الجدل متواصل فى أوروبا حول رغبة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فى إبرام اتفاقية للحد من الهجرة غير الشرعية مع مصر وتونس والعديد من الدول الإفريقية على غرار الاتفاقية التى تم ابرامها بين الإتحاد الاوروبى وتركيا وهو المطلب الذى يواجه بإعتراضات داخل المفوضية الأوروبية، حيث تسود المخاوف من أن تستغل هذه الدول الاتفاقية مستقبلا «لإبتزاز» بروكسل ورهن منع عمليات تهريب المهاجرين انطلاقا من سواحلها بتدفق الأموال الأوروبية. وتتحرك ألمانيا التى كانت خلال العام الماضى الوجهة الرئيسية لأكثر من مليون لاجيء من سوريا وافغانستان والعراق بالإضافة إلى المهاجرين غير الشرعيين من دول شمال وغرب إفريقيا، بشكل مكثف الآن لإقناع شركائها الأوروبيين والمفوضية الأوروبية بضرورة تكرار نموذج الاتفاق مع تركيا الذى يعود إليه الفضل فى توقف تيار الهجرة تقريبا عبر اليونان ثم دول البلقان نحو وسط أوروبا. وهو الاتفاق الذى بموجبه تحصل انقرة على مساعدات مالية تقدر بثلاثة مليارات يورو وامتيازات اخرى لمواطنيها ودعم لتحسين مستوى معيشة اللاجئين فوق أراضيها مقابل منع عمليات التهريب عبر بحر ايجه باتجاه اليونان والتعهد باستعادة اللاجئين الذين يصلون اليونان وترفض طلبات لجوئهم لأوروبا. ولتمهيد الطريق نحو إبرام هذه الاتفاقيات قامت المستشارة الألمانية فعلا فى الإسبوع الماضى بجولة افريقية فى مالى والنيجر وإثيوبيا ثم استقبلت بعدها فى برلين رئيس نيجيريا. وخلال مباحثاتها حثت ميركل هذه الدول على تشديد الرقابة على الحدود فيما بينها كشرط اساسى لخفض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى دول الترانزيت فى شمال إفريقيا مثل مصر وليبيا والجزائر وتونس. كما طالبت بملاحقة المهربين قانونيا، ففى دولة كالنيجر مثلا بدأ تجريم عمليات الهجرة غير الشرعية فقط فى العام الماضي. وتلقت المستشارة الألمانية انتقادات شديدة من المفوضية الأوروبية فى بروكسل التى ترى ان الإتفاق مع تركيا الذى يقوم اساسا على تقديم الدعم المالى مقابل السيطرة على تيار الهجرة، لا يجب ان يكون نموذجا يحتذى مع الدول الإفريقية بل يجب إبرام شراكات مع كل منها على حدة حسب ظروفها، بينما اتهمت ميركل المفوضية بعدم التحمس لإيجاد حل لمشكلة الهجرة غير الشرعية. ولكن يبدو ان هناك إتفاقا اوروبيا على الدور المحورى لدول مثل مصر وتونس فى الحد من هذه الظاهرة. ففى اجتماعات وزراء الداخلية الاوروبيين فى لوكسمبورج قبل ايام تم التأكيد على ضرورة إبرام إتفاقات لتنظيم الهجرة مع هاتين الدولتين تنص على الحد من عمليات التهريب واستعادة المهاجرين مرة اخرى. وحسب موقع يورواكتيف المختص بالشئون الأوروبية فإن مصر تبدى موقفا اكثر مرونة من دول عديدة فى إفريقيا فى مسألة إستعادة اللاجئين غير الشرعيين الذين يتم انقاذهم من قبل السلطات الأوروبية فى البحر المتوسط وهو ما ظهر حسب ما يقول الموقع خلال مباحثات وزير الخارجية سامح شكرى الأخيرة فى فيينا. حيث اشاد وزير الخارجية النمساوى تحديدا بنقطة مهمة بالنسبة للأوروبيين وهى ان السلطات المصرية تستقبل اللاجئين مرة اخرى بعد انقاذهم فى البحر ما يقوض نشاط المهربين لان مغامرة عبور البحر تكون قد فشلت فى حين أن إنقاذ القوات الأوروبية للمهاجرين وانتشالهم ثم نقلهم إلى سواحل إيطاليا واليونان يعنى تحقيق الهدف من الرحلة وهو الوصول إلى أوروبا وتقديم طلب اللجوء هناك. وعلى سبيل المثال فإن ليبيا مثلا ترفض إستعادة هؤلاء المهاجرين مرة اخرى بعد إنقاذهم، وقد رجح الوزير النمساوى إمكانية ابرام اتفاقية أوروبية مع مصر. بالإضافة إلى ذلك فإن إمكانية إنشاء مركز لتجميع المهاجرين غير الشرعيين فى مصر هو أحد المقترحات التى تطالب بها ألمانيا. وخلال إجتماع لوكسمبورج كرر وزير الداخلية الالمانى دى ميزيير مطلبه بإنشاء هذه المراكز فى دول شمال إفريقيا لإيواء اللاجئين غير الشرعيين الذين تنقذهم وكالة فرونتكس أو البحرية الأوروبية فى البحر المتوسط، بحيث يمكنهم تقديم طلبات اللجوء لأوروبا من هناك على ان يستقبل الاتحاد الأوروبى فعلا الحالات التى تستحق اللجوء بينما تتم إعادة الباقين لبلادهم. طبعا هناك من يعارض ذلك مثل منظمات اللاجئين وبعض السياسيين الأوروبيين الذين ينتقدون الأوضاع فى مصر ويرون ان مصر لا تملك الإمكانيات الكافية لإيواء هذه الأعداد كما ان السلطات الأوروبية لن تدرس طلبات اللجوء بشكل عادل. كما يشير موقع يورواكتيف إلى الوضع الاقتصادى الصعب فى مصر والذى يدفع الكثيرين لمحاولة الهجرة إلى أوروبا بشكل متزايد مما يثير قلق الأوروبيين بالإضافة إلى تحول مصر تدريجيا وخاصة بعد إغلاق طريق البلقان إلى مركز ترانزيت رئيسى للمهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا حيث يوجد بها بشكل غير رسمى حسب تقديرات الموقع نحو اربعة ملايين مهاجر ولاجيء إفريقى واربعمائة ألف عراقى ونصف مليون سورى معظمهم ينتظرون الفرصة السانحة للوصول إلى أوروبا. لهذه الاسباب تؤيد المستشارة ميركل ابرام اتفاقيات لوقف تيار الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية لأوروبا فى اسرع وقت مع دولتين هما مصر وتونس، فى الوقت نفسه إبرام إتفاقيات مع الدول المصدرة للمهاجرين وهى نيجيريا وغانا والسنغال ومالى والنيجر والتى تعد دولة الترانزيت الرئيسية من غرب افريقيا لأوروبا. ورغم أنه قد تم خلال قمة الاتحاد الأوروبي افريقيا فى نوفمبر 2015 الإتفاق على ان تتفاوض المفوضية الأوروبية مع هذه الدول الإفريقية، ولكن المانيا تضغط نحو إبرام إتفاقيات على النموذج التركى بالإضافة إلى تقديم مساعدات سريعة لدول مثل مالى والنيجر. وستسعى ميركل لإقناع المفوضية الاوروبية خلال القمة الاوروبية القادمة هذا الأسبوع. غير ان موقع يورواكتيف يتوقع ايضا ان تلجأ برلين لإتفاقيات ثنائية مع هذه الدول للسيطرة على تيار الهجرة غير الشرعية إذا ما وقفت البيروقراطية الأوروبية عقبة فى الطريق. وهى سياسة ليست بجديدة حيث إن دولا أوروبية عديدة مثل سويسرا لجأت لإتفاقات ثنائية مع دول إفريقية من قبل لإعادة المهاجرين غير الشرعيين إليها مقابل مساعدات مالية ودعم وتأهيل مهنى للعائدين، أو اسبانيا التى تساعد السنغال على حماية سواحله مقابل استعادة المهاجرين غير الشرعيين من مواطنيه فضلا عن اتفاق غير معلن بين إسبانيا والمغرب على تقديم مساعدات مالية مقابل منع المهاجرين من الهجرة واستعادة المرحلين منهم مرة أخرى.