كنا فى أمس الحاجة لنحتفل بمرور 43 عاما على نصر أكتوبر وفتحها المبين. بتلك الحفاوة وهذا الاحتفاء الذى يستحقه منا أكتوبر. لكنى لم أسترح لكلمة ذكرى التى سبقت أكتوبر على شاشات الفضائيات وفى بعض الصحف وفى أقوال بعض من تحدثوا عن النصر المبين. أكتوبر لا يمكن أن يكون ذكري. لأن الذكرى هى ما مر من حياة الإنسان واستقر فى ذاكرة الأيام والليالي. ولا نملك سوى استعادته عندما نرغب لكى نطل عليه ونسأل أنفسنا: من يذكر تلك الأيام؟! لو تأملنا معجزة أكتوبر لأدركنا أنها درس فى الإرادة والتحدى وصنع المعجزات. وأن نهج أكتوبر يصلح لكى نواجه به ومن خلاله وعبره مشكلات حياتنا التى تآلفنا معها لدرجة أننا نتصور أحياناً أنها جزء من الشخصية المصرية. كتبت وأقول وسأحكى أننا ما زلنا فى انتظار العبور الثاني. العبور للداخل. أن نطبق نهج أكتوبر وطريقته فى التعامل مع العالم على داخلنا. وهو العبور الذى تأخر 43 عاما. ولكن تأخره لا يعنى أنه أصبح مستحيلاً. ربما جعلنا فى أمس الحاجة إليه: هنا والآن. ما أقصده بالتحديد أن ما فعلناه فى خطة الخداع الاستراتيجى التى جعلت العدو يفاجأ وعمليات العبور وإزالة الساتر الترابى والتمركز شرق القناة لأول مرة منذ 1967، كل عملية قصة وملحمة كبيرة من الإرادة والتصميم والتخطيط. وربما كان التخطيط الفريضة الغائبة فى حياتنا التى لا نعتمد عليه فى مواجهة مشكلاتنا. مع أنه ألف باء إدارة المجتمعات والتصرف فى مواردها ومواجهة مشكلاتها. غياب عبد الناصر من احتفالات أكتوبر هذا العام لفت نظري. لا أقلل مما قام به الرئيس أنور السادات. فهو صاحب قرار الحرب. لكن التخطيط لأكتوبر بدأ بعد أن تراجع عبدالناصر عن قرار التنحى تحت ضغط الجماهير الهادرة فى الشوارع. التى هتفت له: إبق فأنت الأمل الباقي. ولما كنت قد جندت فى القوات المسلحة منذ ديسمبر 1965 حتى أكتوبر 1974، فما زلت أذكر أنه فى أواخر سنة 1969، وكنت فى مستشفى غمرة العسكرى العام. التى كانت وقت السلم مستشفى لعلاج عائلات الضباط وصف ضباط. لكنه تحول لمستشفى ميدانى متقدم. بمجرد أن بدأت العمليات العسكرية. فى هذا الوقت وردت لنا إشارة بها تعليمات أن تتوجه سيارة إسعاف إلى ترعة الخطاطبة للأهمية وبالسرعة القصوي. ولما كنت نوبتجيا فى هذا اليوم. فقد توجهت مع طاقم سيارة الإسعاف. رغم أننى كنت أقوم بعمل إدارى لا علاقة له بدور ومهام المستشفى المعروفة. فى الخطاطبة كان هناك شهداء. علينا نقلهم إلى مشرحة المستشفي. وعندما تساءلت عن شهداء دون قتال. عرفت أنه كانت تجرى بروفات للعبور فى ترعة الخطاطبة. وهى البروفات التى نبتت فيها الفكرة الأولى للعبور لتحرير سيناء. ولأنه كان من رابع المستحيلات أن تتم هذه البروفات العسكرية فى القناة لاحتلال العدو الشاطئ الشرقى منها. فقد تمت فى ترعة الخطاطبة القريبة جدا من القاهرة. أخذنا الشهداء إلى المستشفى وجهزناهم وقمنا بنقلهم إلى عناوينهم الخاصة بكل منهم. لم تكن بروفات العبور الوحيدة التى تمت. جرت فى زمن عبد الناصر حرب الاستنزاف التى يمكن اعتبارها حربا عربية إسرائيلية متكاملة. وقعت فى المسافة الفاصلة ما بين نكسة يونيو ويقظة أكتوبر. ولولاها ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه فى حرب أكتوبر. حرب الاستنزاف لم يؤرخ لها. ولم تدون وقائعها بالتفصيل. وربما كان الكتاب الوحيد عنها وعنوانه: بالسيف. يركز على تأثير حرب الاستنزاف فى الواقع الداخلى للعدو الصهيوني. وفى هذه الحرب عبر المصريون وقاموا بعمليات عسكرية ناجحة. شهمة وبطلة. خلف خطوط العدو. وقد تكررت هذه العمليات وكللت بالنجاح. وحرب الاستنزاف كانت هى العبور الأول من مناخ النكسة الذى صدره لنا العدو الصهيونى والغرب من ورائه. وجعلتنا على مشارف أكتوبر. من المؤكد أنه كانت توجد خطة لتحرير سيناء. ربما كان عنوانها: جرانيت 200، وضعت فى زمن عبد الناصر. وإن كان استشهاده ورحيله فى 28 سبتمبر 1970 لم يمكنه من تنفيذها، لكن هذا الرحيل لا يلغى ما قام به. بل ربما كان قبوله لرجاء الجماهير له أن يبقى بعد التنحى من أجل استكمال المهمة وتحرير كامل التراب الوطني. وقرارات استبقاء المجندين وعدم تسريحهم من الخدمة بعد 1967 وكنت واحدا منهم التى كانت ترد للوحدة على شكل أوامر من القيادة العسكرية. كانت تقول إن القيادة السياسية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الذى هو جمال عبدالناصر قرر ألا يسرح من الخدمة العسكرية مجند واحد قبل تحرير كامل التراب الوطنى المحتل. إن زخم تاريخ أكتوبر يجب ألا يغفل دور عبد الناصر وما قام به. لأن هذه الحرب كانت واحدة من أحلامه الكبري. لمزيد من مقالات يوسف القعيد