طالب المفكر الإسلامي الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي, أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة,بتطبيق فقه الأولويات والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية والتدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية مراعاة للواقع المعيش, وتهيئة المجتمع أولا لكي يمكن تطبيق أحكام الشريعة. وأكد الشرقاوي أن ما ورد بوثيقة الأزهر حول مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها هو الضمانة للخروج من هذا المأزق الذي يواجه تأسيسية الدستور ويثير البلبلة لدي الرأي العام. تطبيق الشريعة الإسلامية حلم راود الكثيرين من أبناء الشعب المصري, ما مدي حاجتنا لذلك في ضوء الحديث عن مقاصد الشريعة الإسلامية, والخلاف حول المادة الثانية من الدستور ؟ عندما نتكلم عن الشريعة الإسلامية نتكلم عن مبادئها العامة وأحكامها الكلية ومقاصدها العليا, ولا نتكلم عن الأحكام الفرعية وعن الجزئيات في الشريعة الإسلامية, فالمبادئ العامة الحاكمة في شريعتنا هي التي لا يختلف فيها أو حولها العلماء والفقهاء والمجتهدون, مثل الحرية بأصح وأوسع معانيها, ومثل المساواة والعدالة وتحقيق كرامة الإنسان وحقوقه هذه لا يختلف حولها الناس, وهي تشكل المبادئ الكلية والمقاصد السامية والعليا, ولا يختلف عليها أصحاب العقائد الأخري من شركائنا في الوطن, ولا دعاة الليبرالية أو العلمانية, فهي تشكل قاسما مشتركا يجمع كل المواطنين المصريين لينعموا في حكمها وظلها بالمساواة والعدالة والحرية والكرامة والحقوق الواجبات المتساوية, أما الأحكام الجزئية للشريعة الإسلامية فهي تمثل الآلية أو الوسيلة لتحقيق هذه المقاصد, وهي متغيرة وفيها بدائل متعددة واحتمالات متعددة, وكل حكم جزئي لا يحقق المقاصد العليا والأحكام العامة يمكن تركه إلي حكم جزئي آخر, لأن الأحكام الجزئية تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال المجتمعات المتفاوتة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا, هذا فهمنا لتطبيق الشريعة الإسلامية, فلا داعي للخوف منها. وثيقة الأزهر نصت علي مبادئ الشريعة واحتوت المقاصد الكلية لها؟ فما موقعها في الدستور الجديد وموقع الشريعة عموما فيه؟ لماذا ترفض بعض التيارات الإسلامية ما ورد فيها ؟ الحقيقة, من أفضل ما أنتجه الأزهر في العقود الأخيرة هو الوثائق التي أصدرها, وقد تحدثت عنها شخصيا وألقيت محاضرة في جامعة بوتنجن في ألمانيا, تحدثت فيها عن وثائق الأزهر هذه, وكانت محل ترحيب شديد من الأساتذة والمثقفين الأوروبيين, وثيقة الأزهر الأولي تتحدث عن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها العامة ومقاصدها العليا, لأن الجميع يؤمن بأن الشريعة بهذا المفهوم حق كلها وخير وعدل للأوطان, أما الفروع والأحكام الجزئية فهي- كما أسلفت- محل اجتهاد واختلاف بين العلماء, وقد أكدت الوثيقة التي لقيت ترحيبا عاما في المجتمع المصري, وشارك في صياغتها أطياف من المثقفين والمفكرين المصريين الإسلاميين والليبراليين والمسيحيين, فالجميع وطنيون مخلصون يريدون تحقيق المصلحة لمجتمعاتهم ولأوطانهم, والمصريون علي مختلف توجهاتهم متفقون علي بقاء المادة الثانية من الدستور المصري كما هي, مع زيادة طفيفة هي التي طرحها إخواننا في الوطن من أقباط مصر ولا بأس بهذه الإضافة وهي للمسيحيين الاحتكام لشريعتهم فيما يتعلق بأحكام الأسرة والأحوال الشخصية. قدمت عدة مشروعات قوانين بالبرلمان المنحل, مثل( بيت المال- النظام الاقتصادي الإسلامي- حد الحرابة- تطبيق الحدود عموما) في ظل رفض بعض التيارات الإسلامية لمبدأ التدرج, هل المجتمع مهيأ لذلك؟ وكيف تتم هذه التهيئة؟ عندنا ما يعرف ب( فقه الأولويات) وما يعرف بالتدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية هذان مبدآن مهمان لا بد من مراعاتهما عند تقديم مشاريع قوانين بمجلس الشعب تتعلق بالشريعة الإسلامية, فلا بد من تهيئة المجتمع أولا لكي يمكن تطبيق أحكام الشريعة, وعلينا أن نتذكر أن الرسول صلي الله عليه وسلم بقي يدعو المسلمين ويهيئهم لتطبيق أحكام الشريعة ثلاث عشرة سنة في مكةالمكرمة, ولم تطبق أحكام عملية للشريعة إلا بعد أن تهيأ الناس واستعدوا لها, أما ما حدث في مجلس الشعب من تقديم بعض القوانين فيعود إلي قلة خبرة إخواننا وتسرعهم وعدم مراعاتهم سنة التدرج وتهيئة المجتمع, لكن نلاحظ أنهم قد راجعوا أنفسهم, وهذا من إيجابيات الديمقراطية ومن ثمرات الثورة وإيجابياتها. ومن جانبي أري أننا ينبغي أن نتحدث عن الحريات وعن توسيع مجال الديمقراطية للناس أكثير من حديثنا عن تطبيق الشريعة نفسها. تجربة حكم الإسلاميين في مصر أو ما يسميه البعض الإسلام السياسي كيف ترونه؟ وهل هو مصيدة لهم؟ من الممكن في حال فشلها أن تنتقص من رصيد تيار الإسلام السياسي وتسبب انتكاسة لا قدر الله؟ أولا تعبير الإسلام السياسي هذا تعبير إعلامي غير دقيق يحتاج إلي شيء من التصحيح, من المهم جدا أن يحتك الإسلاميون بغيرهم من تيارات ومجموعات في المجتمع, وهذا يتيح للجميع التعرف بشكل مباشر علي الآخر, وسيستفيد المجتمع من هذه التجربة الديمقراطية التي يلتقي فيها الجميع, فعندما كان الإسلاميون في السابق يعملون تحت الأرض أو من وراء القضبان في المعتقلات أو في المنافي في شتي أنحاء العالم, لم تكن أفكارهم ورؤاهم معلنة ومعروفة للكافة, وكانوا يعانون من تشويه أمني وإعلامي كبير يضغط عليهم نفسيا, وهذه آفة النظم المستبدة, إننا نتفاءل بعد الثورة بأن التيارات الإسلامية وقد أتيحت لها مساحة واسعة من الاحتكاك والحوار والتواصل كي تصحح نفسها, وهذا ما يحدث اليوم فعلا, لكنه يحتاج إلي فسحة من الوقت, ونحن متفائلون بأن ذلك سيحدث إن شاء الله تعالي. أما بخصوص إذا ما كانت مشاركة الإسلاميين في السياسية ستتسبب في انتكاسة لهم في حال فشلهم- لا قدر الله-, نقول هنا: علي التيارات الإسلامية أن تمارس السياسية بأخلاقية واحتراف, وإلا فإن ممارسة السياسية بعشوائية وبعد عن التخطيط ستفقدهم الكثير من رصيدهم الشعبي, لكن المشروع الإسلامي في حد ذاته متين وراسخ ولا خوف عليه إن شاء الله تعالي. تعدد المدارس السلفية في مصر كيف ترونه؟ وما أقربها إلي الاعتدال في نظركم؟ نحن مع المنهج السلفي الصحيح الذي يمت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم بسبب واضح, أما التنوعات السلفية الأخري; فمنها ما هو أقرب إلي المنهج الصحيح, وهذا نقبله, ومنها نوع من التطبيق المرتبط ببيئة بدوية معينة في فترة زمنية ابتعدت فيها هذه البيئة عن أسباب الحضارة والثقافة والاحتكاك بالعالم فوقعت فيما يشبه العزلة, وهذا أثر سلبا علي اجتهادات العلماء والمفكرين, وقد تكون اجتهادات العلماء في هذه البيئة صالحة لزمانهم وحالتهم الحضارية ولكنها باليقين ليست صالحة لحالتنا الحضارية والاجتماعية اليوم, ومرة أخري نحن نؤمن بأن كل المدارس والتيارات في ظل مناخ الحرية ستصحح من أوضاعها ومن توجهاتها; وهذا من حسنات الديمقراطية والحرية ومن نتائج الثورة المباركة إن شاء الله. ما مدي حاجتنا إلي تجديد الخطاب الديني ؟ وماذا تقولون للدعاة وأئمة المساجد؟ وما مدي حاجتنا للتنوير الإسلامي في هذا السياق؟ ارتبط الخطاب الديني في نظام الحكم السابق به فكان يطوع الدين أو الشريعة لخدمته أو لا يمارس الاجتهاد والتنوير الصحيح للناس; لأن الأجهزة الأمنية كانت تري في ذلك خطرا علي النظام الديكتاتوري, أما بعد الثورة فنحن بحاجة ماسة إلي تجديد حقيقي للخطاب الديني, بحيث يراعي العلماء والخطباء والوعاظ حاجة المجتمع وتطلعات الناس, ويجتهدون في تنزيل الأحكام الشرعية الصحيحة لحل مشاكلهم الراهنة, وكذلك هم بحاجة إلي أن يتحدثوا عن قيم الدين الخلقية السامية ودفع الناس إلي الإيجابية والفاعلية والتعاون, والبعد عن السلبية والتخاذل. إن المساجد شكلت ولا تزال رمزا للثورة, فحتي اليوم تخرج المظاهرات من المساجد الكبري, وتذهب إلي ميادين الحرية والعزة في محافظات مصر كلها, والعالم كله تابع الأحاديث والخطب والتصريحات التي كانت تلقي من مسجد عمر مكرم في قلب ميدان التحرير, والقائد إبراهيم بالإسكندرية, ومسجد النور بالعباسية والمساجد الكبري بالمحافظات, فتجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة بعد الثورة الغراء.