإقليمية في تجمع شامل جامع لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وإحياء فرص التكامل التنموي في نهاية الأمر من عدمه. وربما انسجاما مع الالتزام بحقوق الملكية الفكرية والسياسية لزم التنويه إلي أصحابها الأولين وهم الأتراك حيث انهم أول من صاغوا وروجوا لمضمون ذلك الطرح بإنشاء رابطة أو تجمع دول الجوار العربي طيلة الأشهر الماضية عبر الكواليس وفي لقاءات الغرف المغلقة وقدم لها وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو طيلة الأسابيع الماضية في جولاته في المنطقة العربية لجس نبض العديد من دولها. ولا يخفي علي العديد أن مجمل الطرح التركي في بدايته كان ومازال يأتي منسجما مع استراتيجية تركيا الجديدة تلك المسماة باستراتيجية العمق الاستراتيجي والتي تلجأ من خلالها أنقرة الي العودة الي جذور دورها وروابطها القديمة في المنطقة عبر إحياء دورها. وبات لافتا أنه منذ اللحظة الأولي لطرح الأمين العام للجامعة فكرة تلك الرابطة العربية الإقليمية, أنها لم تحظ بالقبول والموافقة الجماعية في الحال, وربما لم يتحمس للتعاطي مع مجمل هذه الفكرة خلال النقاشات السريعة لهذا الطرح سوي ثلاث دول عربية فقط تصنف من ضمن ما يسمي بفريق الممانعة العربية. وحسب العديد من المراقبين فإن التحفظ والتململ العربي لا يكون مفاده الخشية من مشاركة تركيا ضمن أوائل هذه الرابطة بل علي العكس هناك ترحيب وقبول ضمني وصريح من قبل غالبية إن لم يكن جميع الدول العربية بالعودة والحضور التركي للعب دور في منطقة الشرق الأوسط, حيث ان الدول الكبري في الاقليم مثل مصر والسعودية وسوريا وغيرها يرون في الدور التركي وعودته قيمة مضافة. ناهيك عن أن تركيا العائدة بقوة للعب دور حيوي في سياسات وتطوير المشهد الشرق أوسطي ليس لديها أجندة إقليمية وتوسعية خاصة مثل إيران. ومن هنا يفهم حتي الآن سر تباعد كثير من الدول العربية ودول الاقليم التي تتماهي مع الكثير من خطي دوله الكبري في صياغة وتحقيق معادلة الشرق الأوسط الآمن والمستقر دون مناكفات أو منغصات كتلك التي تضعها إيران في طريق العديد من دوله بإمكان القبول بانضمام وجود طهران ضمن دول رابطة الجوار العربي. وبات الجميع يعلم أن تنامي وتصاعد الدور الإيراني ودخولها خضم معارك الاشتباك في الشرق الأوسط وخطف الأدوار وسياسات دول ومنظمات مقاومة عربية لا يصب في خانة تعزيز مصالح وشعوب الشرق الأوسط عامة والعالم العربي خاصة في المقام الأول, بل هي أوراق وكروت ضغط تستخدمها إيران لتقوية مواقفها وأوراقها في معركة مفاوضات البرنامج النووي مع الغرب. ولمجمل هذه الأسباب يفهم سر وطبيعة عدم الحماس العربي في قمة سرت باخضاع اقتراح موسي للنقاش الجدي وتأجيله إلي جلسات القمة العربية الاستثنائية في سبتمبر في حالة انعقادها مع الابقاء صراحة علي مخاوف غالبية دول المنطقة في أن العلة ستظل قائمة وموجودة في إيران, وأنه من الصعب اقرار هذه الرابطة دون حضور وانضمام إيران, وبالتالي سيظل هذا الاقتراح قيد التأجيل والترحيل من قمة الي أخري ولن يري النور إلا اذا تغيرت سياسات ايران في الشرق الأوسط وتخلت عن استراتيجية الهيمنة ومنظومة الاختراق والتمدد.