هناك أناس يؤثرون القلوب وأخرون يؤثرون العقول الا انه قلما تجد بينهم من يؤثر القلوب والعقول معا وكان من حسن حظى ان وجدت الاخيرة فى استاذتى الكاتبة مايسة السلكاوى التى شرفت بالعمل معها فى الاهرام سنوات طوال فى باب "مصر المستقبل العقارى" تعلمت منها الكثير والكثير واكتشفت قيمتها اكثر فى المحافل الصحفية والمؤتمرات الكبيرة وهى وسط كوكبة من الشخصيات الهامة كالوزراء ورجال المال والاعمال والصحفيين وقامات المجتمع والكل يوفيها التبجيلا عهدت فيها الدقة والامانة والكياسة والاجتهاد والدأب فى العمل . وها هى تخرج علينا مؤخرا بمؤلف جديد من اعمالها الابداعية يحمل عنوانا رائعا تحت مسمى " وجوه مصرية " . الكتاب من غلافه يدل على شياكة صاحبته " المعتادة فيها " كما يدل على فخامته وغلو ثمنه الا ان المضمون دائما هو الاهم الا وهو المحور الأساسي الذي اعتمد عليه الكتاب وهو "أن هناك أناسًا تحت التراب ومازالوا أحياءً يتنفسون ويستفيد منهم المجتمع، وفى المقابل هناك أناس فوق التراب يحيون ولكنهم أموات "ولانها كاتبة من طراز خاص تستهدف دائما فى كتابتها توعية النشء وتصحيح مفاهيم كثيرة مغلوطة لديهم عن عظماء مصريين أثروا فى تاريخ مصر ويأتى ذلك فى الوقت الذى تخلت فيه كثير من مؤسسات الدولة عن هذا الدور الذى يعد اساسا من طبيعة انشائها فقد سبغت السلكاوى اغوار التاريخ وغاصت فى اعماقه وخرجت لنا بتسع وثلاثين شخصية هي التي يضمها هذا الكتاب والتى تعد بحق تسع وثلاثين درة من درر التاريخ ولم يكن انتقائها لهذه الدرر وهى تغوص فى اعماق التاريخ من فراغ بل لانهم جميعا وضعوا بصماتهم الواضحة والمؤثرة في مجالات هامة منها الطاقة النووية والهندسة والفلك والاقتصاد والتعليم والفكر والسياسة، وتظهر المصادر العديدة المذكورة عقب الكتاب و التى ارتكنت اليها الكاتبة مدى الجهد والعناء الشديدين فى انجاح هذا العمل و " بناء على ما توافر لديها من مصادر موثقة، تقدم بقدر الإمكان الصورة الحقيقية لهذه الشخصيات، فى محاولة لإزالة قليل من الغبار المتناثر على وجوه مصرية مشرقة، بدأت مشوار كفاحها منذ سنوات، منها البعيدة ومنها في الماضى القريب، هذه الوجوه أسهمت في إضاءة صفحات تاريخ مصر الممتد عبر العصور والأزمان، بعد أن كانت مملوءة بالمعاناة والفقر والجهل والقهر، و حولتها إلى أمة متحضرة ذات ثقافة وعلم، مميزة في سماتها عن باقى الأمم وبأعمالها الخالدة أرست المحاور الرئيسية لحياتنا الحالية". الكاتبة مايسة السلكاوى تتناول ال 39 وجه مصرى من حيث نشأتهم ومشوار حياتهم، وأبرز أعمالهم، وتأثيرهم على مجتمعهم، وما إذا كانت أعمالهم لها صدى عالمى بالنسبة لبعض الشخصيات، خاصة العلمية، والأجواء السياسية بمصر والتى أحاطت بهذه الشخصيات، وتأثيرهم السلبى و إلايجابى عليها، و الظروف السياسية، وتأثيرها على اتخاذ بعض القرارات المصيرية التي انعكست بدورها على الحالة الاقتصادية، وفى الوقت نفسه تسببت في اتخاذ مواقف عدائية من بعض الشخصيات خاصة السياسية. والرائع عندها عدم التفرقة بين ما إذا كانت الشخصية لرجل أم لسيدة ودون التمييز بين الديانات فهم فى النهاية جميعهم مصريون حرصوا على رفعة شأن وطنهم مصر.فهى تبغى من اختيار هذه الوجوه، وأعمالهم الجليلة،الانتقال بصفحتهم الناصعة التي يحفظها التاريخ إلى صفحات حية، ليقرأها ويستفيد منها شباب اليوم الذى عف القراءة فى زمن النت ، ولا يعرفون قيمة وقدر مصر أم الدنيا، وليكون هؤلاء قدوة يحتذى بهم، لأنهم عظماء بمعنى الكلمة، ويحتاجون إلى مجلدات تخلد أعمالهم،كما تقول الكاتبة فى مقدمة كتابها الذى يربو على 260 صفحة من القطع الكبير الفاخر وليس مجرد صفحات في كتاب يضم بعضا منهم . الملفت فى الكتاب حسن التنسيق فى ترتيب الشخصيات فهو يضم فصولًا يحوى كل منها شخصيات تجمعهم سمات مشتركة فيما قدموه من أعمال، ويتم ترتيبهم وفق الفترات الزمنية للشخصية، تتعرف فيها عن قرب على شخصيات مثل شريف باشا مؤسس الحياة النيابية لمصر وباغوص بك مؤسس وزارات المالية والخارجية والتجارة الخارجية ونوبار باشا واسهاماته المؤثرة فى الحياة السياسية خلال معاصرته لسبعة من حكام مصر و"أينشتاين العرب" الدكتور على مصطفى مشرفة واحد من سبعة علماء يعرفون أسرار الذرة ، الدكتور يحيى المشد : من أهم عشرة علماء على مستوى العالم فى مجال التصميم والتحكم فى المفاعلات النووية، الدكتورة سميرة موسى أول من دعت الى اهمية التسلح النووى و محمد فرغلى باشا ملك القطن وأبو رجيلة امبراطور الاتوبيس وسيد جلال المليونير العصامى و سيد ياسين رائد صناعة الزجاج فى مصرو طلعت باشا حرب رائد الاقتصاد المصرى و محمود باشا الفلكى رائد علم الفلك و الدكتور محمد بك كمال إسماعيل صاحب اعمال توسعة الحرمين الشريفين وغيرهم من الشخصيات التى تستحق من وزارة التربية والتعليم ادراجها فى كتب التاريخ حتى يتعرف ابنائنا على جدودهم العظماء بدلا من المعلومات المغلوطة التى تحتويها مناهجهم التعليمية ! لمزيد من مقالات سعاد طنطاوى;