منذ انتهاء القمة العربية الثانية والعشرين والتي عقدت أواخر مارس الماضي في مدينة سرت الليبية، تنوعت التحليلات بين التفاؤل والتشاؤم حول أهمية هذه القمة التي انعقدت في وقت تشهد فيه المنطقة العربية العديد من الأزمات في ملفات فلسطين والعراق ولبنان والسودان واليمن والصومال بالإضافة إلي الأزمات مع الدول الإقليمية. وعلي الرغم من صدور وثيقة سرت التي تضمنت أهم ما خرجت به القمة من توصيات وقرارات، لا يزال الكثيرون يشككون في إمكانية تحويل هذه التوصيات إلي واقع ملموس ولا سيما في ضوء غياب ثقافة وآليات العمل العربي المشترك. فبداية، يغيب قادة عديدون عن القمة لأسباب خاصة بمكان انعقاده في ليبيا والتي استضاف زعيمها القمة للمرة الأولي. تصدير الخلافات العربية العربية إلي القمة بدأ حتي قبل انعقادها وهوما اعتبره المراقبون نذير سوء حيث أصبح انعقاد القمم العربية مجرد صورة مصغرة لواقع الدول العربية المتأزم وأبعد ما يكون عن ضرورة استراتيجية يفرضها الواقع الجغرافي والتاريخي والقومي. ومع ذلك، وعلي الرغم من انعقاد القمة بحضور 14 من القادة العرب، هناك تيار يري أن هذه القمة من أهم القمم التي عقدت بسبب القرارات التي توصلت إليها وعلي رأسها قرار دعم صمود القدس والذي بدأ عمروموسي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، اتصالاته لبدء تنفيذه وإتمام دفع الأموال المخصصة لدعم القدس التي تبلغ نصف مليار دولار في أقرب وقت ممكن. ووصفت بثينة شعبان، المتحدثة السياسية والإعلامية للرئاسة السورية، قمة سرت بأنها حققت نجاحاً كبيراً، وأضافت "قمة سرت الليبية من أفضل القمم العربية وان كان الأعلام العربي لم يظهر هذا لأنها ناقشت السلام العادل والشامل وموضوع المقاومة وان تباشير المستقبل العربي قد بدا من هذه القمة". وأكد مشروع البيان الختامي للقمة علي رفض استمرار الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية من جهود الاستيطان والانتهاكات الإنسانية للفلسطينيين ومحاولات تهويد القدس وأعمال الحفريات في محيط المسجد الأقصي، وعلي الرغم من اختلاف القادة العرب حول خياري المقاومة والسلام الاستراتيجي، طالب البيان الختامي بقطع المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والدعوة إلي عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لإعادة عرض النزاع العربي الإسرائيلي في حالة عدم تجاوب الطرف الإسرائيلي. مقترح الجوار العربي وإذا كان قرار نصرة القدس هو القرار الأهم والذي شهد توافقاً علي التوصل إليه، فإن مقترح عمروموسي الذي طرحه في الجلسة الافتتاحية حول تعزيز الجوار العربي قد حظي أيضاً بتأييد كبير من الدول العربية التي طلبت من الأمين العام إعداد ورقة عمل حول المبادئ المقترحة لسياسة جوار عربية والآلية المناسبة لتحقيقه لمناقشتها أيضاً في القمة الاستثنائية. وتقوم فكرة إنشاء رابطة الجوار العربي تعظيم المصالح المشتركة وتحقيق الامن لمجمل دول الرابطة والعمل علي تبني سياسة تنمية شاملة فيها لتضم مختلف الدول المحيطة بالعالم العربي في آسيا وأفريقيا وتتشكل بناء علي دعوة من الجامعة العربية توجه إلي هذه الدول وعلي أساس توافق آراء الدول الأعضاء في الجامعة العربية. وذكرت بعض المصادر أن هناك اتفاقاً علي اقتراح عمروموسي بأن يعقد مجلس الوزراء دورة خاصة لاطلاق الرابطة في أكتوبر المقبل بعد تحديد المدعوين للانضمام للرابطة علي أن تكون النواة الأولي للرابطة مكونة من تركيا وتشاد. ومن الدول الأخري المقترحة إيران والسنغال ومالي وغينيا والنيجر وإثيوبيا وإريتريا وكينيا وأوغندا وأسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا. وقد أثارت مبادرة الجوار العربي جدلاً واسعاً بسبب خلفية النزاعات العربية الإقليمية ومن بينها النزاع الموريتاني السنغالي والنزاع الليبي التشادي والنزاع السوداني التشادي، والنزاع علي المياه بين تركيا من جانب وكل من سوريا والعراق من جانب آخر. كما أثارت المبادرة ردود أفعال متباينة حول إمكانية ضم إيران للرابطة وما يعنيه إقامات علاقات جوار معها في الوقت الذي تشهد فيه ملفات عديدة علامات استفهام كثيرة حول الدور الإيراني ولا سيما الملف العراقي والملف اللبناني والملف اليمني بالإضافة إلي العلاقات بين كل من حركة حماس وحزب الله بإيران. جدل حول إيران وبدت كلمة عمروموسي الافتتاحية حذرة فيما يخص ضم إيران لمقترح الجوار العربي حيث أشار "وربما يحتاج الأمر هنا إلي توضيح واجب يتعلق بإيران. إن الأمر يتطلب أكثر من أي وقت مضي أن نقترح اطلاق حوار عربي إيراني للنظر في معالجة القضايا العالقة. أقترح أن يكلف به الأمين العام في مرحلته الأولي للاتفاق علي جدول أعمال لهذا الحوار. إنني أعلم وأتفهم مدي قلق البعض منا إزاء عدد من المواقف الإيرانية، إلا ان هذا لا ينفي بل ربما يؤكد ضرورة الحوار كمرحلة أساسية في تحديد العلاقات المستقبلية مع إيران التي نختلف معها في عدد من القضايا، ولكنها تشاركنا في التاريخ والجغرافيا ولنا معها مصالح مشتركة عديدة". وبعد ما أشيع عن رفض دولة الكويت لمقترح الجوار العربي، أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح أن بلاده ترحب بمبادرة عمروموسي غير أن لديها تحفظ علي انضمام إيران وبعض الدول الأفريقية. في الوقت نفسه، اعتبر السفير الايراني لدي الكويت علي جنتي أن هذا المقترح إيجابي لأن ما يجمع دول المنطقة هو أكثر مما يفرقها، كما أشار إلي أن اتهام البعض لبلاده بتهديد الأمن القومي العربي خال من المضمون. ونفي السفير الإيراني ما تردد حول نية طهران إعطاء ضمانات لدول الجوار، وأضاف "لم أسمع بهذا الأمر الذي لم يطرح من قبل أي مسئول إيراني"، وأكد علي أهمية التركيز علي العوامل المشتركة التي تجمع دول المنطقة وعلي حقيقة أن العدوهوعدومشترك. العلاقات العربية - العربية كما أقرت قمة سرت الآلية الخاصة بإدارة وتسوية الخلافات العربية ومنها ضرورة طرح المبادرات العربية قبل انعقاد القمة بوقت كاف حتي تتم دراستها وعدم طرح مبادرات تخص دولاً دون موافقة تلك الدول. كما أقرت وثيقة سرت تشكيل لجنة خماسية للإشراف علي إعداد مشروع عمل لتطوير العمل العربي المشترك مكونة من الرئيس اليمني عبدالله صالح والرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس المصري محمد حسني مبارك وأمير قطر الشيح حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس العراقي جلال طالباني وبمشاركة الأمين العام للجامعة عمروموسي. وحددت الوثيقة مهام اللجنة الخماسية بالإشراف علي إعداد وثيقة لتطوير منظومة العمل العربي المشترك لتعرض علي الدول الأعضاء تمهيداً لمناقشتها علي مستوي وزراء الخارجية قبل العرض علي القمة الاستثنائية في أكتوبر. ومن القرارات الأخري المهمة، تشكيل لجنة ثلاثية رئاسية تضم قادة قطر واليمن وليبيا بالإضافة إلي الأمانة العامة للجامعة لتقديم خطة عمل من أجل تطوير الجامعة العربية لعرضها علي مجلس الجامعة علي مستوي وزراء الخارجية في سبتمبر المقبل قبل موعد انعقاد القمة الاستثنائية في أكتوبر المقبل. وكانت قضايا تداول رئاسة الجامعة العربية وإصلاحها وتحويلها إلي اتحاد عربي بمبادرة يمنية قد تمت مناقشتها في القمة. قمة سرت العربية التي أطلق عليها قمة دعم صمود القدس نجحت إلي حد كبير في أن تخرج بالقمم العربية من حيز المنابر الخطبية إلي حيز المبادرات التي من الممكن لها أن تحرك المياه الراكدة. اتفاق القادة العرب حول مناصرة القضية الفلسطينية ربما يكون من الأمور القليلة التي يتوحد حولها العرب وإن اختلفوا في تصوراتهم لطرق السلام. وثيقة سرت خرجت بمقترح عمروموسي الذي من شأنه أن يغير خارطة التوازن الإقليمي إذا تم الاتفاق عليه في طور التنفيذ. العالم العربي الذي تثقله قضايا كل دولة داخلياً كما تثقله الخلافات العربية حول العديد من القضايا يشهد بلا شك انقساماً منهجياً واستراتيجياً بين دول الاعتدال ودول التشدد، وهو الانقسام الذي سيكون من أكبر عوائق تفعيل مقترح رابطة الجوار العربي. أن المكاسب المتوقعة من مثل هذا المقترح ليست فقط مكاسب استراتيجية واقتصادية وإنما تحقيق مصداقية أكبر للسياسات العربية علي المدي البعيد. فالدول العربية المنغمسة في خلافاتها تستطيع بالكاد أن تقنع دول الجوار أو المجتمع الدولي بجدية مقترحاتها ومبادراتها.