شهدت جامعة واشنطن فى سانت لويس بولاية ميزورى الامريكية المناظرة الثانية بين مرشحى الانتخابات هيلارى كلينتون ودونالد ترامب التى عقدت فى 9 أكتوبر الجارى، وتعتبر الخطوة قبل الاخيرة لسباق الانتخابات الامريكية المقررة فى 8 نوفمبر المقبل. وتكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التى تجرى كل أربعة أعوام، أهمية كبيرة، نظرا لأن الولاياتالمتحدة لا تزال تقف على رأس هرم النظام الدولى، وتتشابك فى الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط. ويشهد السباق الانتخابى الامريكى فى 2016 حيز اهتمام كبير عالميًا لما تشهده المنطقة العربية بشكل خاص من توترات، كما أن السياسة الامريكية شهدت فى الفترة الاخيرة الكثير من التغيرات والمنعطفات على سياستها تحديدا خلال الفترة الثانية للرئيس باراك اوباما وبعد ثورات الربيع العربى، وشكلت هذه التغيرات إطاراً جديدًا فى التعامل مع قضايا وأزمات المنطقة، فمع توتر الوضع الحالى مع الدول العربية ومع إبرام الاتفاق النووى الإيران نرى أن حدود التغيير فى السياسة الامريكية أمر حتمى لاى رئيس أمريكى سواء كان من الحزب الجمهورى او الديمقرايطى. وعلى الرغم من أن صناعة السياسة الخارجية الامريكية تقوم على المؤسسات وليس الافراد، فإن شخصية الرئيس الامريكى وفريقه الرئاسى لها دور كبير فى آلية تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع، ما بين التدخل او الانعزال، أو استخدام القوة العسكرية والعقوبات والضغوط السياسية، وبين استخدام الآليات الناعمة مثل المساعدات، والحوار، والدبلوماسية. واذا نظرنا إلى المرشحين الرئاسيين هيلارى كلينتون عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، نرى أن برنامجيهما الانتخابى متناقضان فى عدة نقاط اهمها السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط وما نراه من قضايا شائكة مثل محاربة الإرهاب، والتنظيمات الإرهابية كتنظيم «داعش»، والموقف من الأزمات المشتعلة فى سوريا، وقضايا اللاجئين، والعلاقات مع مصر وإيران بالاضافة إلى دول الخليج، خاصة بعد التوترات التى شهدتها العلاقات الامريكية - السعودية بعد موافقة الكونجرس لاصدار قانون «جاستا» الذى يسمح بمقاضاة «الدول الراعية للارهاب» عن احداث 11 سبتمبر، الامر الذى يضع واشنطن فى مواجهة مع حليف قوى لها فى المنطقة العربية. فما أبعاد الاستمرارية وحدود التغيير فى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط، فى ضوء نتائج الانتخابات، وتغير الإدارة الأمريكية؟ وما الموقف من استخدام القوة العسكرية كإحدى أدوات السياسة الخارجية؟ رؤية كلينتون وترامب لقضايا الشرق الأوسط: على الرغم من تزايدا أعداد المناهضين لسياسة ترامب التصادمية خاصة بين أعضاء حزبه الجمهورى وعلى رأسهم بول ريان رئيس مجلس النواب، كما أن آخر استطلاع للرأى الامريكى والذى أجرته جريدة «وول ستريت جورنال» وNBC News حول ترجيح فوز المرشحة الديمقرطية هيلارى كلينتون بفارق 8 نقاط عن نظيرها الجمهورى دونالد ترامب، الا أن الأخير يتمتع بقاعدة شعبية لا يستهان بها خاصة بين رجال الاعمال والمستثمرين لما يقدمه برنامجه الانتخابى من تسهيلات فى الاستثمارات الامريكية وخفض الضرائب لجذب المستثمرين مرة اخرى، كما يرى ترامب أن سياسة كلينتون عندما كانت وزيرة خارجية والرئيس باراك أوباما فى تدخلاتهم فى حروب وأزمات الشرق الاوسط اثقلت على امريكا الكثير من الديون حتى وصلت إلى 20 تريليون دولار، لذا فإنه يرجح أن تنسحب واشنطن من تدخلاتها فى شئون الدول الاخرى وأن تستعيد مكانتها كاقوى اقتصاد عالمي، من جهه اخرى ترى المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون أن امريكا كدولة عظمى يجب أن تقدم الحماية لحلفائها فى الدول العربية وأوروبا وان تضمن امن اسرائيل وان تسعى لاستقرار المنطقة العربية خاصة فى سورياوالعراق كما تسعى لتقديم المزيد من الدعم للاجئين من دول النزاعات خاصة سوريا. وحيث إن لكل مرشح رؤيته الخاصة فى عدة قضايا خاصة فيما تتعلق بالشرق الاوسط نستعرض فيما يلى أهم نقاط الاختلاف بين كلا المرشحين. ما الإطار الجديد الحاكم لسياسة واشنطن فى المرحلة القادمة؟ قال السفير عبدالرؤوف الريدى سفير مصر السابق فى واشنطن، فيما يتعلق بامكانية تاثر العلاقات المصرية - الامريكية بفوز أى من المرشحين، إن مصر وواشنطن حريصتان على ابقاء العلاقات بشكل جيد بين الدولتين، على الرغم من وجود قوى تعمل على زحزحة هذه العلاقات مثل الاخوان المسلمين التى تسعى بسبل كثيرة للتأثير على هذه العلاقات بشكل سلبى، ويرى الريدى أن مصلحة الطرفين المصرى والامريكى أن تبقى العلاقات قائمة وأتوقع أن تزداد تحسنها، وفيما يتعلق بالعلاقات الامريكية - الروسية خاصة فى حال فوز دونالد ترامب الذى يسعى لتعزيز العلاقات مع موسكو، قال السفير السابق إن ترامب مازال شخصية غامضة وغير مفهومة ويغير آراءه بشكل سريع ما يصعب توقع الحكم عليه إلى أن يفوز فى الانتخابات، اما العلاقات الروسية - الامريكية فمن المتوقع أن تظل باردة كما هى، وسيتجنب الطرفان المواجهة المباشرة فهى شبه حرب باردة بين الدولتين. وعلى النقيض يرى د. صلاح سالم استاذ العلوم السياسية والاستراتيجية بجامعة بورسعيد وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية والدبلوماسية، أن العلاقات الامريكية - الروسية ستشهد تقارباً، خاصة فيما يتعلق بالقضية السورية، حيث إن الادارة الامريكية ستفسح المجال لروسيا فى نهاية المطاف، فليس من مصلحة واشنطن أن تدخل فى مواجهة مباشرة مع موسكو، اما فيما يتعلق بتوتر العلاقات الامريكية مع دول الخليج العربى والسعودية فيرى سالم أنهم حلفاء وبينهم مصالح متبادلة وفى السياسة الدولية لا يمكن أن يكون كلا الطرفين على وفاق كامل، فمن الطبيعى أن يكون هناك شد وجذب فى عدة أمور ولكن تبقى المصالح المشتركة هى العامل الاساسى فى سير العلاقات، أما فيما يتعلق بقانون جاستا فيرى سالم أن هذا القانون مجرد زوبعة يجب أن تزول لانه ضد القوانين الدولية، وواشنطن تدرك أنه من الممكن أن تواجهها اتهامات بالمثل فى عدة قضايا مثل العراق، كما يرى استاذ العلوم السياسية أن العلاقات بين مصر وأمريكا ستستمر على نفس النهج، حيث إن واشنطن ادركت انها لن تربح من تدخلها فى الشأن الداخلى المصرى مثلما كان يحدث من قبل، فهى فقط تسعى لكسب حليف آخر فى المنطقة أيا كان خلفيته، فقط تسعى لثبات العلاقات بين الدولتين لخدمة مصالحها، كما أن الادارة الامريكية تدرك أن علاقتها بالقاهرة فى هذه الفترة الحرجة تساندها علاقتها مع السعودية فلا يمكن الاعتماد على مصر فقط فى فرض الهدوء و الاستقرار فى المنطق. أما الشأن الإيرانى وامكانية اعادة النظر فى الاتفاق النووى، فقالت السفيرة هاجر الاسلامبولى مساعد وزير الخارجية الاسبق للشئون الامريكية أن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتغير بتغير الحاكم لانها دولة مؤسسات ولا افراد ولكن من الممكن أن تتغير رؤية تنفيذ القرار، مضيفة أن الناخبين قد يثيرون بآرائهم تساؤلات حول تغيير نهج السياسة ولكن الامر يختلف عند الجلوس فى المكتب البيضاوى لانه اولا واخيرا الولاياتالمتحدة تسعى لتحقيق مكاسب تضمن بقاءها كدولة عظمى وقوى عالمية وحيدة، فمثلا فيما يثيره المرشح الجمهورى حول اعادة النظر فى الاتفاقيات التجارية واتفاق النووى الايرانى ما هو إلا بروباجندا دعائية، فهذه الاتفاقية تمت الموافقة عليها من قبل الكونجرس الامريكى ودول أعضاء النادى النووى مما يصعب تحقيق ما يقوله على أرض الواقع.