تزخر الأجواء السياسية للانتخابات الرئاسية بالكثير من المهاترات والاتهامات والتي ستؤثر حتما علي الاستقرار السياسي, في حالة اختيار أي من المرشحين, وتقل معها فرص التئام الصفوف فيما بعد الانتخابات في وقت وجيز, كي تبدأ مرحلة البناء. أما عن الأجواء المالية التي سيعمل في إطارها كلا المرشحين, فتعبر عنها بوضوح ملامح مشروع الموازنة للعام المالي الجديد, والتي أشارت إلي بلوغ حجم الإنفاق بها 635 مليار جنيه, بينما تصل الإيرادات المتوقعة407 مليارات جنيه, وهكذا تحتاج الحكومة أيا كانت إلي اقتراض 228 مليار جنيه خلال العام المالي الجديد لسد العجز الحقيقي بالموازنة. وذكرت بيانات وزارة المالية أن هذا العجز سيتم تمويله بواقع145 مليار جنيه في صورة سندات خزانة, و81.5مليار جنيه في صورة أذون خزانة حكومية, وأقل من ملياري جنيه قروضا من الخارج. ولم تتضمن بيانات وزارة المالية قرض صندوق النقد الدولي الذي يتوقع ابرام اتفاقه فيما بعد الانتخابات, إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن قيمة قرض الصندوق البالغ 3.2 مليار دولار, تعادل 19 مليار جنيه فقط وهو ما يمثل نسبة 8% من حجم الاقتراض المطلوب خلال العام المالي الجديد. لكن هل لدي البنوك قدرة ائتمانية لشراء جانب كبير من تلك السندات والأذون؟ وهي التي ستستمر في القيام بالدور الأكبر لسد عجز الموازنة, وهو أمر سيكون علي حساب اقراض القطاع الخاص, مما يصعب مهمته في شراء مستلزمات الإنتاج والانتظام في دفع الأجور, خاصة مع رفع فائدة الإقراض للقطاع الخاص بإضافة علاوة المخاطر. ولقد كشفت بيانات الموازنة عن أن حجم الاقتراض لسد عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي, الذي ينتهي خلال أسبوعين قد بلغ 219 مليار جنيه, الأمر الذي انعكس علي ارتفاع نسبة الفائدة علي سندات الخزانة الي نحو 17%, مما زاد من تكلفة فوائد الدين العام إلي 134 مليارا بالموازنة الجديدة, أي بأقل ثلاثة مليارات فقط عن مخصصات الأجور البالغة 137 مليار جنيه. وبرغم خفض الدعم علي المنتجات البترولية الي سبعين مليار جنيه, فإن حتميات الإنفاق بالموازنة والتي تشمل الأجور والدعم وفوائد وأقساط الديون ومستلزمات عمل الدولاب الحكومي قد حصلت علي غالب الإنفاق. وهكذا لم يتبق للاستثمارات سوي 56 مليار جنيه. وهي المنوط بها تحسين مستوي معيشة المصريين في ربوع البلاد, من خلال انشاء المدارس والمراكز العلاجية والطرق والكباري والمرافق. وتلك هي معضلة الموازنة التي تسببت في تأخر اتمام المشروعات المفتوحة منذ سنوات, بسبب تخصيص مبالغ سنوية تقل عن الاحتياجات الاجمالية لإتمام تلك المشروعات مما يطيل من سنوات إنشائها, ويؤخر تخفيف معاناة المواطنين. وستكون هذه هي المعضلة الرئيسية أيضا أمام الرئيس الجديد, والتي ستكون حاجزا رئيسيا أمام امكانية تنفيذه لبرنامجه الانتخابي الذي وعد به, فيما يخص قضايا الفقر والبطالة والمعاشات والصحة والتعليم وغيرها من أولويات تحسين حياة المصريين. حيث ستجد الحكومة أيا كانت نفسها مطالبة بإنفاق 227 مليار جنيه كتكلفة للدين العام, موزعة ما بين134 مليار جنيه تمثل فوائد القروض المحلية والأجنبية للحكومة, ونحو93 مليارا تمثل أقساط القروض المحلية والخارجية, وهكذا لا يستفيد الجمهور بإنفاق تلك المليارات التي تمثل نسبة 36% من إجمالي الإنفاق العام, مقابل نسبة 9% للاستثمارات. تصل نسبة العجز الحقيقي بالموازنة 12.8%, بينما كانت نسبة العجز بالموازنة باليونان المهددة بالخروج من منطقة اليورو 9.1% خلال العام الماضي, وكعادتنا في التقليل من حجم المخاطر نتجه الي المصطلحات الفنية, فنذكر أن هناك عجزا نقديا أو كليا نسبته أقل من 8% نظرا لاستبعاد احتساب قيمة مدفوعات أقساط القروض البالغة 93.5 مليار جنيه. والخطير أن العجز الحقيقي يمكن أن يزيد علي التقديرات الحالية اذا لم يتحقق الاستقرار, فمع استمرار حالة الفوضي والاضطراب الأمني ومشاكل المنتجين, لن تتحق الإيرادات الضريبية المتوقعة, ولن تتحقق الأرباح المتوقعة للشركات العامة, ولن تتحقق الإيرادات المتوقعة من الصناديق الخاصة. وعلي الجانب الآخر يمكن أن يزيد جانب الإنفاق في حالة ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب او النفط أو الزيوت أو السكر خلال العام المالي الجديد, كما يتسبب استمرار تدهور الأوضاع في انخفاض التصنيف الائتماني للبلاد وبالتالي ارتفاع فائدة الاقتراض الخارجي. من كل ما سبق تتضح أهمية سرعة التئام الصفوف فيما بعد الانتخابات. المزيد من مقالات ممدوح الولى