ما يجري في مصر الآن ليس نهاية المطاف, بل هو لحظة تحول تضع حركة الثورة في مفترق طرق, إما أن تنجح قوي الثورة في تجاوز حالة التراجع التي تمر بها الآن وتستعيد زمام المبادرة أو أن تنجح قوي النظام القديم في استعادة سيطرتها علي مؤسسات الدولة وإجهاض الثورة. والعامل الحاسم في تغليب أحد الاحتمالين: استئناف حركة الثورة أو إجهاضها, هو قدرة شباب الثورة علي استيعاب دروس المرحلة الماضية وإعادة تنظيم صفوفه واستعادة حالة المد الثوري التي خلعت رأس النظام وأجبرت المجلس العسكري بعد ذلك وعلي مدي عام كامل علي اتخاذ قرارات مصيرية ساهمت في دفع حركة الثورة إلي الأمام. من المهم الآن أن يتفهم شباب الثورة ما يجري حاليا من تراجع لحركة الثورة وتجرؤ أركان النظام القديم علي التحرك علنا لمساندة أحمد شفيق كمرشح لرئاسة الجمهورية وهو أحد رموز النظام القديم. ومن المهم أن يتفهم الشباب أن ما يحدث حاليا هو لحظة في تاريخ مصر, شهدت البلاد لحظات مماثلة لها في تاريخها الحديث, وأن ما يحدث من تراجع لحركة الثورة له أسبابه ويمكن تداركه اذا عالجناه. وفي كثير من الحالات كان اليأس يعم الجميع عندما تنتصر القوي المعادية. ولأن المجتمع لا يعرف السكون بل هو في حركة دائمة توجهها الصراعات التي تجري حول المصالح الطبقية, فإنه سرعان ما تعود قوي الثورة إلي سابق عهدها فتكتسب قوة دفع جديدة تمكنها من استعادة زمام المبادرة مرة أخري وتحقق العديد من الانتصارات. يكفيني هنا الإشارة إلي بعض الأمثله من تاريخ مصر الحديث. فبعد انتصار ثورة1919 وصدور دستور1923 وإجراء أول انتخابات برلمانية بعد الثورة اكتسحها حزب الوفد1924 نجحت قوي الرجعية في الاستفادة من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها مصر وأصدرت دستورا جديدا سنة1930 يسلب المصريين معظم حقوقهم وحرياتهم ودار صراع مرير لمدة خمس سنوات كاملة أدي إلي تفجر ثورة الشباب1935, حيث عمت المظاهرات البلاد وسقط الشهداء دفاعا عن الدستور وعن استقلال مصر ونجحت حركة الشباب في إسقاط دستور1930 وتشكيل جبهة وطنية دخلت في مفاوضات مع دولة الاحتلال انتهت بمعاهدة1936 التي قلصت وجود قوات الاحتلال في البلاد وألغت الامتيازات الأجنبية. ولكن الحرب العالمية الثانية أثرت بالسلب علي الحركة الوطنية المصرية, وحكمت البلاد أحزاب الأقلية الخاضعة لنفوذ القصر الملكي والسفارة البريطانية وبعد إنتهاء الحرب انفجرت الحركة الوطنية مرة أخري سنة1946, ورغم اعتقال المئات من القيادات الوطنية وإغلاق الصحف ودور النشر المعارضة ومنع النشاط النقابي واعتقال القيادات النقابية فان الاحتجاجات الجماهيرية تواصلت وتشكلت اللجنة الوطنية للطلبة والعمال كقيادة ثورية للحركة الوطنية التي شملت كل فئات الشعب تقريبا بمن فيهم ضباط الشرطة, وبلغت الحركة الوطنية المصرية ذروتها عندما نجحت في الضغط علي حكومة الوفد لإلغاء معاهدة1936 في أكتوبر1951 وشهدت منطقة القناة, حيث تتمركز قوات الاحتلال, المقاومة المسلحة من الفدائيين المصريين وساهم هذا كله في التمهيد لثورة23 يوليو1952 عندما نجح الضباط الأحرار في الاستيلاء علي السلطة وإصدار قانون الإصلاح الزراعي وإجلاء قوات الاحتلال البريطاني وإعلان الجمهورية بديلا عن الملكية وتأمين قناة السويس ودخلت البلاد مرحلة ثورة تحقق فيها العديد من المكاسب التاريخية للشعب المصري. عقب هزيمة يونيو1967 وسيادة الإحباط واليأس لدي الكثيرين خرج الشباب من طلاب الجامعة وعمال المصانع إلي الشوارع في مظاهرات عارمة يوم21 فيراير1968 ورغم أن السبب المباشر لهذه المظاهرات هو الاحتجاج علي الأحكام التي صدرت ضد قيادات سلاح الطيران والتي كان الشعب يطالب بتشديدها لتتناسب مع ما ارتكبه القادة من أخطاء وإهمال أدي إلي هذه الهزيمة البشعة إلا أن المتظاهرين الذين خرجوا من جامعة القاهرة وكنت مصاحبا لهذه المظاهرة بدأوا هتافاتهم يطالبون جمال عبد الناصر بالتغيير( غير غير يا جمال) إلا أنهم عندما وصلوا إلي كوبري الجامعة تحولوا إلي الهتاف( يسقط يسقط حكم العسكر), وعندما وصلوا إلي مبني مجلس الأمة كان هتافهم للحرية( أنور أنور يا سادات أين قانون الحريات) هكذا وسع الشباب مطالبهم إلي آفاق التغيير الديمقراطي وتحرير البلاد من الاحتلال الإسرائيلي, وواصل الشباب نضالهم من خلال المظاهرات والهتافات والمؤتمرات ومجلات الحائط طوال الفترة من1968 إلي1973 حيث نجحوا في الضغط من أجل خوض معركة التحرير بحرب أكتوبر.1973 لم تتوقف حركة الشباب طوال السبعينيات من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني ولكن الأوضاع الاقتصادية والتطورات الدولية ساهمت في إخماد الحركة الوطنية لسنوات طويلة نجح النظام في اخضاع البلاد لسيطرته تماما, ولكن الشباب المصري فاجأ العالم مرة أخري بثورة25 يناير2011 ونجح في خلع رأس النظام, وجري ما جري بعدها ونجحت قوي النظام القديم في تبريد الوضع الثوري ودخلت الثورة مرحلة تراجع بفضل أخطاء عديدة ارتكبتها كل الأطراف من المهم أن ندرسها وأن نعترف بها وأن نصحح مسيرتنا الثورية لاستعادة زمام المبادرة مرة أخري. المهم هنا والخلاصة من تاريخنا كله أن الثورة حركة مد وجزر, وأنه كما تنجح القوي الثورية في تعبئة طاقاتها وانتزاع المكاسب فإنها يمكن أن تمر بمرحلة تراجع وتفقد بعض هذه المكاسب أو تفقدها كلها, وأن كل تحول من الثورة إلي التراجع والعكس له أسبابه, وأننا من هنا قادرون علي استعادة المبادرة إذا نجحنا في تجاوز أسباب التراجع فلا تفقدوا الأمل يا شباب والثورة مستمرة بكم وبتضحياتكم وبوعيكم. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر