لم يكن اتصال الرئيس عبد الفتاح السيسى وتقديمه التهنئة للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، إلا تعبيرا عن رغبة صادقة فى بناء علاقات عميقة مع دولة ترتبط مع مصر لأكثر من ثلاثة عقود براوبط إستراتيجية وسياسية واقتصادية قوية شابتها فى السنوات الأخيرة خلافات حول قضايا داخلية وأمنية تباعدت فيها المسافات بين الدولة الأكبر فى المنطقة العربية وبين الدولة الأقوى على المسرح الدولي. فى اللقاء الأول بين الرئيس السيسى ودونالد ترامب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى لمست القيادة المصرية صدقا فى حديث مرشح الرئاسة وفريقه المعاون عندما تحدثوا عن مصر باعتبارها ركنا أساسياً من أركان العلاقات الأمريكية - العربية ومركز الثقل الرئيسى فى المنطقة، ومن ثم يتعين على البلدين زيادة مساحات التفاهم والتعاون الوثيق فى قضايا لا تملك القاهرةوواشنطن رفاهية الخلاف حولها، وأهمها قضية الإرهاب وتنامى تأثير وخطر الجماعات الأصولية العنيفة فى الشرق الأوسط وعلى رأسها تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق وليبيا... ذلك كله تحت مظلة ما سمى ب «الربيع العربي»!!؟ والفوضى الخلاقة المدعومة من الإدارة الديمقراطية... فقد تحملت مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة عبء النظرة المعادية لثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 ضد قوى الظلام والإرهاب وضد محاولة مسخ الهوية والذاكرة الوطنية فى أوساط الإدارة الأمريكية الحالية والمرتبطين بمواقف واحدة مع مشروع تمكين جماعات الإسلام السياسى مثل هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الرئاسة. فلم تتوقف محاولات إعادة جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحياة السياسية رغم الثورة الشعبية التى رفضت بوضوح اللعبة الخبيثة التى تربط الدين بالسياسة. فى حقيقة الأمر، سقطت كلينتون عندما سقطت جماعة الإخوان الإرهابية فى الثلاثين من يونيو 2013 وجاءت الإشارات من ترامب والفريق المعاون على مدى شهور، إيجابية للغاية للبناء على التفاهمات التى تمت وتطوير طريقة المواجهة المشتركة لقضية الإرهاب التى وقفت الإدارة الديمقراطية الحالية موقفا غريبا منها حيث لاتزال تتمسك أطراف داخلها بتمكين التيارات المتشددة وتمنحها دعما وتأييداً يثير علامات استفهام كثيرة حول استخدام تلك الجماعات العنيفة كأدوات لتحقيق أهداف تتعارض مع مصالح الشعوب الأخري. فوز ترامب وهزيمة كلينتون يعنى تقويضا جديدا ل أركان مشروع التمكين وفتح الطريق أمام عودة مصر إلى ممارسة دورها الطبيعى «مركز الثقل» فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى والفرصة سانحة ويتعين استغلالها من الطرفين... وحتى نقتنص فرصة العمل مع إدارة جديدة فى واشنطن تتفهم الدور المصرى بمنطق المشاركة والتوافق بشأن قضايا حيوية، يستوجب الأمر أن نعيد ترتيب أوراقنا ونتغير بما يتوافق مع لعب دور أكثر مركزية فى المنطقة والجرأة فى التعامل مع مواقف إقليمية معلقة من بينها دول ترعى تنظيمات الإرهاب بشكل علني. ولا يخفى على الإدارة السياسية فى القاهرةوواشنطن أن وصول رئيس يحمل أفكارا متقدمة للتعامل مع الجماعات المجرمة التى تقوض مجتمعات وتهدم اقتصاديات فى الشرق الأوسط هو تطور سيدفع تلك الجماعات برعاية نفس الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لها إلى تصعيد عملياتها وتصعيد المواجهة والحرب الخسيسة سواء مع الدولة المصرية أو المجتمع قبل وصول الرئيس الأمريكى الجديد إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير المقبل. ومن ثم فإن فتح صفحة جديدة فى العلاقات الثنائية مع فريق كفء من السياسيين والدبلوماسيين وخبراء الأمن القومى تحت قيادة دونالد ترامب هو فرصة جاءت فى موعدها تماما بعد أن تكالبت علينا قوى وجماعات تعمل لمصالح ضيقة أو خاصة وعواصم تجهل قيمة ما تدافع عنه مصر من حماية هويتها ومصالح أشقائها فى المنطقة دون أن تساوم أو تقايض مع أحد. اللحظة جاءت.. علينا استثمارها. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام;