قد يمثل مفهوم ريادة الأعمال طوق النجاة وفرصة العمل المنتظرة للعديد من الشباب ولكنه مغامرة اقتصادية ليست بالسهولة رغم قصص نجاح العديد من الشركات الناشئة، التي تحولت في غضون سنوات لشركات عملاقة تقدر بالملايين وتنتشر في دول عديدة ,. تلك الشركات الناشئة التي قد لا يتعدى قوامها في البداية سوى فرد واحد ولا تحتاج لخلق المناخ المناسب ليحقق الهدف المرجو منه وهو خلق المزيد من فرص العمل للشباب وانعاش الاقتصاد المصري. ولكن ما هو دور الدولة في خلق هذا المناخ؟ وماهي القوانين والاجراءات التي تحتاج للتعديل أو الاصلاح؟ وماهي التحديات التي تواجه الشباب من رواد الأعمال ؟ « تعني ريادة الأعمال باختصار أن يتجه الفرد لتأسيس عمله الخاص». هكذا قال في البداية الدكتور أيمن اسماعيل أستاذ كرسي ريادة الأعمال بكلية ادارة الأعمال ومؤسس حاضنة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة . موضحا أن رائد الأعمال هو الشخص الذي يأخذ زمام المبادرة و يتحمل نوعا من المخاطرة لبدء شركته ، حيث يبحث عن الموارد التي يحتاجها سواء كانت تمويلا أو معرفة أو موارد بشرية. وقد يربط البعض تعريف ريادة الأعمال بالابتكار لأن الكثير من الشركات الناشئة عمرها أقل من 3 سنوات- يعتمد على التكنولوجيا أكثر من الشركات الكبيرة. ووفقا للدكتور اسماعيل فان ريادة الأعمال الناشئة في مصر يمكن أن تصبح محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل؛ وذلك يتطلب تضافر الجهود والتنسيق بين واضعي السياسات والهيئات الحكومية والمنظمات المانحة والمؤسسات المالية ومنظمات دعم ريادة الأعمال والجامعات وغيرهم من العاملين في هذا المجال. وتواجه تلك الشركات الناشئة العديد من التحديات لتنطلق وتستمر فتحتاج لمناخ استثماري مشجع وأيضا نوع من المساعدات، جزء منها له علاقة بالحكومة التي لها دور يجب أن تؤديه لدعم ريادة الأعمال أولها هو التعامل معها كقطاع له أولوية بالنسبة للسياسات والبرامج، فالحكومة تلعب دوراً رئيسياً في تحفيز ومساندة الشركات الناشئة من خلال توفير البنية التحتية المؤسسية والمادية مثل تطوير القوانين، وتبسيط عمليات التراخيص وتحصيل الضرائب، و كذلك تخفيض الأعباء الادارية ويوضح قائلاً: ربما تكون مرحلة انشاء الشركة الجديدة هي الأكثر سهولة ولكن ما يليها من تفاصيل فنية وبخاصة تلك المتعلقة بالتراخيص فلا يمكن وصفها الا بالبيروقراطية حيث يبدأ التعامل مع أجهزة كثيرة تتطلب العديد من الموافقات والتصريحات التي قد تعطل نمو الشركة، . ويمكن للشركات الكبرى سواء الحكومية أو الخاصة أن تدعم الشركات الناشئة فيما يتعلق بالمشتريات تحديدًا، ويوضح أستاذ ريادة الأعمال قائلاً: تعديل قواعد و قوانين المشتريات يمكن أن توفر السبل للشركات الناشئة لتكون قادرة على التعاقد مع الشركات الكبري، فاللوائح الداخلية للجهات الحكومية أو الشركات الكبري غالبا ما تلزمها بالشراء والتعاقد مع شركات ذات مواصفات محددة مثل أن تكون الشركة الموردة لديها حجم أعمال معين، أو سنوات خبرة محددة، أو ضمان مالي بحجم كبير، وتلك الصفات لا تنطبق على الشركات الناشئة وبالتالي لا تجد فرصة للدخول في تلك الأعمال ولكن مؤخراً بدأت بعض الشركات الكبري بتعديل تلك الشروط بما يسمح لها بالتعاون مع الشركات الناشئة بنسبة محددة وبحسب أستاذ ريادة الأعمال فان الحصول على التمويل يمثل تحديا كبيراً، فالشركات الناشئة لا تستطيع الحصول على القروض من البنوك لاشتراطها وجود قوائم مالية لمدة ثلاث سنوات وهو شرط لا يتوافر في شركات مازالت في بدايتها وان كان الصندوق الاجتماعي للتنمية يقدم القروض لبعض الشركات الصغيرة والمتوسطة فانه لا يدعم جميع الأنشطة التي تمارسها تلك الشركات وهنا يظهر دور «رأس المال المخاطر» وهم الأشخاص أو صناديق الاستثمار التي تقدم رأس المال للشركات الناشئة كنوع من الاستثمار أخذ في الازدياد مؤخراً ولكنها تركز أيضا على الأنشطة التكنولوجية أكثر من غيرها. وهنا يرى الدكتور أيمن أن الحكومة يمكنها دعم الشركات الناشئة بطريقتين،الأولى من خلال تشجيع البنوك العامة لتوسيع برامج الاقراض لاستهداف الشركات الصغيرة والمتوسطة، و هو ما بدأ بالفعل في العام الماضي مع مبادرة البنك المركزي المصري بتكليف البنوك التجارية بتوسيع برامج الاقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة). ويمكن للحكومة أن تدعم مباشرة منظمات الاقراض الحالية مثل منظمات التمويل متناهي الصغر، وصناديق رأس المال المخاطر، أو برامج الاقراض الأخرى. أما المساعدات المقدمة من القطاع غير الحكومي فيرى أستاذ ريادة الأعمال أنها الأكبر وذلك من خلال ما يعرف بحاضنات الأعمال، وهي مؤسسات تساعد الشركات الناشئة من خلال توفير التدريب، أو المكان، أو تمويل مبدئي بسيط، أو من خلال توفير فرص اللقاء بمستثمرين آخرين وأصحاب الخبرات لتبادل المعلومات والخبرات. وقد بدأ نشاط حاضنات الأعمال في مصر منذ نحو عشر سنوات بعضها تابع للقطاع الحكومي مثل حاضنة الأعمال التابعة لوزارة الاتصالات والتي تقدم تدريبا و دعما وتمويلا مبدئيا للمشاريع لمدة سنة، وبعض الحاضنات الخاصة والتي تكون هادفة للربح و التي عادة ما تحصل على حصة من ملكية الشركة، وبعض الحاضنات تكون غير هادفة للربح مثل حاضنة أعمال الجامعة الأمريكية وهي أول حاضنة أعمال جامعية في مصر، حيث تمكن الشركات الناشئة من الاستفادة من مرافق الجامعة الأمريكية بالقاهرة و قاعدة الجامعة المعلوماتية، و كذلك تربط هذه الشركات بشبكة خريجي الجامعة لمساعدتهم في انشاء و تمويل و تنمية شركاتهم الناشئة. وليد عبد الرحمن أحد نماذج رواد الأعمال المؤمنة بضرورة التطوير والتغيير، حيث فضل مواجهة تحديات السوق المصرية على تأسيس شركته الخاصة بالخارج ويرى أنه بالرغم من تنامي ثقافة ريادة الأعمال في مصر الا أنها تواجه عددا من التحديات أهمها هجرة العقول المبتكرة التي تحتاج لمناخ مختلف لتبدع فكثيراً من الشباب بخاصة في مجال البرمجة و تكنولوجيا المعلومات يفضلون العمل خارج مصر ويهجرون السوق المحلي الى دبي أو اوروبا بحثا عن الفرصة الأفضل والمناخ الأكثر حرية ويترتب على ذلك ما يشهده السوق المحلية من ندرة في تلك الخبرات ويوضح قائلا: عندما أؤسس شركة ناشئة فأنا أبحث عن أفضل العناصر لتوظيفها ولكن يقف أمامنا عائق نقص الموارد البشرية المتخصصة والتي تهاجر اما بحثا عن مرتب أفضل -حيث يمكن أن يجنى المبرمج على سبيل المثال أكثر من 50 دولاراً في الساعة الواحدة- أو بحثا عن مناخ أكثر تقديراً للابداع وبعكس الباحثين عن فرصة أفضل للعمل يجد رواد الأعمال في كل تحد وكل مشكلة فرصة للنجاح ولتأسيس مشروع جديد لذلك يمثل السوق المصرية بتحدياته فرصا عديدة للباحثين عن حلول، وربما هذا الفكر هو ما يجعل من الشركات الناشئة نموذجا مختلفا تماما عن الشركات الصغيرة والمتوسطة ويوضح وليد قائلا: تتميز ال startups بأنها شركات سريعة النمو بشكل كبير لذلك تحتاج بعض القوانين الخاصة بها لتواكب هذا النمو المتزايد وتحتاج أيضا تلك الشركات لتعاملات مالية مختلفة بخاصة فيما يتعلق بالقروض وأيضا بالضرائب، وربما على الحكومة الأن النظر في فكرة اعفاء الشركات الناشئة من الضرائب لمدة عام أو اثنين كنوع من الدعم لها. وبالرغم من كثرة التحديات التي قد تواجه رواد الأعمال فإن أحمد زهران من شباب رواد الأعمال العاملين في مجال الطاقة الشمسية يرى أن مواجهة تلك الظروف والتغلب عليها هو المعنى الحقيقي لريادة الأعمال ويقول:على رائد الأعمال أن يبدأ في العمل فوراً وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد فاذا انتظر تحسن المناخ أو تعديل القوانين فقد لا يبدأ مشروعه أبداً ويذكر مجموعة من التحديات التي واجهته في بداية عمله وأولها هو التمويل حيث لا يفضل كثير من رجال الأعمال الكبار تمويل الشركات الناشئة وبالطبع قد لا يستطيع رائد الأعمال أن يبدأ مشروعه بقرض بسبب الشروط التي تضعها البنوك ولكن عند تأسيس مشروعه ووجه زهران و فريق عمله البحث ناحية الشباب الذين عملوا لفترات في شركات كبيرة ولديهم مدخرات يرغبون في استثمارها في نشاط جديدة على أن يحصلوا على أسهم في الشركة أو يكونوا اعضاء في مجلس الادارة وبعضهم تم اعتماده كمستشار للشركة وفقاً لخبرته بالفعل.