بعد قضاء أكثر من 33 عاما فى الخدمة العسكرية ومن بينها سنوات فى العراق وأفغانستان وعمله بالقرب من الجنرالات الكبار ستانلى ماكريستال وديفيد بتريوس ومايكل مولين خرج الجنرال مايكل فلين مطرودا من منصبه كمدير لوكالة الإستخبارات العسكرية بعد أن أدلى بشهادة أمام لجنة بالكونجرس قال فيها أن الشعب الأمريكى أكثر عرضة للخطر اليوم مما كانت عليه الأحوال قبل سنوات لأن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تريد للرأى العام أن يسمع أن الجماعات الإرهابية مثل داعش وبوكو حرام والقاعدة وطالبان تنمو فى أعدادها إلى حد كبير وتتسلل إلى المجتمعات الغربية. وبعد أن هدأ غبار ترك منصبه عاد الجنرال بكتاب «ميدان المعركة: كيف يمكن أن ننتصر فى الحرب العالمية على الإسلام الراديكالى وحلفاءه» مع الباحث مايكل ليدين المستشار السابق فى إدارة رونالد ريجان. ويقوم الكتاب على فكرة تقديم حلول للأوضاع الحالية من خلال خطة تشمل كل الحلول الاستراتيجية وخطة عسكرية مؤثرة تعتمد على الإشتباك وهى خطة يصفها بأنها لا تعتمد على «إدارة» الأزمة أو التورط فى صراع لا ينتهى ولكن هى خطة من أجل الإنتصار فى المعركة. يقول فلين فى كتابه أن المواجهة مع قوى الراديكالية الإسلامية ليست دينية ولكنها ضد التوظيف السياسى من جانب تلك الجماعات الإرهابية للدين وهناك فارق كبير بين الإثنين. ونعرض هنا محتوى الكتاب الذى يمكن إعتباره مرجعا لفهم أفكار وما يعتزم مستشار الأمن القومى المقرب بشدة من الرئيس المنتخب دونالد ترامب القيام به بعد تسلم مهام إدارة البلاد فى 20 يناير المقبل. غلاف كتاب ساحة المعركة وفى الفصل الخاص ب «كيف نفوز؟»، وهو الأهم، يكتب مايكل فلين ومايكل ليدين عن مجموعة من الخطوات المحددة منها: - تدمير الجيوش الجهادية وقتل أو القبض على قياداتها - نزع المصداقية عن أيديولجياتهم والتى سوف تقوى من خلال الإنتصارات العسكرية - خلق مجموعة تحالفات عالمية جديدة للقرن الواحد والعشرين. وهى تحالفات ستظهر تلقائيا فى ظل الحملة العسكرية والسياسية - إظهار تحد حقيقى للأنظمة التى تدعم الأعداء من خلال إضعافهم فى أدنى تقدير والإطاحة بهم متى كان الأمر ممكنا. فى الإطار السابق، يقول فلين أن الإنتصار لن يكون سهلا لأن الأعداء أقوياء ولن يكون الأمر سريعا ايضا مشيرا إلى الإنتصار غير ممكن فى ظل قيادة الديمقراطيين الحالية فى البيت الأبيض (الطبعات الأولى من الكتاب ظهورت فى يوليو الماضي). ويضيف أن المتطلبات الأولية للإنتصار فى أى حرب هى الإرادة والتصميم والقرار وأن تفعل كل ما هو مطلوب من أجل الإنتصار مشيرا إلى ما قاله الرئيس أوباما فى 16 نوفمبر من عام 2015 من أنه لا يريد أن يسمع بعبارة «أمريكا تقود» أو «امريكا تفوز» وهو ما يعنى أن الرئيس يقول للشعب الأمريكى أن بلاده لن تكون فى مقعد القيادة ولا تريد الفوز ومن ثم فهى ستخسر بالتأكيد، وفى المقابل، اعداء الولاياتالمتحدة مصممون على القيادة والإنتصار سواء أن كانوا راديكاليين إسلاميين أو طغاة علمانيين طموحين. ويقول فلين أنه لا يوجد فرار من تلك الحرب واما الفوز أو الهزيمة فيها وفى الوقت الحاضر تبدو أمريكا فى وضع من خسر الحرب، فالأعداء سيدفعون بقوة لكسب أى فرصة للتقدم قبل أن يأتى رئيس جديد للبيت الأبيض- سيكون مدفوعا فى الغالب برغبة فى الإنتصار. ويحدد فلين أربعة أهداف استراتيجية من أجل قيادة الولاياتالمتحدة من جديد لتلك الحرب على القوى الراديكالية من وجهة نظره وهي: أولا: تحفيز كل مكونات القوة الوطنية فى ظل تناغم تام وشامل على غرار الجهود التى كانت فى الحرب العالمية الثانية وفى الحرب الباردة (فى تلك النقطة تحديدا يدعو فلين إلى تعيين قائد واحد فقط مسئول عن نتائج الحرب أمام الرئيس الأمريكى وفى حال عدم تحقيق الإنتصار فعلى الرئيس أن يعزله من موقعه فورا حتى لا تتورط الولاياتالمتحدة فى صراع لا نهاية له ويقول أنه لا توجد طريقة رخيصة للفوز فى تلك الحرب ومن ثم يجب على القيادة الأمريكية أن تنظم نفسها داخليا أولا قبل أن تتوقع أن ينضم إليها أى تحالف دولى لتدمير تلك القوى الشريرة التى يجب أن تحددها الولاياتالمتحدة بشكل واضح وهى الراديكالية الإسلامية). ثانياً، يجب الإشتباك مع الإسلاميين المتطرفين ممن يلجأون إلى العنف أينما كانوا وإقتيادهم خارج الملاذات الأمنة وقتلهم أو أسرهم وأية دولة تأوى تلك العناصر يجب أن تمنح خيارا وحيدا وهو القيام بتصفية تلك العناصر أو أن تكون مستعدة للقبول بأن تقوم الدول المشاركة فى التحالف ضد تلك القوى الإرهابية بالقيام بتلك المهمة. وبعض الدول لا تملك مقومات محاربة الإرهابيين ويمكن أن تطلب المساعدة ويقول على الولاياتالمتحدة ان تكون مستعدة لتقديم يد العون. ثالثاً: على الولاياتالمتحدة أن تواجه بشكل حاسم الدول أو التنظيمات أو الداعمين خارج الدولة لتلك الأيديولوجية الإسلامية العنيفة وأن تضغط من أجل إنهاء الدعم (يقول فلين أن الكثير من تلك الدول يعتبرون اليوم من شركاء الولاياتالمتحدة ويرى أن الوضع الراهن يجب أن يتغير. فلو لم يتحرك ما يسمون بشركاء الولاياتالمتحدة وفقا للأعراف والقيم العالمية أو القانون الدولي، فإن واشنطن يجب أن تكون مستعدة لوقف أو التقليص الحاد للعلاقات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية (هنا يقول فلين إن الولاياتالمتحدة وجهت الكثير من اللوم لدول عربية عن تمويل الإرهاب والحل هو إما التوقف عن الاستمرار فى لعبة توجيه اللوم او تقديم الأدلة على صحة تلك الإتهامات وطرح خيار واحد فى حال صحة الإتهام وهو القبض على هؤلاء الأفراد والتوقف عن تمويل تلك الجماعات او مواجهة عواقب وخيمة). رابعاً، شن حرب أيديولوجية ضد الراديكاليين الإسلاميين وداعميهم، فلو لم نقم بالتصدى للأفكار الحاكمة التى تدعو إلى السيطرة علينا (الولاياتالمتحدة ) أو القضاء علينا، فإننا لن نكون قادرين على تدمير الجهاديين منهم. وهو أمر يمثل أولوية لأنه يؤكد على قدرة الولاياتالمتحدة على المضى قدما فى تنفيذ الأهداف الاخري. تقوم أفكار مايكل فلين مستشار الأمن القومى المرتقب فى البيت الأبيض بعد 20 يناير المقبل أن الولاياتالمتحدة قد إنتصرت فى الحربين العالمية الثانية والباردة بسبب إعتبارها التصدى لأيديولوجية الأعداء أمرا بديهيا. والحرب على الإرهاب اليوم تشنها الجماعات المتطرفة بإسم تلك المباديء الحاكمة هو نفسه منهج إعتمده خصوم الولاياتالمتحدة فى الحربين الثانية والحرب الباردة. ويتطرق مايكل فلين إلى استخدام المتطرفين لمواقع التواصل الإجتماعى فى نشر أفكارهم وتجنيد أنصار جدد ويقول أن مواطنى الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى يجب ان يطالبوا بأن تتحمل تلك المواقع «المسئولية الإجتماعية» عما ينشر عليها ويقول أن تلك المواقع ليست مجرد مكان «تعبر فيه عن نفسك» وبالتالى فإن العالم فى إضراب عميق. ويدعو فلين إلى تطبيق قواعد عالمية تتفق مع القرن الواحد والعشرين وليس اللعب بنفس قواعد لعبة القرن الماضى. ويتسائل عما يجب فعله من جانب شركات مواقع التواصل العملاقة من أجل توجيه رسائل إيجابية وعن المباديء التى تحكم عملها ويقول أن تلك الأشياء لا تستوجب تدخل الحكومة الأمريكية إلا أنه لو حدث التدخل فسيكون فى صالح أن تقوم تلك الوسائل بدور أخر وهو أن تكون صوت من لا صوت لهم ويعنى بهم المرأة والأطفال وتشجيع تقدم البشرية والإنسانية فى إتجاهات أكثر إيجابية وأكثر إستنارة. ويقول فلين وليدين إن الإنتصار فى تلك الحرب لا يكون بمعاملة المتطرفين الإسلاميين على أنهم حفنة من المجانين وإعتبارهم مجرد قضية أمنية فقط ومثلما هو الحال أن القوة العسكرية وحدها ليست كافية لحسم الحرب العالمية على الإرهاب حيث يتعين القضاء على الأسس الفكرية والسياسية التى تحكم تلك الأفعال الغير اخلاقية التى يقوم بها المتطرفون، وهناك دول أدركت الأمر ودول أخرى لم تفعل حتى الان. ويضرب فلين وليدين مثالا بدولة سنغافورة فيقول أنه بعد تجنيد شابين فقط فى صفوف الجهاديين قامت الحكومة بالعمل مع المجتمع المسلم فى البلاد على سرعة توجيه الشباب إلى صحيح التعاليم الدينية والأمر نفسه يحدث فى إندونيسيا. ويقول فلين أن أمرا أخر يمثل جهدا وتطورا مهما الا وهو الإصلاح الدينى الشامل وهو ما يجب أن يبدأ من داخل المجتمعات المسلمة حتى ينجح ويرى أن الحاجة إلى الإصلاح الدينى مسألة تتصل بالأهداف السياسية أكثر مما تتصل بالأمور العقائدية. ويوضح أن الإسلام الراديكالى هو عبارة عن أيديولوجية سياسية شمولية مغلفة بالدين الإسلامي. ويصف فلين دعوة الرئيس السيسى إلى إصلاح الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى بأنه الأكثر شجاعة وصراحة على الإطلاق مشيرا إلى خطاب الرئيس فى مطلع عام 2015 ويقول أن السيسى كان داعما قويا لتجديد النظرة إلى الإسلام وهو الزعيم الذى يجب أن ينظر إليه بإعجاب وإحترام على المستوى الدولى بسبب شجاعته الفكرية بدعوته إلى عملية إصلاح ديني. وقال فلين أن كلمة الرئيس أمام شيوخ الأزهر الشريف كانت الأكثر قوة ومليئة برغبة صادقة من زعيم دولة فى العالم الإسلامى فى الإصلاح. ونقل فلين فى الكتاب مقاطع مطولة من كلمة الرئيس السيسى أمام رجال الأزهر وقام بتحليلها والتعليق عليها داعيا العالم الإسلامى إلى الإنتباه إلى ما جاء فى دعوة الرئيس المصرى ويقول لو كانت تلك دعوة من زعيم واحدة من أقدم وأعظم الأمم على وجه الأرض فيجب علينا أن نقبل بها وان نساعد فى إتمامها بهزيمة الجهاديين داخل النظام السياسى والدينى فكلماته قوية وحقيقية. ويقول فلين: من أجل أن نهزم الراديكالية الإسلامية وحلفاءها، فإن اًلاصلاح بات أمراً مطلوباً. يقول فلين إن الفوز فى حرب الأفكار يحتاج إلى إنتصار فى الميدان والخصوم يرون أنفسهم يتمتعون بدعم لا يمكن الوقوف فى وجهه ولا يمكنهم تخيل الهزيمة فى ظل نظامنا الديمقراطى الفاسد- حسب تصورات المتطرفين- ومن ثم هناك حرب عالمية يستوجب الإنتصار فيها.