القراءة الهادئة لحادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية وهى إحدى ملحقات الكاتدرائية المرقسية حيث المقر البابوى وهو الرمز الأعلى لأقباط مصر ، تطرح العديد من الاسئلة التى سوف تجيب عنها التحقيقات القضائية والامنية الجارية بشفافية كاملة لتهدئة الغضب المصرى ، خاصة الاقباط منهم باعتبارهم هدفا للجماعات الإرهابية ، ولكن طرح هذه الأسئلة ليست محاولة لتوجية اتهام لأشخاص أو جهات ولكن مجرد محاولة للفهم لتفسير ماحدث؟ وكيف حدث؟ وهل كان يمكن تجنبه أو الحد منه؟ ومن يقف خلفه؟ ولماذا البطرسية فى هذا التوقيت؟ وما الرسالة من وراء هذا الجريمة الغادرة؟. أولا: اختيار توقيت الحادث فى يوم إجازة المولد النبوى الشريف ، الذى يوافق الاحد حيث الكنائس مزدحمة بالمصلين من مختلف الأعمار، لايقاع أكبر عدد من الضحايا بصورة مباشرة ، وهو ما حدث بالفعل، فضلا عن هدوء الشوارع خلال الاجازات مما يمكن من الهرب والتخفى بسهولة ، على غرار ما حدث فى تفجير كمين الهرم ، يوم الجمعة الماضى أيضا «إجازة» وقبل صلاة الجمعة، وهى الأيام المفضلة لخفافيش الظلام لتنفيذ جرائمهم ، وربما لاستشعارهم أن أيام الإجازات تشهد استرخاء أمنيا، أو تخفيف لحجم القوات المتواجدة بالشارع لتتناسب مع عدد المارة بالشوارع فى هذه الأيام. ثانيا: التخطيط للحادث وتنفيذه تم بدقة كبيرة ، عن طريق الدخول للمكان وبالطبع بعد مراقبته لفترة طويلة بل ومعاينته بوضوح، ثم تسلل انتحارى بحزام ناسف إلى قلب الكنيسة ، فى ظل كاميرات معطلة وأمن مفقود. ثالثا: ذكر العديد من شهود العيان الذين تواجدوا وقت الحادث فى الكنيسة البطرسية، أن باب الدخول لا توجد به بوابة الكترونية للكشف عن المتفجرات أو الممنوعات رغم أهمية المكان وحساسيته ، وأكدوا أنه لم يحدث تفتيش للسيدات والرجال أثناء الدخول، وهذا يعتبر قمة الاهمال والقصور والتواكل من قوات الشرطة والأمن الإدارى ؛ رغم وجود خدمات أمنية ثابتة أمام البطرسية والمقر البابوى على مدارالساعة، وهل صحيح أنه يتم تخفيف الخدمات الامنية أمام الكاتدرئية خلال سفر البابا تواضروس للخارج؟ رابعا: ربط الحادث بتأييد محكمة النقض اعدام الإرهابى حبارة أو القبض على نجل المعزول محمد مرسي، لهو نوع من العبث والاستنتاج الخاطئ الذى يقود لنتائج كارثية، لأن مثل هذه الجرائم المروعة تحتاج لتخطيط ورصد لفترة زمنية طويلة لاختيار المكان والزمان المناسبين للتنفيذ ، وتحقيق الهدف من الجريمة الإرهابية ، وهنا يجب استشعار القصور فى جمع المعلومات والاستنتاج والتوقع ، وتوجية الضربات الاستباقية لإحباط مخططات الإرهاب. خامسا : اختيار الكنيسة البطرسية بالعباسية وهى الكنيسة الاثرية ذات القيمة التاريخية الكبيرة التى تضم كنوزا من اللوحات النادرة ، بالإضافة إلى أنها قبلة للمصلين الأقباط من مختلف المناطق حتى يكون تاثير الجريمة على نطاق واسع ، فضلا على أنها تعتبر جزءا من حرم الكاتدرائية المرقسية الكبرى حيث المقر البابوى وقيادات الكنيسة القبطية ، ومن يدخل الكنيسة البطرسية يمكنه أن يدخل إلى المقر البابوى دون عوائق. سادسا: الشباب الذين قاموا بالاعتداء على الزملاء الإعلاميين «لميس الحديدى ريهام سعيد أحمد موسى» ليسوا من شباب الكنيسة كما أكد الكثيرون، فهل أندس هؤلا وسط الشباب الغاضب واستغلوا الحادث لإثارة فتنة أمام الكاتدرائية ؟ ولكن هذا أيضا لا ينفى الغضب العارم داخل النفوس الجريحة والقلوب الموجوعة وهم يشاهدون تناثر الأشلاء والدماء داخل بيت للعبادة المفروض أنه أكثر آمنا من كل الاماكن وليس دار حرب ومجزرة للأطفال والنساء. سابعا: أتعجب من تغطية بعض الفضائيات ووسائل الإعلام المتعجل، لضحايا الحادث باعتبارهم أقباطا ؛ وهو ما يشكل مردودا اجتماعيا سلبى على طريقة «عنصرى الأمة« مثل قول أحدهم «والله كلنا زعلانين مش علشان أقباط ..لا« وآخر يقول: «الحادث ده يعتبر للثأر من الاقباط.. علشان موقفهم من ثورة 30 يونيو» وأذكر هؤلا أن الشعب المصرى هو من قام بثورة 30 يونيو والأقباط هم جزء من هذا الشعب ؛ كما أن الحزن على الشهداء ومعظمهم من النساء والأطفال يسكن قلوب المصريين جميعا وليس الأقباط فقط ، يجب التعامل مع الحادث باعتباره طعنة غادرة فى ظهر المجتمع المصرى وليست موجهة لطائفة منه. ثامنا : لقد استهدف الارهابيون بهذة الجريمة الغادرة إثارة الفتنة ، والانقسام بين أبناء المجتمع المصرى، لاستشعارهم أن قوة المصريين فى وحدتهم، وأؤكد لهم أنكم لن تنجحوا فى ذلك ، فقد حاولت الجماعة الارهابية وتوابعها أن تفعل ذلك فى ربوع مصر، بإحراق أكثر من 70 كنيسة، وكان رد البابا تواضروس بقوله المأثور «أن وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن ، ومن قبله قالها الراحل البابا شنودة الثالث» أن مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه .. وأخيرا: أتوقع فى الفترة القادمة، أن يكثف الإرهاب من ضرباته الطائشة ، خاصة مع اقتراب تولى دونالد ترامب رئاسة أمريكا فى 20 يناير القادم، وأستنتاجهم التعاون الفعال ما بين الإدارة الأمريكية الجديدة ومصر على مكافحة الإرهاب وفى المقدمة منه «جماعة الإخوان الإرهابية»، فضلا عن محاولتهم ضرب السياحة مجددا، وتعويق خطط الاصلاح الاقتصادي، واثارة الاضطرابات الأمنية، فهل آن الآوان لفرض حالة الطواريء لمكافحة الارهاب بآليات أكثر فعالية؟ فحماية الشعب المصرى أهم من شعارات «حقوق الانسان« فقد فعلتها فرنسا وتركيا وبعض الدول الغربية فالمعركة مع الإرهاب مازالت طويلة.