فى الوقت الذى أكد فيه علماء الدين حاجة قانون الأحوال الشخصية لإعادة النظر فى بعض مواده، لإصلاح شئون الأسرة، شدد العلماء على ضرورة أن تكون التعديلات المقترحة موافقة لمبادئ الشريعة الإسلامية التى هى الأساس فى الدستور. ورفض العلماء ما تضمنته بعض التعديلات المقترحة من إلزام الزوجة بمشاركة الزوج فى الإنفاق على الأسرة، حيث نصت إحدى المواد المستحدثة فى باب الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين على “تحمل الزوجة مع الزوج مسئولية تسيير ورعاية شئون البيت والأطفال والإنفاق إذا كان لها مال”. ويؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن، أن الزوجة لا تشارك فى نفقات الأسرة بأى حال من الأحوال، لا بإلزام القانون أو غيره، لأن الله تعالى جعل النفقة بشعبها الثلاث (السكنى والكسوة والإطعام) على الزوج، فقال تعالي:” أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم “، وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع فى خطبته الشهيرة” اتقوا الله فى النساء..”إلى أن قال”.. ولهن عليكم إطعامهن وكسوتهن بالمعروف”.. والنفقة تلزم الزوج دائما، حيث قال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة زوج أبى سفيان لما قالت له إن أبا سفيان رجل شحيح لا ينفق علينا إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، قال لها «خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف»، أى أن الإنفاق ملازم للزوج فى جميع الحالات. أما القول بإلزام الزوجة بالنفقة على مسكن الزوجية أو على الأسرة أو المشاركة فى ذلك بوجه عام فهو أمر مخالف للشريعة الإسلامية. أما أن تنفق الزوجة عن طيب خاطر وبرضاها فلا مانع من ذلك، وهذا من حسن العشرة وتعاونها مع الزوج، ما لم تجبر على ذلك. وأوضح إدريس أنه لا يجوز للزوج التضييق على زوجته أو إساءة عشرتها لإجبارها على الإنفاق أو التنازل عن بعض مالها، حيث إن الإنفاق أو تقديم أى جزء من مالها الخاص للزوج أمر متروك لاختيارها الحر دونما إكراه، فقال تعالي: “ فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً”. من جانبه يؤكد الدكتور علوى أمين خليل، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن قانون الأحوال الشخصية بحاجة إلى تعديل شامل يراعى ما أمر الله به، خاصة أن الله عز وجل عندما تحدث عن الزواج والطلاق والعشرة والعدة ونحوها لم يترك الأمر للبشر يؤلفون فيه كيف شاءوا، بل حد حدودا ووضع ضوابط لا يجوز الحيد عنها أو مخالفتها. وأوضح أنه ليس من حق أحد أن يكره الزوجة على الإنفاق على البيت من مالها، وإن كانت ذات مال، بل وإن كانت من أغنى الأغنياء، فالرجل فى الشريعة الإسلامية هو المكلف شرعا بكل نفقات المرأة، والإنفاق أحد مبررات القوامة. لقوله تعالى : «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..». الإعسار ليس مبررا وأكد الدكتور علوى أمين أن إعسار الزوج ليس مبررا لإلزام المرأة بالإنفاق، فإذا كان الزوج معسرا فليس له أن يجبرها على الإنفاق، بل يمكن له أن يقترض منها ويرد عليها ما يقترضه متى تيسر حاله، شريطة أن توافق هى على ذلك، إذ ليس فرضا على الزوج إجبارها على الإقراض أيضا. أما إذا كان حال الزوج هو الإعسار الدائم لعدم قدرة على الكسب أو مرض أو نحوه، فلها أن تنفق برضاها دون إجبار، وتحتسب لله سبحانه وتعالي. وأوضح خليل أنه إذا اتفق الزوجان قبل الزواج على التشارك فى الإنفاق كأن كانت الزوجة تعمل ووافقت على ذلك ، فعليها أن تلتزم بشرطها ما دامت قد قبلت بذلك، امتثالا لقول النبى صلى الله عليه وسلم «المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». من جانبه لفت الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، إلى أنه لابد أن نفرق هنا بين المال الذى هو بيد الزوجة، والمال الذى تتقاضاه من عملها خارج منزل الزوجية، فإذا كان مالا حصلت عليه هدية من الأهل أو ميراثا أو نحو ذلك، فليس لها أن تدفع للزوج منه شيئا وليست مطالبة بأن تسهم فى النفقة بأى جزء منه، اللهم إلا كان زوجها معسرا وهذا على سبيل التبرع منها والعون للزوج بما يعكس حسن عشرتها لزوجها، فالإسلام جعل للمرأة ذمة مالية مستقلة تتصرف فيها كيف شاءت. أما الزوجة التى تخرج للعمل فعليها أن تسهم بجزء من راتبها مساهمة فى نفقات الأسرة، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا، لأنها تقتطع جزءا من وقت زوجها فى العمل، لأن الأصل فى دواعى إلزام الرجل بالإنفاق على زوجته أنها محبوسة على زوجها فى بيته ولا تخرج بغير إذنه.